كتاب الفضائح.. مبعوث الأمم يكشف خطايا الغرب نحو ليبيا
يتغافل الغرب بعد تلك السنوات عن خطر الميليشيات الإرهابية في الداخل الليبي، ما دفع الدبلوماسي البريطاني «إيان مارتن» ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا الأسبق، لتحميل الغربَ المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في ليبيا عقب التدخل الدولي في العام 2011، والسماح للميليشيات بتخريبها، من خلال كتاب يروي فيه شهادته على ما حدث خلال هذه الفترة وما تلاها، بجانب فشل بعثة الأمم المتحدة آنذاك في تعزيز الحوار السياسي، حيث قللت المنظمة الأممية من تقدير عاملين الصراع بين الإسلامويين والجماعات والكتائب السياسية الأخرى، والتنافس بين الأطراف الخارجية في ليبيا، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفوضى خلال السنوات التالية مع دخول لاعبين جدد للساحة.
خطايا الغرب نحو ليبيا
تحت عنوان «كل الإجراءات الضرورية؟ الأمم المتحدة والتدخل
الدولي في ليبيا»، صدر كتاب لأول رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا الأسبق «إيان
مارتن»، كشف فيه عن الأخطاء التي وقعت خلال التدخل الدولي في ليبيا منذ العام 2011،
حيث قدّم تحليلًا للقضايا الرئيسية خلال أحداث فبراير 2011، وفترة بعد سقوط نظام العقيد
معمر القذافي، عندما اتُهم الداعمون الغربيون الرئيسيون في التدخل العسكري، بالتخلي
عن ليبيا والسماح للميليشيات بتخريبها.
وفيما يتعلق بمحتويات الكتاب، فإن مؤلفه، أجرى بحثًا عن بيانات
ومذكرات اللاعبين الخارجيين الرئيسيين وهم: رئيس وزراء بريطانيا الأسبق «ديفيد كاميرون»،
والرئيس الفرنسي الأسبق «نيكولاس ساركوزي»، والرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما»
ومسؤولوهم، ساردًا تفاصيل صنع القرار الداخلي للأمم المتحدة، ولقاءاته العديدة مع السياسيين
الليبيين المتنافسين في الانتخابات التي ساعدت الأمم المتحدة في تنظيمها في العام
2012، قائلًا: «إن التقارير الإعلامية عن سلوك القذافي، وكذلك خطاب مؤيدي الثورة ضده،
كانت مبالغ فيها، وأن حديث وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس عن الإبادة
الجماعية المحتملة كان غير مناسب، لكنه يخلص إلى أن المخاوف من حمام دم ليست مختلقة
من أجل توفير ذريعة للتدخل العسكري، فلقد كانت صادقة وحقيقية».
المسؤولية الكبرى
ويؤكد «مارتن» أن المسؤولية الكبرى عن الفشل في إصلاح قطاع الأمن
الليبي، تقع على عاتق الحكومات الغربية التي ساعدت المقاتلين وسلحتهم، كما ارتكب القادة
الليبيون أخطاء، لا سيما قرار وضع الجماعات المسلحة على رواتب الحكومة بدلًا من حلها.
وأقر بفشل بعثة الأمم المتحدة التي كان يقودها، في تعزيز الحوار السياسي، حيث قللت المنظمة الأممية من تقدير عاملي الصراع بين الإسلاميين والجماعات والكتائب السياسية الأخرى، والتنافس بين الأطراف الخارجية في ليبيا، قائلًا: «بشكل عام، كان التدخل في ليبيا العام 2011 قصة مؤسفة، وكان الدافع من ورائه جزئيًّا هو مبدأ مسؤولية الحماية الجديد، والذي بدا أنه يبشر بالكثير، وبدلًا من ذلك، أدت الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في ليبيا إلى إلحاق ضرر كبير بالعقيدة، تُظهر تجربة ليبيا أن مسؤولية المتدخلين ليست فقط الرد والوقاية، بل المتابعة وإعادة البناء. وإلا فإنه يصبح أكثر بقليل من تدمير غير مسؤول».
فضح الأخطاء
وخلال تقرير لموقع «ميديل إيست آي» البريطاني، ربط بين كتاب
«إيان مارتن»، وتحقيق «شيلكوت»، الذي أجري في العراق عقب الغزو الأمريكي في العام
2003، وفضح الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وبريطانيا في عام الغزو وما تلاه
من سنوات لاحقة، مشيرًا إلى أن هذا التحقيق لن يُجرى شيء مثله أبدًا في ليبيا؛ لأن
اللاعبين الدوليين اليوم لا يريدون تسليط الضوء على أخطائهم، واصفةً الكتاب الجديد
بأنه «بديل حكيم وموثوق» عن التحقيق، حيث تقدم فيه شهادة مارتن، الذي شغل منصب مستشار
الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بشأن ليبيا في العام 2011، ثم أصبح أول رئيس
للبعثة الأممية في العام 2012؛ وفق التقرير.
غير متفهم لأهمية القبائل
أشار «إيان مارتن» في كتابه «كل الإجراءات الضرورية؟ الأمم
المتحدة والتدخل الدولي في ليبيا»، إلى أن الغرب لم يفهم أهمية القبائل، وعدم
تركيز حكومات تلك الدول على القضايا السياسية، قائلًا: «إنها لم تفهم أهمية القبائل
والمنافسة بينها»، مؤكدًا أن جهل تلك الحكومات بهذا الأمر صار «محل انتقاد بمجرد مقتل
القذافي»، منبهًا إلى تحذير تقرير «التقييم المسبق» للأمم المتحدة من انتشار الجماعات
المسلحة، وقال إنه لا يُعرف سوى القليل عن تكوين وتنظيم وتسليح وترتيبات القيادة والسيطرة
للميليشيات على جانب المجلس الوطني الانتقالي، إلا أن المسؤولين الغربيين لم ينخرطوا
في إيجاد الحلول، بعد تجربة العراق وأفغانستان، وكانوا ضد بناء الدولة.
ويرى مراقبون في الشأن الليبي، أن الميليشيات المسلحة في
الداخل الليبي، هي المشكلة الجوهرية، وأن نزع السلاح وتفكيكه خيار لا غنى عنه من أجل
إعادة سيادة الدولة الليبية، وقد أغفله الغرب خلال الفترة الماضية، رغم أن ليبيا لن
تصل إلى الاستقرار إلا باحتكارها القوة، مؤكدين أن بقاء تلك الميليشيات يعني استمرار
تأزم الوضع الليبي، إذ إن المجموعات المسلحة تفرض سطوتها على المؤسسات العامة، وتضع
معاييرها الخاصة لتقلد المناصب، بما يقيد وصول الكفاءات الليبية الحقيقية إلى مراكز
الإدارة العامة، كما أن وجودها واحتكارها للسلاح يعنيان عدم الوصول إلى مؤسسة عسكرية
موحدة وقوية في البلاد.
وعن تحمل الغرب مسؤولية ما آلت إليه ليبيا، أشار المراقبون
إلى أن الدول الغربية المسؤولية عما وصلت إليه ليبيا الآن، وأن تدخلاتهم سارت في اتجاه
الإبقاء على التيارات المتطرفة رغم أن الشعب الليبي لفظها، كما اتضح في نتائج انتخابات
البرلمان 2014 التي خسرت فيها هذه التيارات، داعين إياهم بالعمل على هذا الملف وطرد
المجموعات المؤدلجة التي تتبع تنظيم الإخوان الإرهابي، إن أرادوا التعاطي مع الوضع
في ليبيا بجدية.
للمزيد: هنا ليس بيتكم.. الجيش الليبي يتصدى لـ«داعش» في الجنوب





