الحدود نقطة التقاء وانطلاق.. دور الصراع الليبي في تغذية التطرف بالساحل الأفريقي
الخميس 12/مايو/2022 - 07:53 م

محمود البتاكوشي
لعب الفراغ السياسي والأمني في ليبيا دورًا سلبيًّا في استقرار دول الساحل الأفريقي، ونشر الإرهاب والتطرف، حيث زادت شراسة وقوة التنظيمات الإرهابية وعصابات التهريب وميليشيات المرتزقة، ويرجع ذلك إلى الترابط التاريخي بين ليبيا ودول الساحل، والذي يعود إلى تشابك المكونات الديمغرافية والطبيعة القبائلية والظروف الجيوسياسية والتعقيدات الأمنية.
تقويض مكاسب التحول الديمقراطي
الصراع الليبي أعطى دفعة قوية لنشر العنف وعدم الاستقرار على طول الساحل، ما أدى إلى تقويض مكاسب التحول الديمقراطي، الذي بدأ يتحقق منذ تسعينيات القرن العشرين، وظهر ذلك جليًّا في كل من مالي وتشاد، إذ استغل الطوارق في إقليم أزواد بمالي لتحقيق مطالبهم الانفصالية، بعد أن نجحوا في استقطاب الجنود المتمردين، وتشكيل خلايا مقاتلة، ومن ثم قادوا تمردًا واسع النطاق، واستطاعوا السيطرة على تمبكتو وغاو وكيدال، وإعلانهم استقلال ولاية أزواد، مما أسفر عن أزمة إنسانية عميقة جراء نزوح نحو 250 ألف مواطن قسريًّا.
تشاد تتجرع مرارة الارهاب
كما ذاقت تشاد مرارة الصراع الليبي بسبب حدودهم الجنوبية المشتركة، إذ استطاعت مجموعة من الضباط المنشقين تكوين جماعة جبهة التغيير والوفاق عام 2016، بقيادة مهدي علي محمد، وبقوة 1500 عنصر إرهابي، وتمكن هؤلاء من تشكيل قاعدة في جبال تيبستي قادوا منها عدة مواجهات مسلحة ضد الحكومة والجيش التشاديين، وعقب عدة محاولات، أسفر هجوم ناجح عن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في 21 أبريل 2021 بعد مرور يوم من إعلان فوزه بالولاية السادسة لحكم البلاد، ونجم عنه دخول تشاد في حالة من التيه السياسي والمواجهات المسلحة.
كما ساهم فراغ السلطة في ليبيا بعد سقوط القذافي وسيولة انتقال الأسلحة في تحول ليبيا إلى مركز رئيسي ونقطة اتصال لمختلف الجماعات الإرهابية، لاسيما في الزنتان وسرت والجفرة والجنوب الليبي، حيث ظهر فرع لتنظيم داعش ليبيا منذ عام 2014، ونمت طموحاته إلى إعداد سرت لتصبح عاصمة التنظيم الرئيسية، ثم امتد نحو الساحل بتأسيس داعش الساحل والصحراء بقيادة عدنان أبو الوليد الصحراوي، كما بايعت بوكو حرام التنظيم، ونشطت عملياتها حول حوض بحيرة تشاد في نيجيريا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
فاتورة الصراع
مع زيادة عدد الهجمات الإرهابية، ارتفعت موجات النزوح على امتداد منطقة الساحل، وتضاعف عدد النازحين 4 مرات في العامين الماضيين؛ حيث بلغ عددهم في 2021 مليوني شخص، مع نزوح مليوني شخص داخليًّا، كما يقدر عدد القتلى بفعل الإرهاب في نهاية 2020 بحوالي 350 ألف حالة وفاة، وذلك وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كما الصراع في ليبيا، إلى زيادة التنافس بين تنظيمي القاعدة وداعش، حيث نقل تنظيم القاعدة مركز ثقله من أفغانستان إلى الساحل من خلال نشر فروعه مثل جماعة أنصار الدين التي يتزعمها إبراهيم إياد غالي، وتعاونت مع الطوارق للسيطرة على شمال مالي، وجماعة المرابطون بقيادة مختار بلمختار بشمال مالي وجنوب ليبيا، وفي مطلع مارس2017، تحت لواء القاعدة، تشكلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتضم أنصار الدين، والمرابطون، وإمارة منطقة الصحراء، وكتائب ماسينا.
ليبيا نقطة التقاء
كما تمددت شبكات التهريب والجريمة المنظمة، إذ أصبحت ليبيا نقطة التقاء شبكات المهربين وجماعات الجريمة المنظمة وتوطدت العلاقة بين المهربين والإرهابيين في سبيل تأمين الطريق مقابل الحصول على الإتاوات، وساهم التراجع الأمني في فتح المجال أمام لاعبين جدد، وأسواق جديدة، وتطوير آليات التهريب.
كما حولت الحرب الليبية الساحل الأفريقي إلى ساحة تمكنت فيها الدول الأجنبية من تعزيز حضورها العسكري، وأصبحت ميدان للتنافس ومجال لإبراز النفوذ، إذ وجدت القوى الدولية والإقليمية الوضع في ليبيا ذريعة للتدخل العسكري، وعلى إثر ذلك تدخلت القوات الروسية والفرنسية والإيطالية والتركية والأمريكية واتسع نطاق هذا التدخل ليشمل دول الساحل.