تساؤلات حول قدرة طالبان على تنفيذ تعهداتها بكبح جماح الجماعات الإرهابية
تعهدت حركة طالبان خلال مفاوضات العاصمة القطرية الدوحة، بعدم السماح للجماعات الإرهابية بتنفيذ أي عمليات مسلحة ضد مصالح دول التحالف انطلاقا من الأراضي الأفغانية، ويعتبر هذا التعهد أبرز التحديات التي تواجه كلا من الحركة والولايات المتحدة، وسط شكوك ومخاوف دولية من تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية الإقليمية والأممية، وبدأت هذه المخاوف مبكرًا، خلال عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من مطار العاصمة كابول قبل 5 أيام من انتهاء مهلة إجلاء الأجانب.
تهديدات وتفجيرات
لم تمر ساعتان على تحذيرات وزير القوات المسلحة البريطاني جيمس هيبي، والتي أكد خلالها أن هناك تقارير موثقة للغاية عن هجوم وشيك على مطار العاصمة كابول، إلا وتعرضت طائرة إيطالية لإطلاق نار قبل إقلاعها من المطار.
وكان وزير القوات المسلحة البريطانية أكد في تصريحات- وفقًا لـ «بي بي سي»- الخميس 26 أغسطس 2021م، أن هناك «تقارير موثوقة للغاية عن هجوم وشيك» في المطار، ربما في غضون «ساعات».
وقال الوزير؛ «ولهذا السبب تغيرت نصيحة وزارة الخارجية الليلة الماضية للأفراد، بألا ينبغي لهم القدوم إلى مطار كابل، وعليهم الانتقال إلى مكان آمن، وانتظار المزيد من التعليمات».
وأضاف: «لا يسعني إلا أن أقول إن التهديد خطير، وسنبذل قصارى جهدنا لحماية الموجودين في المطار، وهناك فرصة كبيرة مع ورود المزيد من التقارير لتغيير الوضع، وقد نتمكن من تغيير النصيحة، ونبدأ في بحث طلبات الأشخاص من جديد، لكن ليس هناك ضمان لذلك حاليًا».
وقالت وزارة الخارجية البريطانية: «إن الوضع الأمني في أفغانستان "لا يزال مضطربًا"، مضيفة أن هناك "تهديدًا مستمرًا وشديدًا لوقوع هجوم إرهابي».
وفي الوقت نفسه أعلنت كندا وقف عمليات الإجلاء من أفغانستان، وبعدها بأقل من ساعة، وقع انفجار بمحيط مطار كابول، الأمر الذي، ينبئ بأن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من العمليات الإرهابية، قبل انتهاء المهلة المحددة لإجلاء الأجانب من أفغانستان في 31 أغسطس الجاري.
وأعلنت مصادر طبية في كابول عن وفاة ما لا يقل عن 13 شخصًا، بينهم عدد من الأطفال، في الانفجار الذي يتوقع أنه نجم عن هجوم انتحاري وبعد ذلك سمع إطلاق النار.
انتقادات للولايات المتحدة
وكان عدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين، بينهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجهوا انتقادات للإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة بايدن، الأربعاء 25 أغسطس 2021م، بشأن تبعات الانسحاب من أفغانستان، ومدى قدرة حركة طالبان على الوفاء بتعهداتها في حفظ الأمن بالمنطقة، وكبح جماح التنظيمات المسلحة من توجيه هجمات ضد مصالح حلفاء الولايات المتحدة، وكذا مدى قدرة الولايات المتحدة برئاسة بايدن على الوقوف في وجه الإرهاب المتوقع، وما تمتلكه من بدائل لمواجهته في أفغانستان ومحيطها الإقليمي بعد الانسحاب، رغم أن الإدارة الأمريكية الحالية مهمتها فقط تنفيذ ما اتفقت عليه الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، حتى أنها لا يمكنها لها الآن مجرد التلويح بتمديد الانسحاب من أفغانستان، بعد الحادي والثلاثين من أغسطس الجاري، والذي واجهته حركة طالبان بما يشبه التهديد المباشر لواشنطن.
تعهدات طالبان والجماعات المسلحة
تعهدت الحركة في مفاوضات الدوحة، بعدم السماح للجماعات الإرهابية باستخدام الأراضي الأفغانية في تنفيذ عمليات إرهابية، ضد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة، الأمر الذي يطرح تساؤلًا مهمًا وسط عدم قدرة الحركة على السيطرة على محيط مطار العاصمة كابول، والذي يشهد اضطرابات متصاعدة خلال الساعات الأخيرة وسط توقعات بازدياد هذه الاضطرابات.
فرغم وجود تنسيقات قديمة بين الحركة وتنظيمي القاعدة وداعش فإن المنطلقات الإيديولوجية بين التظيمين وطالبان ليست متطابقة للدرجة التي يمكن للحركة أن تكون قادرة على كبح أي محاولة من عناصر أو أفرع التنظيمين أو غيرهما من تنفيذ أي هجوم إرهابي في أي وقت وبأية وسيلة.
وكما أنه لو استطاعت الحركة الوفاء بذلك على الأراضي الأفغانية فكيف تضمن عدم وقوع مثل هذه الهجمات خارج أفغانستان.
ولو كانت هناك اتفاقات بين القيادات العليا للحركة والقاعدة على تنفيذ هذه التعهدات، فالأمر لا يمنع من وجود اختراق لهذه التعهدات من قبل أي من الأفرع لوجود خلافات داخلها، كما أن القاعدة باتت منتشرة في مناطق كثيرة من العالم وليست في أفغانستان وحدها؛ بل من الممكن في أي وقت أن تنفذ عمليات ضد حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا على سبيل المثال.
وجاء تبني تنظيم داعش الهجوم الذي استهدف محيط مطار كابول مؤخرًا وأدى إلى سقوط عشرات الضحايا، ليؤكد أن طريق الحركة نحو التمكين والاستقرار في الحكم، ومن ثم تنفيذ تعهداتها بكبح جماع الجماعات المسلحة، لن يكون مفروشًا بالورود، فالحركة نفسها مستهدفة من أصدقاء الأمس، الذين كتبوا قصائد المدح في قياداتها القديمة، لكن تبدل الحال إلى العداء مع الحركة، واعتبارها مرتدة، منذ وفاة الملا عمر، وتولي خلفه الملا أختر منصور، وزاد العداء للحركة منذ بدء المفاوضات مع الأمريكان في العاصمة القطرية الدوحة، فالحركة التي لا تستطيع حماية نفسها من الجماعات المسلحة، الأمر الذي يجعل وفاء الحركة بتعهداتها صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا.





