ad a b
ad ad ad

التأكيد على المرجعية ومؤشرات الصدام في خطاب طالبان (قراءة تحليلية)

الخميس 19/أغسطس/2021 - 12:35 م
المرجع
محمد شعت
طباعة
جاءت سيطرة حركة «طالبان» على السلطة ومفاصل الدولة الأفغانية لتخطف أنظار العالم أجمع، في ظل حالة من الترقب لملامح التجربة الوليدة للحركة، وهل ستختلف عن تجربتها السابقة في ظل ما يبدو من تحولات في فكر الحركة وإدراكها للواقع السياسي محليًّا ودوليًّا، أم ستعيد تجربتها السابقة؟
ذبيح الله مجاهد
ذبيح الله مجاهد
معايير غائبة

ويأتي هذا الترقب في ظل غياب معايير واضحة يمكن من خلالها التنبؤ بمستقبل الحركة وملامح تجربتها الجديدة، على الرغم من التحولات في خطاب الحركة.

ولعل الخطاب الأول لحركة طالبان الذي جاء على لسان المتحدث الرسمي ذبيح الله مجاهد يكون كاشفًا- إلى حد ما- عن الخطوط الرئيسة التي تستند إليها الحركة في تشكيل سياستها وتجربتها، خاصة أن السياسة تقوم على شقين هما الكلام السياسي والفعل السياسي، وقد يسبق الكلام الفعل في حال الإقدام على قرارات جديدة أو سياسة جديدة للتمهيد لهذه السياسة وجس نبض الجماهير تجاهها، وقد يكون الكلام تاليًا للفعل لتبرير، وتوضيح أسباب اللجوء إلى سياسات معينة، وكلا الجانبين تضمنهما الخطاب الأول للحركة.
خطاب الحشد والطمأنة

وسنوضح في إطار التحليل الكلي للخطاب أبرز الاستراتيجيات والأدوات التي اعتمدت عليها طالبان في الخطاب بهدف الإقناع والحشد والتجييش من جهة، إلى جانب الطمأنة والتأكيد على هوية الحركة ومرجعيتها ومحاولة التماهي مع دول الجوار والمجتمع الدولي.

وقبل أن نعرض للخطاب وأهدافه وأدواته، ينبغي التأكيد على أن الخطاب يمثل قارئه حتى وإن استعانت الحركة بمن يكتب لها الخطاب، فهو لا يمثل كاتبه بأية حال، ولكنه يمثل الحركة وأهدافها وتوجهاتها، خاصة أن الخطاب السياسي يمر بعدة مراحل قبل إلقائه، تتمثل المرحلة الأولي في التشاور بين كاتب الخطاب وقارئه للاتفاق على الخطوط العريضة التي يجب التركيز عليها في الخطاب، ثم مرحلة المراجعة التي تخص قارئ الخطاب، ثم إقراره أو تعديله، وبطبيعة الحال لا بد أن يكون هناك توافق كبير في رؤية وقناعات قارئ الخطاب وكاتبه، وهذا أمر متبع في كل الخطابات السياسية، وقد لا يتم الالتزام حرفيا بالخطاب أثناء قراءته، ويمكن اللجوء للارتجال في مواضع معينة للشرح والتفنيد وتنويع الأسلوب.
التأكيد على المرجعية
تجربة جديدة

جاء الخطاب في مجمله لمحاولة إبراز أن هناك تغيرًا كبيرًا في خطاب الحركة وفكرها معًا، والاستعداد لخوض تجربة جديدة تتفادى خلالها أخطاءها السابقة، وتمد يدها للتعاون مع الجميع، وليس لديها أي استعداد للدخول في حروب وعداوات مع أي طرف، أو أن تكون محطة ينطلق من خلالها أعمال عدائية ضد دول الجوار أو دول أخرى، إضافة إلى التأكيد على منح الحقوق لأصحابها، وطمأنة الجميع في الداخل والخارج، لكن بعض مفردات الخطاب تشير دلالتها إلى احتمالية الصدام المبكر في ظل تمسك الحركة- كما بدا في الخطاب- بعدة مسائل قد تتسبب في هذه الصدام، والتي تتمثل في:
التأكيد على المرجعية

على الرغم من الخطاب المتصالح الذي قدمته الحركة فإنها أكدت على مرجعيتها وهويتها، وذلك من خلال تكرار بعض الألفاظ والجمل في مواضع كثيرة، مثل «الإمارة» و«الإمارة الإسلامية» و«الإمارة الإسلامية الأفغانية» و«أمير المؤمنين»، في ظل غياب لفظ «الجمهورية» الذي لم يرد في الخطاب ولو لمرة واحدة، وهو ما يشير إلى قناعة الحركة تجاه الحكم، وإن اضطرت إلى تطبيق نظام «الجمهورية» فسيكون تطبيقًا شكليًّا، أما الحكم الفعلي فهو للإمارة وفق الفكر الراسخ لدى الحركة، التي بدا من خطابها أن عقيدتها تطغى على التحولات في سلوكها، وهو ما يشير إلى أن هذه التحولات قد تكون مرحلية لتجاوز المرحلة.
الحقوق المشروطة

حاولت الحركة طمأنة الداخل والخارج معًا، بالحديث عن حقوق المرأة أو «حقوق النساء» بحسب تعبير متحدث الحركة، والذي أكد أن قيادة الإمارة شددت على منح النساء حقوقهن، لكن هذه الأوامر بمنح النساء حقوقهن لم تكن مطلقة ولكنها جاءت مقيدة ومشروطة، لتكون هذه الحقوق في إطار الإسلام أو الشريعة، وبالتالي فالإسلام هنا- وفق فهم الحركة له ورؤيتها للشريعة- هو الأمر الذي قد يصطدم مع تطلعات الأفغانيات من جهة وتصورات المجتمع الدولي من جهة أخرى، وبالتالي تأتي الوعود بمنح النساء حقوقهن فضفاضة ومراوغة، وقد يقتصر عمل المرأة على الوظائف التي ستراها الحركة مناسبة لها وفق عقيدتها، وليس وفق مؤهلات المرأة وقدراتها.
معضلة «القناعات»

على الرغم من تأكيد الخطاب على انفتاح الحركة على دول الجوار والمجتمع الدولي، والمطالبة بالتعامل مع الحركة وفق معايير القوانين الدولية، وأن الحركة لها الحق في إقرار قوانينها الخاصة والالتزام بعاداتها وتقاليدها مثل الدول الغربية والعربية، فإن الخطاب لم يكتف بذلك، بل تطرق إلى ما أسماه «قناعات الحركة»، ولم يتطرق إلى توضيح هذه القناعات، واكتفي بالدعوة إلى احترامها دون الكشف عن ملامح هذه القناعات التي قد تثير صدامات مستقبلًا.
التأكيد على المرجعية
استراتيجيات الإقناع والتجييش

أي خطاب سياسي هو خطاب «براجماتي» في الأساس، الهدف منه هو تحقيق مصالح، والتي يأتي على رأسها صناعة قاعدة شعبية، وتوسيع رقعة المؤيدين، وفي حالة تجربة طالبان فهي تسعى لتحقيق ذلك سواء في الداخل أو الخارج، لذلك اعتمدت على عدة أدوات لإقناع الجمهور المستهدف، من بينها:


توظيف «الشعارات»

تأتي الشعارات الكبرى ورفع رايات المعارك والانتصارات ضمن الأدوات والاستراتيجيات التي يعتمد عليها الخطاب السياسي، خاصة الجماعات المؤدلجة، وهو ما بدا خلال الخطاب الأول لطالبان، حيث اتكأ متحدث الحركة على مثل هذه الألفاظ والشعارات والتي تكررت كثيرًا مثل «النصر»، و«الاستقلال»، و«الحرية»، و«المحتل»، «منَّ الله علينا بالحرية»، «المقاومة»، «التخلص من الاحتلال»، «أهنئكم بالنصر»، إلى غير ذلك من الشعارات والألفاظ الحماسية التي تهدف إلى الحشد والتأييد، وتقديم الحركة نفسها كمنتصر ومثال يحتذى به.
«التركيز على العاطفة»

الجانب العاطفي، من أكثر الجوانب المستهدفة في مثل هذا النوع من الخطابات، وذلك من خلال ظاهرة «التضفير الخطابي»، والذي يهدف إلى استثمار خصائص الخطاب الديني الإلهي، وتوظيفها في خدمة الخطاب السياسي‮، وهو ماحدث في خطاب طالبان، الذي بدأ بآيات قرآنية، تعزز شعارات النصر، حيث بدأ «ذبيح الله» خطابه بتلاوة آيات من سورة الفتح: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)، إضافة إلى استخدام تراكيب دينية في عدة مواضع وتكرارها مع كل طرح، مثل «بإذن الله» «لله الحمد»، ومن هنا فإن توظيف الخطاب الديني يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وتقوية سلطة الحاكم في مواجهة معارضيه.
تبرير الفعل

كما أوضحنا في البداية، عندما يسبق الفعل السياسي الكلام السياسي، يتم اللجوء إلى التبرير، في محاولة لاحتواء أي ردود أفعال غاضبة، أو قطع الطريق على استثمار الفعل بصورة سلبية يضر بمستقبل النظام سواء كان ناشئا أو غير ذلك، وهو ما حدث في تبرير دخول العاصمة «كابل» وإلقاء المسؤولية في ذلك على النظام السابق وموظفيه الذين غادروا الدوائر الحكومية، ماتسبب في حالة من الفوضى وعمليات النهب، وأن دخول كابل كان لمواجهة هذه الحالة الفوضوية، وتوفير الأمن للشعب الأفغاني والبعثات الدبلوماسية، ومحاولة إظهار أن هذا التصرف لم يكن بهدف سيطرة الحركة على السلطة أو مفاصل الدولة، ولكن الهدف الأول كان لتأمين الشعب وتحقيق المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة.
التأكيد على المرجعية
الحجب والإخفاء

على الرغم من تركيز الخطاب على «النصر المبين» الذي حققته الحركة، وخروج القوات الأمريكية من أفغانستان التي تم وصفها بـ«الاحتلال» أو «المحتل»، إلا أنه أخفى الوجه الآخر لهذا الانسحاب، ولم يتطرق إلى التفاهمات والضمانات التي تم تقديمها إلى الجانب الأمريكي، ولا المصلحة الأمريكية التي قد تتحقق من هذا الانسحاب، وهي استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على الإنجاز الذي يراد تصديره وعدم التقليل منه في ذهنية المتلقي.
الاستعارة السياسية

تعد الاستعارة السياسية أحد أهم أدوات الخطاب السياسي، والتي يتم من خلالها نقل طبيعة علاقات في دوائر ضيقة إلى دوائر أوسع، مثل العلاقات الأسرية التي يتم محاولة توظيفها ونقلها إلى المجتمع بشكل عام، والعلاقات الأسرية يتم توظيفها بكثرة في الخطابات السياسية ومحاولة نقلها إلى المجتمع ليصبح أكثر تماسكًا، وهو ما لجأ إليه الخطاب في حديثه عن علاقة الحركة مع القبائل، أو العلاقة التي تسعى إليها الحركة مع القبائل في تجربتها الجديدة، حيث تم اللجوء إلى الاستعارة السياسية في قوله "كل القبائل أخوة"، ونحن نعيش في وطن واحد، والتأكيد على عدم السماح بإثارة النعرات العرقية أو القومية أو الدينية.

الكلمات المفتاحية

"