أهمله الأيوبيون وأغلقه الفرنسيون.. الأزهر تاريخ من العلم والنضال
الأربعاء 20/يونيو/2018 - 09:27 م

عبدالهادي ربيع
الأزهر الشريف، صرح علمي وديني كبير، ظلَّ على مدى أكثر من 1000 عام منارة للفكر الوسطي ومركزًا لحفظ تراث الأمة وثقافتها وهويتها وحصن يتحطم على أسواره الفكر المتطرف والهدام، ولم تكن تلك مهمته الوحيدة، فقد شارك هذا المعهد العريق أيضًا في تحمل آلام الشعب المصري والأمة الإسلامية على مرِّ تاريخه، فرفع لواء التصدي للاستعمار والطغاة؛ ما تسبب في استهدافه مرات عدة، ويرصد «المرجع» في هذا التقرير عدد المرات التي حاول فيها الحكام والمستعمرون إغلاق الجامع الأزهر على مدار تاريخه الحافل بالإنجازات:
في عصر الدولة الأيوبية
بدأ صلاح الدين الأيوبي، (منذ توليه مقاليد السلطنة في مصر) التصدي لـ«التبشير الشيعي»، ولأن الجامع الأزهر كان مركزًا لتدريس المذهب الشيعي في مصر، فقد حاول «صلاح الدين» إغلاقه ولكنه فشل في هذا بسبب ما كان يتمتع به هذا الصرح العريق من مكانة في قلوب المصريين؛ حيث كان مركزًا للعلوم الدينية والدنيوية.
ولأن صلاح الدين الأيوبي، كان «شافعي» المذهب فقد لجأ إلى خطة بديلة لصرف أنظار الناس عن الأزهر الشريف، حيث عطل صلاة الجمعة به، ونقلها إلى مسجد الحاكم بأمر الله، وذلك لأن الإمام الشافعي (الذي يتبع مذهبه الأيوبيون) يرى أن الجمعة لا تقام في أي مدينة إلا في مسجد واحد يُسمى «المسجد الجامع».
وظل الأزهر الشريف (رغم تعطيل صلاة الجمعة به) مركزًا للعلوم الشرعية، ومنارة لحفظ تراث الأمة وهويتها وثقافتها، فقد ظلت الدروس العلمية تلقى بداخله بانتظام، وعلى عكس ما يظن البعض لم يُغلق الأزهر في عهد الدولة الأيوبية والسبب في هذا اللغط التاريخي هو تعطيل صلاة الجمعة به طوال حكم الأيوبيين لمصر؛ إلى أن أعاد إقامتها به السلطان الظاهر بيبرس عام 1266، فعاد الأزهر جامعًا وجامعة سُنّية.
الأزهر والمماليك
لم يكن الأزهر يومًا مداهنًا لسلطانٍ، فصدع علماؤه بكلمة الحق في وجه كل سلطان جائر خلال كل العصور، وكانت عادة علماء الأزهر إذا وقع ظلم على أهل مصر من قبلِ الحكام أن يأمروا التلاميذ بالصعود إلى مآذن الجامع وقرع الطبول، وحينما يسمع والي مصر «طبول الأزهر» يُدرك أن المشايخ أعلنوا الثورة ضده، فإذا استجاب هدأت ثورتهم ونزل الطلاب من على المآذن، وإذا استمر في عناده أمر العلماء بإغلاق أبواب الجامع الأزهر إيذانًا ببدء التصعيد وحلول لحظة عزل الوالي.
وفي عهد سلاطين المماليك وقف علماء الأزهر ضد الجائرين، وكان شيخه حينها الشيخ عبدالله الشرقاوي، الذي رفض اعتداء أمراء المماليك على فلاحي مدينة بلبيس، وكان معه جمع من المشايخ من بينهم: الشيخ السادات، والسيد عمر مكرم، والشيخ البكري، والشيخ الأمير، وطلبوا من التلاميذ أن يصعدوا لمآذن الجامع ويقرعوا الطبول، وحينما لم يستجب الأمراء للمطالب، أغلق المشايخ أبواب الأزهر، وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر، وأعلنوا حالة من الغضب العام إلى أن وافق الأمراء على شروطهم برفع المظالم عن الناس، وكتب بذلك قاضي القضاة وثيقة وقّعها الوالي العثماني، وقائدا الجيش «إبراهيم بك» و«مراد بك» شيخا البلد، كما روى الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار».
الأزهر والاحتلال الفرنسي لمصر
سجل الأزهر صفحةً مجيدةً في مقاومة الاستعمار الفرنسي خلال حملته على مصر عام 1998، وأشعل علماؤه جذوة ثورتي القاهرة، ونادوا بالجهاد ضد المحتل، فأخذ الفرنسيون يطلقون النار على الثوار في الشوارع، وقدّم الأزهر عددًا من الشهداء خلال تلك الأحداث، إضافةً إلى إعدام قيادة الحملة الفرنسية نخبة من علمائه وطلابه، خاصةً بعد مقتل الجنرال كليبر على يد سليمان الحلبي (أحد طلاب الأزهر وهو سوري الجنسية)، وكان أبرز من قاد الثورة وقتها من شيوخ الأزهر الشيخ الشرقاوي، والسيد عمر مكرم، والشيخ السادات.
وتعمد الفرنسيون (لإثناء علماء الأزهر عن قيادة الثورة ضدهم) إلى دخول الأزهر بالخيول، ثم أغلقوا الجامع عقب اغتيال سليمان الحلبي للجنرال كليبر في 20 يونيو من عام 1800، ولم يُفتح الأزهر إلا بعد خروج الحملة من مصر وهي تجر ذيول الهزيمة.