تقويض فرص شن الهجمات.. فرنسا تستبق المتطرفين بخطوات عملية
تعد الضربات الأمنية الاستباقية إحدى أهم الأدوات التي تمكن السلطات من السيطرة على الجماعات الإرهابية وتقويض فرص شن
الهجمات، وهو ما تصعد فرنسا من الاعتماد عليه ضمن إستراتيجيتها الأحدث لمكافحة
الجماعات المتطرفة.
أعلنت السلطات الفرنسية الأربعاء 26 مايو 2021، اعتقال أربعة أشخاص في ستراسبورج شرق البلاد، تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عامًا، لتخطيطهم لهجوم عنيف، وينتمي المشتبه بهم إلى الجالية الشيشانية.
الجالية الشيشانية وأمن فرنسا
لم تفصح السلطات الفرنسية عن طبيعة الهجوم الذي كان مخططًا له أو موقعه، ولكن العملية الأمنية الاستباقية كانت ضمن تحقيقات أجراها مكتب المدعي العام لمكافحة الإرهاب، وكذلك إستراتيجية أمنية لزيادة مراقبة الجالية الشيشانية، وهو ما يظهر من عملية اعتقال سابقة جرت في 27 أبريل 2021 ضد 8 أشخاص من الجالية يشتبه في تورطهم بعلاقات مع الجماعات الإرهابية، واشتراكهم في شبكة لتحويل الأموال إلى سوريا.
وقتل لاجئ من الشيشان يبلغ من العمر 18 عامًا، مدرس التاريخ «صموئيل باتي» في 16 أكتوبر 2020 بعد عرض الأخير صورًا مسيئة للدين الإسلامي على طلابه بإحدى الحصص الدراسية، وهو ما يفسر سبب تركيز السلطات على المجتمع الشيشاني بالبلاد، وذلك خوفًا من شبكات إرهابية قد تكون ممتدة بين الشباب عبر أحد الدعاة المتطرفين.
ويُظهر إحباط الهجوم الأخير إلى جانب شبكة التمويل المشبوهة المكتشفة حديثًا، وجود روابط سرية ممتدة للفكر المتطرف بداخل البلاد تنفذ إلى الشباب المهاجرين من الأقليات باعتبارهم الفئة الأكثر شعورًا بالغربة، ومن ثم توفر لهم الاحتضان والتشابه المرجعي المفقود في المجتمع الغربي، ولكن هذه التقاربات ربما ستخلف تيارًا أكثر تصارعًا مع المناهضين للهجرة كاليمين المتطرف.
يطرح ما سبق تساؤلات حول ضرورة عدم الاكتفاء بالقبض على المتورطين في التخطيط للهجمات الإرهابية أو تشكيل شبكات التمويل، ولكن في السيطرة على الجمعيات الثقافية والدينية التي تستغل معتقدات مغلوطة لتجميع الشباب وغسل أدمغتهم لاعتناق الفكر المتطرف.
واتجهت البلاد بالفعل لتنفيذ هذه الإجراءات عندما قررت حل جماعة الشيخ ياسين في 21 أكتوبر 2020 ومساءلة القائم عليها عبدالحكيم صفريوي لاتهامات منسوبة إليه بدعم مركزه لفتوى ذبح المعلم صموئيل باتي، ولكن تبقى مؤسسات جماعة الإخوان قائمة في البلاد على الرغم من كونها الجماعة الأم للتنظيمات الإرهابية، وتضم فرنسا أبرز مؤسسات الجماعة في أوروبا، وهما: اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا والمعهد الأوروبي للعلوم الإسلامية والإنسانية.
فرنسا تكافح الإرهاب بأطر مختلفة
تعتمد الحكومة الفرنسية على عدة متغيرات، ضمن إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في البلاد، عقب سلسلة من الهجمات العنيفة التي منيت بها خلال نهاية عام 2020، وما تبع ذلك من جدال فكري صعد من تعقيد الموقف، ومن ثم ركزت البلاد على الدعم الأمني لقوات مكافحة الإرهاب عبر ضربات قوية للخلايا المتطرفة.
وأبرز ما ارتكزت عليه فرنسا في مكافحتها للإرهاب هو تجديد القوانين واستحداث مواد للمواجهة، فلطالما عانت دول الاتحاد الأوروبي من عدم ملاءمة أنظمتها القانونية للمواجهة الفعلية للإرهابيين، وأبرز هذه المواد هو قانون المبادئ الجمهورية لحماية النظام الفرنسي من العنصرية والفصل المجتمعي.
وتصاعدت الأحداث في فرنسا منذ قرار صحيفة «شارلي ابيدو» إعادة نشر الرسوم المسيئة للدين الإسلامي والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بمناسبة محاكمة المتورطين في هجوم 7 يناير 2015 الذي نفذه تنظيم «القاعدة» ضد مقر الصحيفة ما خلف 12 قتيلًا.
وعلى إثر إعادة نشر الرسوم، روج الإرهابيون مبررات لإعادة الهجوم على المقر القديم للصحيفة في 25 سبتمبر 2020، ما خلف مصابين اثنين، ومن ثم اشتعل بالبلاد جدال فكري حول حرية التعبير عن الرأي وقدسية الأديان والرسل، أعقبه استغلال سياسي للدول المناوئة لباريس ما أجج التطرف بالبلاد وفرض على الحكومة الفرنسية مواجهة مشددة.





