رؤى «بايدن» نحو تدويل الأزمة الأفغانية تنسف اتفاق «ترامب»

عادت العلاقة بين واشنطن وبين حركة طالبان
إلى الاضطراب مجددًا، وهو المتوقع منذ وصول جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة
الأمريكية، لحمله نهجًا مختلفًا إزاء الإشكالية التي ظن الرئيس السابق دونالد
ترامب أنها حُسمت عبر اتفاق فبراير 2020 في العاصمة القطرية الدوحة.
ونقلت وكالة «رويترز» الأحد 7 مارس 2021، تصريحات أمريكية بشأن الملف الأفغاني، جاء فيها أن جميع الخيارات
مطروحة إزاء سحب القوات العسكرية من البلاد، وشددت على عدم اتخاذها بعد
لقرار حاسم بشأن الالتزام بالانسحاب العسكري في أول مايو 2021 وفقًا لما نصته
اتفاقية فبراير.
وتمثل تلك التصريحات تحايلًا على البنود المنصوص عليها في الاتفاق الموقع بين قادة طالبان وبين الحكومة الأمريكية برئاسة «ترامب» في فبراير 2020، والتي تُوجب الانسحاب الكلي للقوات العسكرية الأمريكية، وكذلك قوات حلف الناتو وجميع البعثاث الدولية إلى جانب الإفراج عن جميع المسجونين من «طالبان» لدى حكومة أفغانستان والعكس، وهو ما تم إبان ولاية ترامب كمدخل لمفاوضات بين الأطراف الداخلية لم تُحسم نتيجتها بعد لوجود اضطراب في الرؤى حول إتمام الصفقة من عدمه.

إشكالية التدويل وآحادية الحل
تشكل التصريحات الأخيرة استكمالا لملف الأطروحات الجديدة التي يتبناها «جو بايدن» نحو الملف الأفغاني، ففي 7 مارس 2021 نشرت شبكة «بي بي سي» وشبكة «طلوع نيوز» الإخبارية الأفغانية تسريبًا لرسالة أمريكية إلى الرئاسة الأفغانية لم تنف صحتها بعد.
تضمنت الرسالة الموجهة من وزير الخارجية الأمريكي، أنتولي بلينكين إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني، دعوة لخفض العنف، وتوقف القتال لمدة 90 يومًا، مع ضرورة تشكيل حكومة انتقالي تجمع عناصر الجانبين، والأبرز في الرسالة هو عقد مؤتمر سلام دولي ترعاه الأمم المتحدة ويُعقد في العاصمة التركية أنقرة بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا وباكستان وإيران والصين والهند.
وتعبر الرسالة عن تجاوز جغرافي لأطراف الصراع فمن محاولة داخلية للحل أو اقتصار على مفاوضات بين واشنطن وطالبان، يريد «جو بايدن» إشراك جميع العناصر الإقليمية في حل الأزمة لتكون البنود المتفق عليها بعد ذلك ملزمة للجميع بما لا يتيح لطالبان التفرد بالمنطقة، ومن ثم إدارة ظهرها لواشنطن لتقييم المصالح الإقليمية وفقًا لرؤيتها الخاصة ما يعرض واشنطن لخسارة مقعدها في المنطقة.
كذلك تحاول الإدارة الأمريكية إشراك الأطراف التي تلعب «طالبان» على كونهم حلفاءها بالمنطقة ضد تلاعب واشنطن، وبالتالي تصبح الولايات المتحدة، كما اعتادت عدوة الكل وصديقة أيضًا.
وفي هذا المنحى تقول الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، المختصة في الشأن الآسيوي، في تصريح لـ«المرجع»: إن «بايدن» يمتلك تاريخًا وخبرة سياسية تجعله يتعامل مع الملف بطريقة أعمق من سابقه دونالد ترامب.
وتشير إلى أن جو بايدن يحاول عمل توازنات بالمنطقة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الصين العدو الأول لها بجانب روسيا، وبالتالي سيحافظ «بايدن» على وجود حقيقي دون إفساح كامل المجال لطالبان خوفًا على ارتباطات قد تضر بمصالح واشنطن، مضيفة أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في إنهاء الصراع بأفغانستان، ولكنها تريد إطالته لتضمن التلاعب بجميع الأطراف دون تغليب طرف على الآخر إلا لمصالح وقتية.

الناتو وتضامنية القرار الأمريكي
يبدو أن دول حلف الناتو باتت تدرس هي الأخرى جدوى خروجها العسكري من أفغانستان ونتائج هذا القرار على المصالح الخاصة بها في المنطقة، وفي 23 فبراير 2021 قالت وزيرة الدفاع الألمانية، «أنجريت كرامب» إن بلادها ستمدد بعثتها العسكرية في أفغانستان ضمن بعثة الناتو، ولذلك فإن إدارة حلف شمال الأطلسي عليها الاستعداد لمواجهة هجمات طالبان.
وفي 6 مارس 2021 طالبت ألمانيا بعدم الانسحاب غير المسؤول من أفغانستان، مؤكدة أن سحب القوات العسكرية سيصب في مصلحة حركة «طالبان»، وبالأخص إذا تم الأمر دون دراسة جميع الجوانب المتعلقة.
ويأتي هذا القرار في توقيت متوافق مع إصدارات الإدارة الأمريكية بشأن الانسحاب بما يعني موقف موحد ضد الحركة التي تصعد هجماتها ضد المدنيين والعسكرين دون هوادة منذ انطلاق المفاوضات عدا فترات بسيطة لأسباب سياسية.
المزيد.. «طالبان» و«القاعدة».. الحركة الأفغانية تخطب ود واشنطن بالتخلي عن «تنظيم بن لادن»