يكاد الملف الاقتصادي
يشغل بال الليبيين أكثر من الملفات السياسية والعسكرية، مع تولي إدارة جديدة
شؤون البلاد وارتفاع معدلات التفاؤل بقدومها إلى أقصى حد منذ سقوط بلد المختار في دوامة الحرب
في 2011.
ورغم تصنيف ليبيا أنها أحد أغنى الدول
بالمنطقة لاعتمادها على الإنتاج البترولي، إلا أن نسبة كبيرة من الشعب ما زالت تلاقي عثرات في توصيل الكهرباء والمرافق، فضلًا عن تدني مستويات المعيشة، ولذلك كثرت الأحاديث عن
فساد النخب السياسية الحاكمة التي تورطت في نهب أموال البلاد.
وعلى ذكر ذلك أعدت
مؤسسة «جلوبال ويتنيس» تقريرًا حول حجم الفساد الكبير الذي يشوب ملف فتح
الاعتمادات المستندية في ليبيا وتورط جماعات مسلحة فيه.
وأكدت المؤسسة في تقريرها
تورط جماعات مسلحة عدة في هذا الملف، في إطار الصراع على موارد الدولة فيها؛
للاستفادة منها في تمويل أنشطتها، مبينًا أن نشر التقرير يأتي في إطار مساعدة
مجموعات المجتمع المدني والصحفيين والمواطنين لتتبع الأموال والأماكن التي تذهب
إليها.
وأوصى التقرير بوجوب تحلي الجهة التي تتولى توزيع النقد الأجنبي بين الليبيين بالشفافية الكاملة لبناء الثقة في المؤسسات، ولردع أي عمليات احتيال أو تلاعب؛ فضلًا عن إعادة النظر في دور المصرف المركزي فيما يتعلق بالمساءلة والرقابة المرتبطة بإدارتها للأموال العامة في ليبيا.
وشدد على وجوب تعزيز المصرف المركزي لآليات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال متابعة حركة الأموال الواردة والصادرة إلى ليبيا ومنها، لإعادة الثقة للمواطنين بنظامهم المصرفي وأموالهم، متطرقًا لمثال فضيحة ما يسمى بالمغسلة الروسية لغسيل الأموال.
فساد بالمستندات
وتعليقًا على التقرير، كتب الخبير الاقتصادي الليبي، سليمان الشحومي، قائلًا عبر «فيس بوك» إن التقرير الذي نشرته المؤسسة الأجنبية يستعرض الفساد بالاعتمادات المستندية الحكومية والخاصة، والذي أداره المصرف المركزي عبر آليات أسعار صرف متعددة وتسبب في تحويل النقد الأجنبي عبر الاعتمادات لسلعة أكثر رواجًا وطلبًا من غيرها.
وأشار الخبير إلى: «أن ذلك يكشف حقيقة يكاد يعرفها الجميع عن مدى هشاشة النظام المصرفي الليبي وتسخيره لإضفاء الشرعية على الأعمال الفاسدة بالتحويلات الخارجية، وفي حين أن هذا النظام المصرفي المهترئ، من أعلى قمته حتى أخمص قدميه، يعاني من انعدام قدرته على إدارة منظومة النقد المحلي، فانعدمت السيولة، وتعطلت مقاصة الصكوك، وأربكت حياة الناس، وكل ذلك بسبب التعنت والأحادية والتشظي وفقدان العمل المؤسسي بعمل المصرف المركزي».
ولفت إلى أن هذا التقرير سبقه تقرير ديوان المحاسبة منذ فترة طويلة، والذي أماط اللثام عن كوارث حقيقية صاحبت عمليات الاعتمادات وتم تجاوزه والاستمرار في نفس المنهج بسبب ثبات سياسة التعامل مع سعر الصرف، واستمرار فتح أبواب يجب أن تكون مؤصدة، وفقًا لقوله.
واختتم الخبير الاقتصادي الليبي قائلاً: «بدون أي شك هناك اعتمادات وردت مقابلها سلع وبضائع، وهناك اعتمادات سخرت لخدمة أغراض التجارة عبر الحدود، وهناك اعتمادات استخدمت لخلق ثروات انعكست في التزاحم على تملك العقارات بالبلاد، حتما توحيد سعر الصرف سيعمل على مجابهة هذا الانزلاق الخطير، لكنه لن يكون كافيًا طالما استمرت القيود الكمية والإجرائية على شراء النقد، وطالما لم تتم إعادة هيكلة شاملة وعادلة لتطوير المصرف المركزي والقطاع المصرفي الليبي بشكل أوسع وحوكمة عملياته».
اتهامات لتركيا والوفاق
وفي ظل هذه السياسات الاقتصادية الفاسدة، تواجه حكومة الوفاق التي أدارت البلاد منذ 2015 وحتى تشكيل الحكومة الجديدة خلال الأيام المقبلة، اتهامات، من قبيل تسليمها القطاع الاقتصادي لجماعة الإخوان لإدارته، وصرفها لأموال الشعب الليبي على علاج المسؤولين في الخارج ومصروفات المسلحين المأجورين.
وكانت مشافي أردنية، أصدرت أكثر من تقرير أظهرت فيه حجم الديون الليبية مقابل تقديمها خدمات طبية لمسؤولين بحكومة الوفاق، بجانب ذلك تواجه الوفاق اتهامات بتسخيرها للاقتصاد وثروات الليبيين لإتقاذ الاقتصاد التركي، إذ قامت أنقرة بعقد اتفاقات مع الوفاق تصب في صالح اتساع رقعة الاستيراد الليبي من تركيا.
ويثير ما يعرف بنظام تتبع البضائع، الذي تشرف عليه شركات تركية، الساحة الليبية حاليًا، إذ قال الخبير الاقتصادي الليبي سالم التاجوري في تصريحات صحفية، إن نظام التتبع للبضائع الذي تشرف عليه شركة تركية خاصة، وتم إقراره من قبل مصلحة الجمارك الخاضعة لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، يهدف لمزيد من الحصول التركي على النفوذ الاقتصادي في ليبيا، لإنقاذ الاقتصاد التركي.
ووفق تقديرات الخبير الاقتصادي تبلغ قيمة صادرات تركيا إلى ليبيا 10 مليارات دولار سنويًا، لهذا رفضت الغرفة الاقتصادية «الليبية ــ المصرية»، العمل بنظام التتبع للبضائع.
وقال رئيس الغرفة الاقتصادية «الليبية ــ المصرية» المشتركة إبراهيم الجراري إن الشركات المشرفة لا تسمح بدخول البضائع غير التركية إلى ليبيا، ما يعد احتكارًا للسوق لصالح بيع المنتجات التركية فقط، مطالبًا بتغيير موانئ الترانزيت من تركيا إلى مصر، نظرًا لما يتعرض له التجار الليبيون من ابتزاز وتأخير بضائع، إضافة لدفع مبالغ جمركية هائلة تؤثر على الاقتصاد المحلي بالدرجة الأولى.