فرنسا والإرهاب.. خريطة متشابكة وملفات معقدة
عادت فرنسا لاختبار العمليات المتطرفة الكبرى، وسط دعوات يبثها الإسلامويون على منصاتهم الإعلامية بموقع التواصل الاجتماعي تيليجرام، لمزيد من الاستهدافات لعاصمة النور، إلى جانب حملة أمنية وقانونية تشنها الحكومة لشل أو بتر أذرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالبلاد، وذلك لتفكيك المشهد العنيف.
صراع فكري
تزايدت الهجمات ضد فرنسا خلال الآونة الأخيرة مصحوبة بصراع فكري تزعم فرنسا أنه مؤجج سياسيًّا لخدمة أجندات دولية، وعلى خلفية ذلك جرت سلسلة من العمليات بدأت مع حادثة الطعن التي نفذها مجهولون بالقرب من الموقع القديم لمجلة شارلي أبيدو بالعاصمة باريس في 25 سبتمبر 2020، أعقبها حادثة قطع رقبة لمدرس فرنسي في 16 أكتوبر 2020، بينما نفذ شاب من أصول تونسية يبلغ من العمر 21 عامًا حادثًا عنيفًا في نيس في 30 أكتوبر 2020 راح ضحيتها ثلاثة مواطنين.
وارتبطت تلك العمليات بإشكالية الرسوم المسيئة للنبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، والتي أعادت شارلي أبيدو نشرها بالتزامن مع بداية المحاكمة للمتطرفين في الهجوم الذي وقع ضد المجلة في 2015 على يد تنظيم القاعدة الذي أعاد بدوره التهديدات الموجهة لباريس إزاء هذا الموقف، ومن جانبه دخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر تصريحات عن الأزمة وصفها بالتعرض للتحريف الذي حولها من إدانة للإرهاب إلى تطاول على الإسلام.
تشابك الخريطة الإرهابية ضد فرنسا
تتشابك الملفات المتطرفة من حيث تهديدها للأمن الفرنسي، نظرًا لعدة متغيرات أبرزها جماعة الإخوان التي استطاعت على مدار السنوات الماضية بناء تحالف قوي من المؤسسات الثقافيىة والدينية داخل البلاد، مارست من خلاله نشر أيديولوجيتها التوسعية غير المرتبطة بحدود جغرافية، بما لذلك من تأثير على الروابط الدولية.
فمن المعروف أن تركيا وقطر هما الداعمتان الدوليان الرئيسان لجماعة الإخوان، فهم يمثلون التحالف التوسعي ضد أوروبا، وبالتالي فإن العناصر المذكورة تشابكت من أجل تعظيم أزمة فرنسا، فمن جانبه أكد ماكرون بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل الأزمة الأخيرة للنيل من باريس، وتقويض اقتصادها عبر الدعوة لحملات مقاطعة مدفوعة بإثارة حماس المتدينين حول العالم.
وبدورها لعبت مؤسسات الإخوان في الوطن العربي -لاسيما في تونس- للترويج لمعاداة الموقف الفرنسي، كما حاول أردوغان تحريك أدواته في القارة العجوز، وأبرزها الذئاب الرمادية، ولذلك سارعت باريس لتقويض الأخيرة، وإعلان حظرها بقرار رسمي صدر في نوفمبر 2020؛ ما أشعل الغضب التركي، وهدد أردوغان بمحاسبة فرنسا على هذا الإجراء.
وإلى جانب ذلك حظرت السلطات الفرنسية في 20 أكتوبر 2020 جمعية الشيخ ياسين لارتباطها بجماعة الإخوان، وتورط مديرها عبد الحكيم صفريوي في إصدار فتاوى تبيح قطع الرأس للمسيئين للدين الإسلامي.
وعلاوة على تشابك العلاقات بين تركيا –الغريمة الحالية للنظام الفرنسي- وجماعة الإخوان بأيديولوجيتها المناهضة للديمقراطية الأوروبية، فإن تنظيم القاعدة بما لديه من فكر مستمد من جماعة الإخوان، وبعض العلاقات التعاونية بين الطرفين في الشرق الأوسط يمتلك من الملفات السياسية والجغرافية؛ ما يستغله لتهديد أمن باريس.
تهديدات القاعدة وداعش
ترتبط تهديدات القاعدة لفرنسا في أبرز عواملها بالصراع الدائر بين الطرفين في شمال أفريقيا التي تسعى الأخيرة عبر علاقات تاريخية ممتدة لتحريرها من الإرهاب والفوضى، وتوسيع شبكة العلاقات الاستثمارية التعاونية فيما بينهما، بينما تلعب القاعدة لحساب مصالح أخرى تنشر بها العنف، وهو ما يظهر في خطابات المؤسس أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري الزعيم الحالي -غير المعروف إذا ما كان على قيد الحياة- من تهديدات مباشر لفرنسا باعتبارها عدوًا رئيسيًّا.
وفيما يخص النشاط الداعشي على الأراضي الفرنسية، فيحسمها البعض لنشاط الأخيرة في الحرب الدولية الموجهة ضده بالشرق الأوسط، وإلى رغبة التنظيم في تسليط الضوء على أنشطته عبر شن الهجمات في العواصم الكبرى، بيد أن تنظيم داعش تربطه علاقة خفية بالدولة التركية التي سهلت له مرور المسلحين الأجانب إلى معسكراته، بما يشمله ذلك من مشهد معقد ضد فرنسا.
المزيد.. قراءة في حوار ماكرون للجزيرة.. فرنسا تحارب التطرف وتحترم الإسلام





