انتخابات باكستان.. حجر يحرك المياه الراكدة
يتوجه الباكستانيون لصناديق الاقتراع في انتخابات عامة، في 25 من الشهر الجاري، التي تعد حدثًا تاريخيًّا؛ لكونها المرة الثانية التي ستنتقل فيها السلطة بصورة ديمقراطية. وتحكم البلاد إدارة انتقالية من المتخصصين، بعد أن سلمهم السلطة، حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف، مع إنهاء الحزب فترة حكمه البلاد، التي كانت مدتها 5 أعوام.
المعركة
الانتخابية
ما يميز هذه الانتخابات رغم المشكلات التي
تحيطها، هي رؤية العديد من المراقبين لها باعتبارها تطورًا مهمًّا في المشهد الباكستاني،
لا يمكن غض البصر عن نتائجه، وتأثيره على مجريات الأمور هناك.
ويواجه الحزب الحاكم أزمةً، قد تؤثر على
حظوظه في هذه الانتخابات، بعدما صدر حكم قضائي في حق «شريف» الجمعة الماضية، الذي شغل
منصب رئيس الوزراء 3 مرات؛ إذ قضت محكمة باكستانية بسجنه 10 سنوات في تهم فساد
تتعلق بشراء أسرته شققًا سكنية فاخرة، في العاصمة البريطانية لندن.
وسيواجه «شريف»، الاعتقال لدى وصوله إلى
إسلام أباد، قبل الانتخابات التي تحتدم فيها المنافسة بين حزبه و«الحركة الوطنية
من أجل العدالة في باكستان (إنصاف)»، الحزب الذي يتزعمه عمران خان، السياسي المعارض،
ويقيم «شريف» حاليًّا في لندن، برفقة زوجته التي ترقد في غيبوبة منذ إصابتها بنوبة قلبية،
الشهر الماضي.
ويعتمد حزب «خان»، في حملته الانتخابية
على رسالته ضد الفساد، ومواجهته في بلد يبلغ تعداده 208 ملايين نسمة، يعاني من اضطرابات
اقتصادية متزايدة.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة بالس كونسالتنت،
الأسبوع الماضي، أن 30 في المئة من المشاركين من أنحاء باكستان، يؤيدون حزب إنصاف،
بينما حصل حزب «الرابطة الإسلامية» على 27 في المئة من الأصوات.
ونفى «خان»، وقوف قادة عسكريين وراء حزبه،
متهمًا «شريف» بالتستر وراء مثل هذه الاتهامات لتجنب المساءلة، وتصاعدت حدة التوتر مع
تكرار شكاوي سياسيين باكستانيين، من تلقيهم تهديدات، وتعرضهم لضغوط من قبل قادة عسكريين؛
لتبديل ولائهم والانضمام إلى أحزاب أخرى وشكاوى من الصحفيين ووسائل إعلام من رقابة
خانقة.
القائمة
الرمادية
كما تسعى الحكومة الباكستانية إلى إحكام
إجراءاتها، واتباع خطة عمل؛ للحد من غسل الأموال ودعم الإرهاب، وذلك بعد إعادة إدراج
البلاد على قائمة دولية لمراقبة تمويل الإرهاب هذا الشهر.
وكان مسؤولون باكستانيون قد حاولوا إقناع
مجموعة «قوة المهام للعمل المالي»، خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس، بعدم إدراج
بلادهم على قائمة الدول، التي لا تتبنى ضوابط كافية لمنع تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
ويطالب الغرب باكستان، منذ وقت طويل بمزيد من الإجراءات في مواجهة الجماعات المتشددة على أرضها، وتحدثت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في فبراير الماضي، عن ضرورة إعادتها إلى «القائمة الرمادية».
وظلت باكستان، على هذه القائمة لـ3 سنوات
حتى عام 2015، وأبلغتها مجموعة «قوة المهام» بما ينبغي عليها فعله من أجل رفعها من
القائمة، ومن شأن هذه الخطوة عرقلة فرص جذب الاستثمار لدعم اقتصادها الهش، حتى مع دعم
الصين لمشروعات بنى تحتية كبرى بها.
ورغم نشاط حركة طالبان في باكستان منذ
10 سنوات -هي عمر الصراع القائم في البلاد، والذي قتل فيه الآلاف من المدنيين وقوات
الأمن- فإن الحركة الإرهابية تواجه تحديات جمة، خاصةً مع تولي الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، الذي يضغط على باكستان لإثبات حسن نيتها وجدية تعاونها مع الولايات المتحدة،
في حربها ضد الإرهاب.
وقامت حركة طالبان في باكستان، باختيار
«مفتي نور والي محسود»، زعيمًا جديدًا لها الشهر الماضي، بعد مقتل زعيمها السابق «الملا
فضل الله» في ضربة جويَّة أمريكيَّة أفغانيَّة.
وكان «نور محسود»، يشغل منصب نائب زعيم
الحركة الإرهابيَّة، منذ فبراير الماضي، بعد مقتل الرجل الثاني السابق في الحركة، خالد
محسود، في ضربة بطائرة دون طيار نفذتها القوات الأمريكية على إقليم وزيرستان الشمالي،
على الجانب الباكستاني من الحدود.
وحسم «نور محسود» الخلاف الذي كان قائمًا بين أعضاء حركة طالبان، وساعده في ذلك علاقته وتقربه من شبكة «حقاني»، التابعة لحركة طالبان الأفغانية، ضد منافسه على مقعد زعيم الحركة «عمر رحمن سواتي».
وتواجه الحركة الإرهابية صراعات داخلية
بين قادة يسعون للحصول على نفوذ أكبر؛ ما تسبب في انشقاق بعض أفرداها، وتكوين جماعة
جديدة؛ إذ شكل عمر خالد خراساني، تنظيمًا إرهابيًّا أطلق عليها «جماعة الأحرار»، بعد احتدام
الخلافات بينه وبين باقي زعماء الحركة.
ونفذت هذه الجماعة هجمات عدّة أغلبها استهدف
مسيحيي باكستان، فشنت هجومًا انتحاريًّا على كنيسة في مدينة كويتا، في جنوب غرب باكستان
خلال قداس الأحد، قبل أسبوع على الاحتفال بعيد الميلاد العام الماضي، وقتل 8 أشخاص
على الأقل، وجرح 30 في هذا الهجوم.
ويرى المراقبون أن معطيات المشهد الباكستاني،
سوف تتغير تأثرًا بما ستفرزه الانتخابات المقبلة، سواء من حيث إعادة رسم الخريطة السياسية،
أو أسلوب إدارة البلاد، وذلك رغم قلة التوقعات بحدوث تغييرات جذرية في المستقبل القريب.





