الموقف الخليجي من تسليح إيران.. قراءة في دوافع الرفض
أعربت دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما المملكة العربية السعودية رفضها القرار الذي تم اتخاذه في مجلس الأمن فيما يتعلق برفع حظر السلاح على إيران، وذلك في جلسته التي عقدت في 14 أغسطس 2020.
في السياق ذاته، قدم الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى الدكتور نايف الحجر رسالة إلى مجلس الأمن في 10 أغسطس 2020، تفيد بالرغبة الخليجية في تمديد حظر نقل الأسلحة من وإلى إيران، على خلفية اعتبار هذه الأخيرة بمثابة الراعي الأول للإرهاب في المنطقة، والمسؤولة عن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
كما أشارت الرسالة إلى أنه يجب تمديد قرار حظر السلاح على إيران، إلى أن تتوقف عن دعم الميليشيات المسلحة التابعة لها في المنطقة، والأعمال التخريبية الناتجة عن ذلك.
رغم إعلان دول مجلس التعاون الخليجي بأن ما سبق يتمثل في المحفزات الرئيسية التى تقف وراء موقفها من هذه القضية، فإنه يمكن القول أن هناك بعض الدوافع الأخرى التي يمكن تفسيرها فيما يلي:
أولًا- تكثيف الضغوط
يبدو وكأن دول الخليج تحاول عبر إرسال هذه الرسالة اتباع النهج الأمريكى- الإسرائيلى الذى يهدف إلى تكثيف الضغوط على طهران من خلال حرمانها من كل السبل التى يمكن أن تؤدى إلى تزايد دورها في المنطقة، وهو الأمر الذي بدأته الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب منذ خروج واشنطن من الاتفاق النووي في مايو لعام 2018 عبر موجات من العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على أبرز القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد الإيراني التي تتمثل في تجارة النفط، والغاز والبتروكيمياويات، فضلاً عن عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين(1).
من ناحية أخرى، يمثل الاتفاق الصيني الإيراني الذي تم الإعلان عنه في يونيو 2020 ضربة قوية لبرنامج العقوبات الأمريكي المفروض على طهران، ولاسيما أن هذا الاتفاق يقر بضخ بكين نحو 400 مليار دولار في جميع قطاعات الاقتصاد الإيرانى، وهو الأمر الذي ليس من شأنه تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي في إيران – الذي تدهور بشكل كبير بالتوازي مع تفشي جائحة كورونا- بل وتعزيز دورها في المنطقة أيضًا من خلال تطوير بعض المواني الإستراتجية المهمة مثل ميناء جاسك وبناء عدد من المدن السياحية على ساحل مكران الواقع على شواطئ بحر عمان(2).
ثانيًا- الأنشطة التخريبية الإيرانية بالمنطقة
تعتبر بعض الدول الخليجية؛ ولاسيما المملكة العربية السعودية، إيران بمثابة المنافس الإقليمي الأول لها في المنطقة، على خلفية امتلاك طهران لمشروع إيديولوجى يهدف إلى التوسع على حساب دول المنطقة بحجة تصدير الثورة، وما تطلق عليه طهران بحماية المستضعفين في الأرض، فضلاً عن مواجهة قوى الاستكبار العالمى. وعليه تعتبر إيران من وجهة النظر الخليجية بمثابة المزعزع الأول لاستقرار المنطقة، الأمر الذي من شأنه تهديد الأمن القومي لدولها.
اتضح ما سبق، من خلال الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على منشأتي نفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية في سبتمبر لعام 2019، الأمر الذي أدى إلى خسائر مادية جسيمة في هذه المنشآت، فضلًا عن ارتفاع سعر النفط وانخفاض المعروض منه في السوق العالمي. من ناحية أخرى، مارست إيران كثيرًا من الأنشطة التخريبية فيما يتعلق بالملاحة البحرية في المنطقة خلال الفترة الماضية؛ حيث تمثلت أبرز هذه الأعمال في إعلان وزارة الخارجية الإماراتية في 13 مايو لعام 2019 عن تعرض أربع شاحنات تجارية مدنية لعمليات تخريبية بالقرب من الساحل الشرقي لإمارة الفجيرة، فضلًا عن تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم تخريبي بالقرب من المياه الاقتصادية لأبوظبي)3).
يمكن القول أن جُل ما سبق تمثل في تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 6 يوليو 2020 خلال الاجتماع الوزاري العربي الصيني الذي عُقد عبر الاتصال المرئي برئاسة الأردن، قائلًا:" إن السعودية تؤكد على وحدة وسـيادة وسلامة الأراضي العربية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما تدين المملكة التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية"، مضيفاً «إن تلك التدخلات التي تلعب دورًا تخريبيًّا من خلال دعمها للميليشيات الإرهابية المسلحة، وتأجيجها للانقسامات الطائفية، والعرقية، تتطلب وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي»)4).
ثالثًا- ملفات عالقة
تتشابك كل من إيران ودول الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في بعض الملفات الخلافية في عدد من دول المنطقة وبخاصة في اليمن؛ حيث تقود الرياض تحالف دعم الشرعية، وكان لـ«أبوظبي» علاقة وثيقة بالمجلس الانتقالي الجنوبي قبل انسحاب القوات التابعة لها من اليمن في فبراير من العام الجاري، وهو الأمر الذي تعارض مع سياسات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة إيرانيًّا التي ترغب في السيطرة الكاملة على الأراضي اليمنية كافة. في السياق ذاته، تقوم جماعة الحوثي بجملة من الانتهاكات متعددة الأشكال داخل اليمن؛ تتمثل في حقوق الإنسان وبخاصة الناشطين والصحفيين، سرقة المبانى والممتلكات العامة، فضلاً عن خطف الأطفال والنساء(5).
كما تتمثل القضية الخلافية الأكبر بين طهران وأبوظبي في الجزر الإماراتية الثلاثة التى أعلن المرشد الأعلى الإيرانى «علي خامنئي» في 29 إبريل من العام الجاري الاتجاه إلى توطينها بدافع تأسيس بنية تحتية جيدة، بما يؤهلها لأن تصبح بمثابة مكان جيد للعيش، لكن تتمثل المحفزات الخفية وراء ذلك في محاولة الاستفادة من الثروات المعدنية الهائلة الموجودة في هذه المنطقة، فضلاً عن الموقع الإستراتيجى الذي يمكن استثماره في السيطرة على المواني البحرية المهمة في الشرق الأوسط، بما يؤدي لتعزيز الدور الإيراني بشكل أكبر)6).
الهوامش:
1- U.S.-Iran Conflict and Implications for U.S. Policy, Congressional Research Service, May 8, 2020, available at https://fas.org/sgp/crs/mideast/R45795.pdf
2- Sheng Zhang, The 25-Year Agreement between China and Iran: A Continuation of Previous Policy, The Washington Institute For Near East policy, August 3, 2020, available at https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/25-year-agreement-china-and-iran-foreign-policy.
3- David Reid, Saudi Aramco reveals attack damage at oil production plants, CNBC, 20/9/2019, available at https://www.cnbc.com/2019/09/20/oil-drone-attack-damage-revealed-at-saudi-aramco-facility.html
4- السعودية: لا نقبل بأي تهديد لاستقرار المنطقة، العربية.نت، 6 يوليو 2020 ، متاح على الرابط التالىhttps://cutt.ly/IfpHe3j .
5- From Iran to Saudi Arabia: Why Is Yemen Still at War, Haaretz, 28- 4- 2020, available athttps://www.haaretz.com/middle-east-news/why-yemen-is-still-at-war-1.8803341
6- مرﭬت زكريا، تصعيد الفشل .. دلالات دعوات التوطين الإيرانية للجزر الإماراتية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 23 مايو 2020 ، متاح على الرابط التالى http://www.acrseg.org/41616 .





