عبدالرشيد غازي.. من الأفكار المعتدلة إلى التحدث بالسلاح
الخميس 07/يونيو/2018 - 11:42 م
عبدالرشيد غازي
حامد المسلمى
اعترف عبدالرشيد غازي -بمنتهى الصراحة والوضوح- بأنه يناضل مع شقيقه الأكبر عبدالعزيز لتحويل باكستان إلى دولة إسلامية، قائلًا: «لسنا معارضين فقط لمشرف كشخص، بل إننا نرفض النظام القائم برمته».
عبدالرشيد غازي شاب عادي، نشأ متمردًا على المجتمع الباكستاني مولعًا بالنمط الغربي في المعيشة، رافضًا توجيهات والده الشيخ «محمد عبدالله» -أول إمام للمسجد الأحمر (لال مسجد) في إسلام آباد بباكستان- حول تعليمه، وقرر أن يتعلم كما يريد هو.
وهنا يُطرَح السؤال البديهي نفسه، كيف تحول عبدالرشيد غازي من متمرد على نمط الحياة الباكستانية ومولع بالحياة الغربية والأمريكية، إلى متطرف وإرهابي يسعى لفرض رؤيته بقوة السلاح على الدولة والشعب الباكستاني؟
عبدالرشيد غازي ولد في عام 1964م، ونشأ نشأة عادية تليق بطفل باكستاني والده إمام مسجد، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ورفض طلب أبيه بإلحاقه بمدرسة دينية، والتحق بالتعليم الثانوي في المدارس الحكومية المدنية، ومع إلحاح والده عليه بهذا الشأن تراجع والتحق بمدرسة «الجامعة الفريدية» التابعة لمسجد الأحمر، لكنه هرب منها تاركًا التعليم الديني، والتحق بجامعة «قائد أعظم» الحكومية، وهي من كبرى الجامعات في العاصمة الباكستانية وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ، في 1987-1988، وأتقن الإنجليزية، وتزوج بعد تخرجه بامرأة من أسرة متواضعة ومعتدلة، ثم عمل في وزارة التعليم الباكستانية في عام 1989، ثم انتُدِب للعمل في مكتب منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة «اليونسكو» بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد مستشارًا للشؤون التعليمية لسنوات عدّة، لكن سرعان ما فصل عن عمله، إثر مواقفه المتشددة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001.
رياح التغيير
رغم محاولات والده العديدة بإلحاق ابنه بالتعليم الديني، وأن يسير على الدرب ذاته، شأنه شأن أخيه الأكبر عبدالعزيز، الذي يعده الشيخ محمد عبدالله ليكون وريثه وخليفته، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم يحدث التغيير الجوهري في حياته إلا عام 1998، وذلك عقب مقتل والده في المسجد برصاص رجل يشتبه بأنه كان ينتمي إلى حركة إسلامية منافسة، وكان لهذا الحادث الأثر المحوري الذي قلب حياته رأسًا على عقب، ودفعه من اعتناق الأفكار المعتدلة إلى اعتناق التشدد والتحدث بالكلاشنيكوف، فأطلق لحيته، وبدأ يهتم بأمور المدرسة وخطابة المسجد وعيّنه أخوه نائبًا له في خطابة مسجد الأحمر.
وعلى الرغم من هذه التغييرات استمر في عمله الحكومي، وبدأت شبكة علاقاته تتنامى، فعمل على تعزيز علاقاته مع الجهاديين في أفغانستان، في الوقت الذي تعاون فيه مع المخابرات الباكستانية، ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحولت شخصيته تمامًا، وفصل عن عمله؛ نتيجة آرائه المتشددة، ويقول عن ذلك أحد زملائه: «ترون دائمًا رشاشًا إلى جانبه، وفي سيارته، وفي المدرسة القرآنية».
أزمة مسجد الأحمر
بدأت الأزمة في عام 2005 مع صدور فتوى من دار الإفتاء التابعة لمدرسة لال مسجد (المسجد الأحمر)، التي يرأسها الشيخ عبدالعزيز (الشقيق الأكبر لعبدالرشيد غازي)؛ وذلك على خلفية المصادمات بين القوات الباكستانية والقبائل في منطقة وزيرستان القبلية، وكانت الفتوى تتلخص في «أن القوات المسلحة التابعة لدولة مسلمة لا يجوز لها القتال ضد المسلمين من أتباع تلك الدولة، وأن من يموت من أفراد الجيش في القتال الدائر بين الجيش الباكستاني والقبائل في وزيرستان، فموته حرام ولا يجوز صلاة الجنازة عليه، ومن يقتل من أفراد القبائل بأيدي الجيش الباكستاني فهو شهيد» هذه الفتوى أثارت حفيظة الجنرال مشرف نفسه، واعتبر ذلك تجاوزًا لكل الحدود، ومن ذاك اليوم بدأت الحكومة تسعى بشتى الطرق للقضاء على هذه المدرسة، وإزالتها، وإخراجها من العاصمة الباكستانية إسلام آباد.
وصرح عبدالرشيد غازي في مقابلاته العديدة، أن المؤسسات الحكومية بما فيها الاستخبارات العسكرية الباكستانية، «مارست ضغوطًا كبيرة علينا لنتراجع عن هذه الفتوى، لكننا قلنا لهم: إن الفتوى ليست مثل القرار الحكومي الصادر من جهة رسمية ليمكن إلغاؤه بإصدار قرار آخر، فالفتوى حكم شرعي والتراجع معناه رفض العمل بالكتاب والسنة اللذين استند إليهما في هذه الفتوى».
وأضاف عبدالرشيد غازي في هذه المقابلة: «ومن ذاك اليوم بدأت الحكومة حملة شعواء ليس ضد الشيخ عبدالعزيز وضدي فقط، بل ضد (لال مسجد) والمدرستين الملحقتين به أيضًا، وتعلن الحكومة بعد ذلك باستمرار بأن (لال مسجد) هو المأوى الآمن للإرهابيين».
حاولت الحكومة التخلص من الأخوين عبدالرشيد غازي وعبدالعزيز، واتهم عبدالرشيد بالتخطيط لتفجير مقر الرئاسة والبرلمان والجيش أثناء الاحتفالات الوطنية بيوم الاستقلال، واختفى عبدالرشيد ولم تستطع الحكومة إلقاء القبض عليه رغم محاولاتها المتكررة، وأعلن محمد إعجاز الحق وزير الشؤون الدينية الباكستاني أن عبدالرشيد غازي ليس له علاقة بالتخطيط لهذه الهجمات، وأن المتهمين يخضعون للمحاكمة؛ ليتم تأجيل الصدام بين الأخوين (وإدارة المسجد الأحمر والمدرستين التابعتين له) والحكومة.
رفعت الحكومة قضية أمام القضاء موضوعها أن المسجد بُني على أرض حكومية، وأصدرت قرارات بهدم وإزالة عدد من المساجد وتظاهر الطلاب والطالبات وإدارة المسجد، وفشلت الحكومة في التنفيذ، ومع تفجيرات مترو لندن يوليو 2005، واتهم في التفجير بعض الشباب البريطاني من أصول باكستانية، والذين كانت تربطهم علاقات بالمدرستين التابعتين للمسجد، وحاولت الحكومة تفتيش المدرسة بحجة علاقتها بأحد المشتبه بهم في التفجيرات؛ إلا أن طالبات جامعة حفصة (إحدى المدرستين التابعتين للمسجد، والأخرى الجامعة الفريدية) أوقفن حملة التفتيش بالقوة، ورفضن دخول الشرطة إلى المدرسة، ورغم استخدام الشرطة للغازات المسيلة للدموع لكنها فشلت في تفتيش المدرسة.
وبدأ طلاب وطالبات المدارس في التصعيد وارتكاب الجرائم؛ لجلب الانتباه الإعلامي، منها إغلاق بيت واعتقال امرأة فيه بدعوى ممارسة الدعارة، واختطاف 3 أفراد من الشرطة؛ بحجة اعتقال الشرطة مجموعة من طلاب الجامعة الفريدية، ومطالبة بعض التجار بوقف بيع تسجيلات تنشر «الفساد الخلقي»، وإصدار دار الإفتاء التابعة لـ(لال مسجد) فتوى ضد وزيرة السياحة نيلوفر بختيار؛ لعناقها رجلًا فرنسيًّا.
أعلنت الحكومة إغلاق موقع (لال مسجد) على صفحة الإنترنت، ومنعت البث الإذاعي الذي كان يبث من المدرسة على الموجات القصيرة، كما اعتقلت الشرطة 11 شخصًا من طلاب المدرسة الفريدية، ليقوم الطلاب باختطاف 4 أشخاص من أفراد الشرطة، وتم تبادل الأسرى بعد المحادثات.
نهاية عبدالرشيد غازي
أعلن بعد ذلك عن فشل المحادثات التي استمرت لفترة طويلة بين إدارة مدرسة (لال مسجد) وتشودري شجاعت حسين رئيس الحزب الحاكم (حزب الرابطة الإسلامية)، ثم هاجم الطلاب والطالبات محلّ تدليك يتبع لصينيين، واختطفوا 9 نساء صينيات؛ بحجة أنه مركز للدعارة، وأطلقوا سراحهن بعد 17 ساعة، وعقب ذلك صرح الجنرال برويز مشرف بأن مجموعة من الانتحاريين التابعين لتنظيم القاعدة موجودون في مدرسة (لال مسجد)، وبدأت القوات العسكرية في تطويق المدرسة فخرج الطلاب والطالبات؛ احتجاجًا على ذلك، ووقع تصادم بين الطرفين واستمرت المصادمات بينهم نحو أسبوع، وفي يوم 10 يوليو 2005 أعلن سيد كمال شاه وزير الداخلية الباكستاني، مقتل أكثر من 100 مسلح، من بينهم عبدالرشيد غازي، و15 جنديًّا باكستانيًّا، فيما جُرح العشرات من الطرفين. وأنقذت الحكومة 27 امرأة من المسجد، واستسلم لقوات الشرطة نحو 40 من المسلحين.
وثار الجدل حول عبدالعزيز الذي اختفى، تاركًا وصية تُشير بأنه لم يهرب، خاصةً أنه ترك خلفه زوجته وأبناءه وأخاه، أما فيما دار حول عبدالرشيد غازي، فهناك من أشاع بأنه حاول تسليم نفسه، إلا أن زملاءه من المحتلين للمسجد هم من قتلوه، بينما أشاع آخرون بأن الحكومة قصدت تصفيته؛ إلا أن الأكثر قربًا للمنطق، أنه قُتل في المواجهات المسلحة، خاصةً أن الاشتباكات استمرت نحو أسبوع.





