معايشة.. «سبك الأحد» معقل «رسلان» و«المدخلية»
السبت 26/مايو/2018 - 08:26 م

الداعية السلفي محمد سعيد رسلان
عبدالهادي ربيع
تخطت أنباء المسجد الشرقي -بقرية سبك الأحد، محافظة المنوفية، شمال مصر، الذي يحاضر فيه الداعية السلفي محمد سعيد رسلان، المنتمي للفكر المدخلي- حدود المحافظة إلى خارج مصر، ليتوافد عليه العشرات من مختلف أنحاء العالم، الذين ينتمون إلى هذا الفكر.

والفكر المدخلي سُمي بذلك نسبة إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في السعودية، الذي يحمل أفكارًا خاصة تَكْفر بالديمقراطية، وتَدين بالطاعة لولي الأمر، وتُحرِّم الخروج عليه.
في طريقي إلى خارج القاهرة، عبر موقف «الميكروباصات» بمنطقة شبرا، متجهًا إلى قرية سنتريس، ومنها إلى قرية سبك الأحد، القرية التي لم يكن يُميزها في بادئ الأمر أي شيء عن بقية القرى المصرية إلا مسحة خفيفة من المدنية.
عند وصولي إلى المسجد الشرقي -الذي يُحاضر فيه رسلان- لاحظت أنه دون مئذنة، ودلّني على المسجد شابان أجنبيان، تبعتهما، الأول من روسيا، والثاني من إحدى الدول الأفريقية، وفي يد كل منهما حقيبة بها كتب، وأمام المسجد يوجد سوق كبيرة، يتاجر فيها رجال من جنسيات مختلفة، يعرضون بضائع مختلفة، منها: السواك، والأسطوانات المدمجة لدروس وخطب رسلان، وملابس من مختلف الدول الإسلامية.
التقيت هناك شابًّا من تونس، يعرض بضاعته، عبارة عن ملابس وأكلات تونسية، والذي قال، إن سبب قدومه إلى مصر أنه يريد تعلم العلم الشرعي على يد رسلان، الذي زكاه له كثير من العلماء.
وبجوار هذه السوق، هناك مكتبة «دار الفرقان» مقابلة للمسجد، والتي تُصدر مطبوعات رسلان، والمزدحمة باستمرار، وكانت الكتب التي تعرضها إما من تأليف أو تحقيق أو تعليق رسلان، وإما أحد العلماء المعترف بهم عنده من المنهج المدخلي كربيع بن هادي المدخلي، أو محمد بن أمان الجامي، أو محمد بن عبدالوهاب، كما تحتوي المكتبة على ركن خاص بالكتيبات التي هي تفريغات لدروس «رسلان».

«الخطبة» في المسجد الشرقي
يشبه «المسجد الشرقي» قاعةً كبيرةً تتسع لآلاف عدّة من المصلين، دون مئذنة أو قبة، رغم اتساعه وكبر مساحته، ويبدو جليًّا أن أموالًا طائلةً أُنفقت على تجهيزه بالكامل، ويبدو المسجد من الداخل كمصلى العيد من أمور عدة؛ أولها كثرة عدد المصلين، فلا موضعَ لقَدَمٍ هناك، واتساع مساحته، وترحيب الناس ببعضهم، وعدم وجود محراب -يعتبرونه بدعة- ولا حاجة له أو القبة والمئذنة بعد وجود الميكروفونات.
ولاحظت أن كل واحد ممن بداخل المسجد يقرأ وحده في كتاب علمي، أو القرآن الكريم، الذي لا يذيعونه عبر مكبرات الصوت -باعتبارها بدعة- وغالبية المترددين على المسجد يرتدون كوفية (شال) خاصة، فيها خطان أسودان مميزان، تمامًا كالتي يرتديها «رسلان».
كما أن هناك بداخل المسجد أيضًا عددًا من رجال الأمن بزيّ مدني، تُميزهم أسلحتهم التي يحملونها على جانبهم؛ للتأمين، ومنع حدوث أي شغب، أو تنفيذ إحدى الجماعات المتطرفة أي حادث تخريبي، وبالصعود إلى الدور العلوي، المزدحم أيضًا، هناك شاشة عرض، وكاميرا لتسجيل الخطبة من إحدى النوافذ.
وعندما حان وقت أذان صلاة الجمعة، دخل الشيخ من باب المسجد، محاطًا بـ6 رجال، يبدو أنهم أبناؤه والمقربون من طلبة علمه، فوضع حذاءه تحت المنبر، ثم صعد وألقى السلام، وجلس، وحلّ سكونٌ تامٌّ أرجاء المسجد، الذي كان يعج بأصوات مَنْ يطالعون الكتب أو يقرؤون القرآن.
بدأ «رسلان» إلقاء خطبته، التي استغرقت ساعةً كاملةً، تحدَّث فيها عن الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان منهجيًّا، والفرق بينها وبين خوارج العصر القديم، وبعض الأمور الأخرى المتعلقة بالسياسة الشرعية.
ولم يلتزم «رسلان» بالخطبة الموحدة -التي حددتها وزارة الأوقاف المصرية- فالمسجد لا يزال حتى الآن من المساجد الأهلية، غير الخاضعة للوزارة، التي حررت ضد «رسلان» محاضر عدّة أمام النيابة العامة؛ لمنعه إلقاء الخطب دون تصريح، ولاتزال هذه المحاضر مجهولة المصير.
وأثناء الخطبة يخط بعض من طلبة «رسلان» خطوطًا في كتب يذكرها الشيخ، مثل: «الإبانة في أصول الديانة لابن بطة، والعقيدة الطحاوية.. وغيرهما»، إضافة إلى قيام بعض الطلاب بكتابة وتفريغ الخطبة من بعده.
وعند انتهاء الصلاة، وفي ظل هذا الزحام الشديد، فإن محاولة الخروج من المسجد تكون غاية في الصعوبة، وتمكنت من الخروج في 15 دقيقة تقريبًا.

«رسلان» ومعهد الفرقان
بعد انتهاء صلاة الجمعة ألقى عبدالله بن رسلان، كلمة يُخبر فيها طلبة العلم بمعهد الفرقان لإعداد الدعاة -الذي أسسه والده، ويقوم على إدارته والتدريس فيه، وخصص له الطابق الثاني من المسجد مقرًّا له- بتوفر نسخ من الكتب المقررة عليهم بمكتبة دار الفرقان.
كان المعهد مرخصًا من قبل، إلا أن وزارة الأوقاف اشترطت، بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، أن تخضع معاهد إعداد الدعاة في أنحاء الجمهورية لإشراف وإدارة وتدريس علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.
يُشار إلى أن المعهد وشيوخه -الذين هم تلامذة رسلان- وعلى رأسهم الشيخ نفسه كمدير للمعهد، ليسوا من علماء الأزهر أو وزارة الأوقاف، والمناهج العلمية فيه لا تخضع لإشراف الأوقاف.
ويدرّس في المعهد مواد عدّة، أهمها: «شرح عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وشرح التحفة السَّنِية للمقدمة الآجرومية للشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد، والباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث من تحقيق أحمد محمد شاكر»، ويدرّس هذه المواد «رسلان» نفسه، كما يدرّس عدد من طلابه المقربين موادَّ أخرى، مثل: «غاية المُريد في علم التجويد، والرحيق المختوم في السيرة النبوية».
في الأثناء، وخلال وجودي بمقر «رسلان»، حاولت مرارًا وتكرارًا التواصل مع «رسلان» أو ابنه، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل، وعلمت أنه لا يمكنني إجراء مقابلة صحفية معه، وأن مثل هذا النوع من المقابلات أو اللقاءات الإعلامية أمر مرفوض تمامًا، ولا يمكن حدوثه مع «رسلان» أو نجله عبدالله.
لذا قررت العودة إلى القاهرة، وفي طريق العودة من سبك الأحد كان سائق «الميكروباص» يستمع إلى خطب «رسلان»، رغم أنه كان يدخن بشراهة، وأُجبرنا على سماعها طوال الطريق عبر «كاسيت» السيارة بصوت مرتفع جدًّا.
وفي السيارة جلس بالقرب مني شاب يدرس في جامعة الأزهر، قال لي: إن «الطلبة الوافدين يأتون مصر خصيصًا لتلقي العلم الشرعي على يد الشيخ رسلان، وبعضهم يتقدم بطلب للتسجيل في جامعة الأزهر؛ كي يحصل على تأشيرة دخول لمصر، وعند وصوله يلتحق بمعهد الفرقان، أو يذهب ليحصل على إجازة من الشيخ، وينقطع عن الدراسة في الأزهر».
وتابع أن الطلبة الوافدين حتى وإن كانوا يعرفون اللغة العربية ممنوعون من التحدث إلى الغرباء، فهم يتلقون تعليم اللغة العربية قبل البدء في الدراسة النظامية بالمعهد، خاصةً إن علموا أنك صحفي؛ لادعائهم أن مهنة الصحافة تحوي كثيرًا من المحرمات.
وينظم «رسلان» دورات علمية سنويًّا، إضافةً إلى إجازة في الأحاديث الأربعين البلدانية، وبعض المتون الأخرى.
ويستأجر الطلبة الوافدون شققًا ليسكنوا فيها، تكون قريبة من المسجد؛ ما أدى لارتفاع أسعار الشقق في القرية خلال الفترة الأخيرة بمقدار الضعفين، مقارنةً بالقرى الأخرى. وتبرّع «رسلان» بقطعة أرض لبناء مجمع سكني للطلبة الوافدين؛ حتى لا يستغلهم المؤجرون.