مباحثات أوسلو.. فرص إحلال السلام في أفغانستان تتأرجح بين النجاح والفشل
وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية اتفاقا بالدوحة في 29 فبراير 2020، يمهد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في غضون 14 شهرًا شريطة التزام «طالبان» بوقف الهجمات، الا أن هذا الاتفاق لم يدم، فبعد أسبوع واحد، إستأنفت «طالبان» هجماتها ضد القوات الأفغانية، ما أثار المخاوف بشأن محادثات السلام التي من المفترض أن تبدأ الثلاثاء 10 مارس بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في العاصمة النرويجية أوسلو، والتي من الصعب أن يتمخض عنها أية نتائج إيجابية في ظل العنف المتزايد في البلاد.
بنود الاتفاق
شمل الاتفاق عدة أمور حول أمن القوات الأجنبية؛ والتزام «طالبان» بقطع العلاقات مع المنظمات الإرهابية وعدم تهديد الولايات المتحدة عن طريق الأراضي الأفغانية؛ وتبادل الأسرى، والانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية والأجنبية، حيث تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببدء الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من 12 ألف جندى إلى 8600 خلال 135 يومًا على أن يتم الانسحاب الكامل خلال 14 شهرًا؛ وبدايات التفاوض بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» رغم استبعاد الحكومة من الاتفاق، فلم تكن طرفًا فيه.
ويرتبط تنفيذ الانسحاب بامتثال «طالبان» بالتزاماتها الأمنية وحظر أعمال الإرهاب، والتقدم في المفاوضات مع الحكومة الأفغانية التي رفضت الحركة التحدث معها حتى الآن.
وفي ظل وجود تخوفات من عدم التزام الحركة، أشار الرئيس الأمريكي، إلى أنه إذا لم ينفذ الاتفاق ستعود القوات الأمريكية مرة أخرى إلى أفغانستان.
وفي هذا السياق أشار قائد البنتاجون في كابول إلى أن الحركة إذا لم تلتزم فسوف تفقد فرصتها للجلوس مع الأفغان والتداول بشأن مستقبل بلدهم.
النهج الأمريكي المتمثل في التفاوض حول الانسحاب أولاً، والشروع في عملية سلام في وقت لاحق غير مسبوق، ولم يتم اختباره من قبل في عملية السلام المعاصرة.
هذه الطريقة غير التقليدية ليست من الضرورة الحكم عليها بالفشل، لكنها لا تتماشى مع تكتيكات عمليات السلام الناجحة حتى الآن، ورغم هذا غاب عن الاتفاقية عدة عناصر تنذر بإمكانية فشلها في صنع سلام دائم في البلاد، فلم تنص على عناصر وقف إطلاق النار الرئيسية لصفقات السلام الناجحة مثل التجنيد الجديد في قوات الأمن، نقل الأسلحة، آلية لتسوية النزاعات، آلية لمنع انتهاكات وقف إطلاق النار؛ وبدون هذه العناصر يكون احتمال الحد من العنف أو وقف إطلاق النار أقل، وهذا بدوره يقلل من فرص نجاح عملية السلام.
وبالنظر إلى اتفاقات وقف إطلاق النار المماثلة، على سبيل المثال اتفاق جنوب السودان لعام 2017، نجد أن الأطراف امتنعت عن نشر دعاية معادية لنظائرها، تم وضع قواعد لحركة القوات والتجنيد الجديد، تم إنشاء هيئة مشتركة للرصد والتحقق من تسوية المنازعات، وهو ما لم يحدث في اتفاق طالبان.
يضاف لذلك أن الاتفاق لم ينص على الكيفية التي سيتم بها استكمال المفاوضات مع طالبان، فلا توجد قضايا متفق عليها للمفاوضات مثل إعادة توطين اللاجئين، حقوق المرأة، تقاسم السلطة، ..الخ، لتوجيه عملية السلام الأفغانية، خاصة أن الانتهاء من هذه القضايا يكون عملية مثيرة للجدل وطويلة وواجب حسمها في ذات الوقت.
وبالتالي فإن اتفاق وقف إطلاق النار وحده قد لا يؤدي إلى إحراز أي تقدم في عملية السلام، كما أنه ليس من المهم أن يأتي أولًا بل يجب أن يتم التوافق حول القضايا الخلافية أولًا، فعلى سبيل المثال في كولومبيا تم التفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار في نهاية عملية هافانا، وفي نيبال تم التوصل إلى تفاهم سياسي أوسع بين الأحزاب السياسية ثم تم التفاوض على وقف لإطلاق النار ومدونة قواعد سلوك قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
ومن تلك الحالات يتبين أنه من السهل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار عندما تحرز الأطراف تقدمًا في التفاوض على قضايا أخرى. وبالنظر إلى الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة نجد أنه لم يتطرق إلى القضايا السياسية الأساسية، كما أنه أغفل أن الحكومة الأفغانية وطالبان لهما رؤى سياسية، وأن الحكومة نفسها تصارع الانقسامات الناتجة عن الانتخابات الرئاسية التي تمخض عنها فوز أشرف غني مرة أخرى، وهو ما يضع عملية السلام في مأزق.
للمزيد .. الجزر اليونانية تسدد فاتورة الاستغلال السياسي للمهاجرين
ومن بين الأمور التي تم إغفال أهميتها في المفاوضات بين واشنطن وطالبان، استبعاد الحكومة الأفغانية، رغم أهمية مشاركتها في تلك المباحثات خاصة أن الولايات المتحدة كانت تهدف دائمًا إلى دعم الحكومة الأفغانية حتى تتمكن من التفاوض مع طالبان إلى حد مساهمتها في تولي أشرف غني مرة أخرى، رغم سخط المعارضة، ورغم وجود خطر الانقسام السياسي في الحكومة نتيجة فوزه لكنها استمرت في دعمه، ومن ثم فإن استبعادها يمثل علامة استفهام، وبشكل عام يظل نقطة ضعف في الاتفاق.
وبافتراض عدم تأثير تلك الأمور على عملية السلام فلا يمكن إغفال أن الفيصل الأساسي في إرساء السلام والاستقرار هو تنفيذ الاتفاق التفاوضي، وهو ما لم يحدث، فواصلت طالبان القتال كما أن الأحداث العنيفة التي تقودها طالبان تؤكد أنها لن تلتزم بأي اتفاق، فالحركة ليس لها تاريخ في التفاوض والحفاظ على السلام، وكان اتفاق 29 فبراير فرصة لإظهار استعدادها للتوقف عن القتال والتزامها بوقف العنف.
محادثات السلام في أوسلو:
تقرر عقد اجتماع في أوسلو 10 مارس بين الحكومة الأفغانية وطالبان وفقًا لاتفاق 29 فبراير، وبرغم أهميته كونه يمثل تطورًا غير مسبوق في الحرب الأفغانية مع طالبان فإنه يمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة الواقع على عاتقها أن تكون جبهة موحدة في مواجهة الحركة، وهو أمر عسير نسبيًّا بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أعلنتها اللجنة المستقلة للانتخابات في 18 فبراير المؤكدة فوز أشرف غني، والتي رفضها منافسه عبدالله عبدالله وقام بتشكيل حكومة موازية لحكومة غني، وكل منهما قام بتنصيب نفسه رئيسًا وقام بتعيين مجلس وزراء خاص به، بجانب تفاقم الأمر لأبعد من الانقسام السياسي ليصل إلى انقسام عرقي ومجتمعي حول النتيجة وحول تأييد أي من الطرفين –غني وعبدالله-.
ويقع على عاتق الأطراف السياسية عدم السماح لتلك الأزمة بالتأثير سلبًا في المباحثات وإبداء استعداد للتوافق مع بعضهم البعض.
والتحدي الثاني يتمثل في إخضاع طالبان والسيطرة عليها في المفاوضات وإلزامها بتقديم تعهدات وضمانات على تنفيذها لما سيتم التوصل إليه مع بنود، وهي مهمة صعبة في ظل أن توصل «طالبان» إلى اتفاق 29 فبراير من موقع قوة، مقارنة بالحكومة الأفغانية وقيادتها السياسية، بما يعني أنها ستكون الطرف الأقوى في مباحثات أوسلو الذي يفرض شروطه، ويسمح لها بالقيام بذلك الانقسام السياسي في الحكومة الذي يعد فرصة جيدة لها لأنه من الصعب في ظل انتهاك الحكومة للدستور، إلزامها به، بجانب تلقيها دعمًا من دول الجوار الأفغاني، خاصة باكستان وإيران وروسيا والذي مكنها من السيطرة على البلاد على حساب القوات الأفغانية التي فشلت في ذلك.
وعلى ذلك يكون الفيصل الأساسي لنجاح مباحثات أوسلو المقبلة هو التزام جميع الأطراف من الاجتماع الأول بوصول إلى اتفاق سلام شامل في إطار الدستور الأفغاني، فإذا تم تحقيق هذا الهدف ستكون المباحثات خطوة إيجابية في طريق إنهاء الصراع الذي استمر لعقود عديدة في أفغانستان، أما إذا فشلت في ذلك فستكون النتيجة هي خروج طالبان من المفاوضات بوضع أكثر قوة من ذي قبل.
للمزيد .. بسبب اللاجئين والحدود.. حرب كلامية بين اليونايين والأتراك على منصات التواصل





