الحرب ضد «داعش خراسان».. خديعة أمريكية لـ«طالبان» أم لتقوية شوكة التنظيم؟
على وقع الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة «طالبان»، بإنهاء
وجود القوات الأمريكية وتقليلها، بدأ تنظيم «داعش خرسان» في الإعلان مرةً أخرى عن نفسه
هناك، باستهداف مقر حفل تنصيب الرئيس الأفغاني «أشرف غني»، بصواريخ من نوع «كاتشويا»
- روسية الصنع- وإعلان عودته بعد عملية السلام، بعد أن كشف البنتاجون، أنه قدم تعاونًا
محدودًا لـ«طالبان»؛ لمحاربة التنظيم، الأمر الذي يطرح سؤالًا حول هذا الدعم، هل تستخدم
الولايات المتحدة الأمريكية الحركة لمحاربة داعش للقضاء على أعدائها وفق مقولة «عصفورين
بحجر واحد»، أم تتخذها ذريعة للبقاء قدر الإمكان في أفغانستان لنقل الحرب بالوكالة
إليها؟.
تعاون
لدحر التنظيم
أقرّت الولايات المتحدة بتقديمها دعمًا
محدودًا لحركة «طالبان» في محاربتها تنظيم «داعش خراسان» في أفغانستان؛ حيث قال «كينيث
ماكينزي»، قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية «سينتكوم»، خلال جلسة استماع
في مجلس النواب، الثلاثاء 10 مارس 2020، أنه خلال الأشهر الأخيرة، رأينا حركة طالبان
تقلص وتنهي وجود داعش في ولاية ننجرهار، وهم قاموا بذلك بشكل فعال، مشيرًا إلى أن الظروف
في هذه المنطقة تعتبر من الأصعب، من ناحية خوض العمليات القتالية.
ويأتي هذا التعاون في الوقت الذي كانت
الولايات المتحدة قد اتهمت في وقت سابق دولًا أخرى، بما فيها روسيا وإيران وباكستان
بدعم حركة «طالبان»، وعرقلة عملية السلام في أفغانستان، إضافةً إلى نفي واشنطن في وقت
سابق، إمكانية التعامل مع الحركة لمحاربة نفوذ «داعش» في أفغانستان.
وبدأت القوات الأمريكية الانسحاب من قاعدتين
في أفغانستان؛ حيث ينصّ الاتفاق على خفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، من 12
أو 13 ألف جندي إلى 8600، بحلول يوليو 2020.
للمزيد:
مجموعة استخباراتية: الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يمنح «داعش» و«القاعدة» قبلة الحياة
حرب
بالوكالة
وطبقًا للصور التي نشرت مرفقة ببيان تبني
الهجوم الإرهابي، عبر وكالة أعماق - الذراع الإعلامي للتنظيم الإرهابي- استخدم «داعش» في هجومه 10 صواريخ من نوع كاتيوشا،
والتي قام بتصنيعها الاتحاد السوفيتي، وجرى اختبارها لأول مرة عام 1938، واستخدمت في
الحرب العالمية الثانية، وتم تصديرها بعد ذلك في دول الشرق الأوسط، التي أعلن داعش
عن تواجده فيها، وتحديدًا سوريا والعراق؛ حيث تكمن مميزات تلك الصواريخ بالنسبة لداعش
إلى أنها سهلة الاستخدام، ويمكن نصبها على قاعدة ثابتة أو حملها على الكتف، إضافةً
إلى إمكانية إخفائها، وسهولة نقلها من مكان لآخر، دون أن يكتشفها أحد.
وكشفت الصواريخ التي أطلقها التنظيم الإرهابي
على مراسم تنصيب الرئيس الأفغاني «أشرف غني»، الإثنين 9 مارس 2020، عن المصادر التي
استقى منها التنظيم الإرهابي أسلحته، لا سيما صواريخ كاتيوشا التي استهدفت المقر الرئاسي
بالعاصمة الأفغانية «كابل»؛ حيث أكدت منظمة «أبحاث تسليح الصراعات» الأمريكية، أن روسيا
والصين يقفان معًا وراء تصنيع أكثر من 50% من الأسلحة والذخائر، التي استحوذت عليها
التنظيم.
ولفتت المنظمة إلى أن الأسلحة التي استخدمها
التنظيم في العراق، تختلف مصادرها عن الأسلحة التي استخدمها في سوريا؛ حيث أنتجت الصين
معظم العتاد - الأسلحة والذخيرة- الذي استخدمها التنظيم في الدولتين، ولكن يفوق عدد
الأسلحة المصنعة روسيًّا، والمستخدمة من قبل التنظيم في سوريا، موضحةً أن التنظيم الإرهابي
استحوذ بشكل كبير وأوليّ على عتاده العسكري من القوات العراقية والسورية الحكومية؛
حيث تتطابق العديد من أسلحته في مناطق عمليّاته مع أسلحة النظامين الروسي والسوري.
من جهة أخرى، كانت التهم تلقى على الولايات المتحدة من قبل المسؤولين الأفغان؛ بسبب التواجد الداعشي هناك؛ حيث اتهم «حامد كرزاي»، الرئيس الأفغاني السابق، الولايات المتحدة بدعم التنظيم الإرهابي في بلاده، معتبرًا أن تواجد عناصر التنظيم في أفغانستان، يأتي في إطار «مشروع أمريكي»؛ لتحقيق أهداف معينة – وقت إعلان تواجد التنظيم- لافتًا إلى أن عناصر داعش الذين يمارسون أنشطة إرهابية في أفغانستان، تم جلبهم جميعًا من الخارج؛ لأجل بعض الأهداف، ويتلقون دعمًا من الولايات المتحدة التي لا تريد إنهاء الأنشطة الإرهابية في أفغانستان.
التمركز والتمدد
سار تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان عقب إعلان تواجده هناك، فيما يسمى بـ«ولاية خراسان»، على النهج الذي سار عليه في سوريا والعراق، مستغلًا الأوضاع المضطربة في المرتبة الأولى؛ للظهور والتمركز فيهما، معتمدًا بعد ذلك على اختلاف الطوائف؛ حيث صبّ جل تركيزه على هذا الوتر؛ لإحياء النعرات المذهبية والطائفية، ودأب على هذا الوضع في أفغانستان، مستغلًا الأوضاع السياسية في المقام الأول، أتبعها باختلاف الطوائف، ووجود المذهب الشيعي تحديدًا في كل من أفغانستان وباكستان.
ووفرت الطبيعة الجبلية في منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان بيئة خصبة للتنظيم، وتجنيد عناصر مدربة على القتال، مستغلًا تغيير التحالفات، والانشقاقات في صفوف منافسيه؛ حيث استفاد التنظيم المتطرف بعد نحو أربع سنوات من ظهوره في الساحة الأفغانية من التضاريس الوعرة، ومن ضعف القوات الحكومية، ومن تشتت حركة طالبان المتشددة ذاتها؛ ليرتب صفوفه عدّةً وعتادًا، ساعيًا لترسيخ وجوده باعتداءات دموية لا تهدأ.
وبعد مرور أكثر من عامين على الحملة العسكرية الأمريكية ضد داعش خراسان، والتي بدأت عام 2017، إلا أن قدرات التنظيم في أفغانستان، تضاعفت وزادت إمكانية التنظيم على تجنيد مقاتلين من عدة دول، وذلك وفقًا لعدة تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ووزارة الدفاع الأمريكية «بنتاجون»؛ حيث أكد موقع «مليتري تايمز» الأمريكي، المتخصص في شؤون الدفاع والأمن في تقرير له، أن «داعش» في أفغانستان، والمعروف أيضًا بـ«ولاية خراسان»، مازال يحظى بنفوذ قوي في المناطق الجبلية في شرق البلاد، رغم الخسائر التي تلقاها في عام 2018، والحملة العسكرية التي شنتها القوات الأمريكية والأفغانية ضده.
ففي كتاب «نظرة على الدولة الإسلامية في خراسان»، والمنشور باللغة الإنجليزية للباحث الإيطالي والخبير في شؤون الجماعات الإرهابية أنطونيو جيوستوزي، أكد أن التنظيم عمل جاهدًا على تثبيت وجوده في أفغانستان، وبدأ في إرسال التمويل لفرعه في خراسان؛ حيث عيّن ممثلًا خاصًّا له في أفغانستان وباكستان، وذلك في أبريل عام 2014، لكن التنظيم لم يعلن عن إنشاء فرع له إلا في 26 يناير عام 2015، وبدأ بعد ذلك في عمليات تجنيد واستقطاب، وفي تلك الأثناء بايع عددٌ من المجموعات المسلحة الموجودة في باكستان وأفغانستان التنظيم الإرهابي، وتحديدًا مقاتلون من جنوب آسيا، متبعًا إستراتيجية نشر الرعب والحرب الخاطفة في حربه التي يخوضها.
ولفت الباحث الإيطالي - بحسب الكتاب-،
إلى أن «داعش» ركّز قواته في مناطق الوجود الأمني الضعيف، كما يبرز صور الهجمات التي
ينفذها، حتى لو كان أغلبها ضد حركة طالبان الأفغانية؛ حيث سعى خلال تلك الفترة منذ
إعلان وجوده هناك، السيطرة على أفغانستان، ثم التمدد نحو باكستان، والهند وآسيا الوسطى،
مستفيدًا من حالة التراجع والخلافات الموجودة في صفوف حركة طالبان، لافتًا إلى أن الأوضاع
التي عاشتها أفغانستان، جعلتها أرضًا خصبة لانتشار الإرهاب.
وأشار الباحث الإيطالي - وفق الكتاب- إلى
أنه منذ يناير 2015 بدأ تنظيم «داعش» في خراسان التمدد داخل أفغانستان، بعد إعلان مجموعة
حافظ سعيد خان البيعة لزعيم التنظيم الإرهابي «أبوبكر البغدادي»، وتأسيس ما سموه بـ«الولاية
المكانية»، فبعد مرور عام على إعلان تواجده انتشر التنظيم في ثلث الولايات الأفغانية،
البالغ عددها 34 ولاية، ولكن مع حلول العام
2017، بدأ التنظيم في إظهار سلوك أقل تشددًا تجاه السكان المحليين، كما بدأ في تأسيس
الدواوين الداعشية، وتدريب عناصره على العمليات العسكرية وغيرها، وبدأ من ذلك الحين
ينتشر بصورة أكبر في أفغانستان، وذلك وفقًا للكتاب.
للمزيد: من ننجرهار إلى كونار.. داعش يجدد جلده بعد الهزيمة القاسية في جبال أفغانستان
وحول إعلان واشنطن تقديم الدعم إلى طالبان
لإنهاء وجود داعش، أكد صبرة القاسمي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن التاريخ
يعيد نفسه، كما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية القاعدة وانقلبت عليها، فإن ما يحدث
حاليًّا إعادة لما حدث سابقًا، مشيرًا إلى أنها تحاول استنفاذ طاقة الحركتين، ولكن
ما لم تعد حساباته بصورة جيدة، هو أن هناك عناصر كثيرة من طالبان ستنضم إلى داعش وستزدهر
ولاية خراسان، وكل من ينتقل من طالبان سينتقل بعدته وعتاده.
وأضاف «القاسمي» في تصريحات خاصة لـ«المرجع»،
أن «داعش خراسان» سيكثف عملياته ضد طالبان؛ لتصنيفه لها، أنها صحوات وضعت يدها في يد
أعداء الإسلام – على حد قولها- وبالتالي، سينتقل دعم الولايات المتحدة إلى داعش، في
صورة غنائم للتنظيم، من خلال عملياته ضد طالبان، التي حلت بديلًا عن الولايات المتحدة
الأمريكية.
وأشار، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية،
إلى أنه بالرغم من قبول الولايات المتحدة التفاوض مع حركة «طالبان» والانسحاب لكلفة
الحرب والتواجد في أفغانستان المرتفعة، إلا أن فاتورة ما هو متوقع في المستقبل أكبر
فداحةً من هذه الفاتورة؛ إذ إن العمليات ستشتد داخل أفغانستان، وستكون أكثر دموية،
ونهايتها أحد أقوال داعش المأثورة: «في عقر دارك تكون المعارك».
وشدد «القاسمي» على أن قوة داعش تتعاظم
في المجتمع الأفغاني، باستغلال الصراعات المتواجدة، سواء الطائفية أو القبلية، كما
حدث في سوريا والعراق، لافتًا إلى أن وعورة الطبيعة في أفغانستان تساعد على انتشاره
ومساعدته في استنزاف القوات النظامية وطالبان، وحتى القوات الأمريكية، وهي تنسحب.
فيما أكد هشام النجار، الباحث المختص في شؤون الحركات الإسلامية، أن هناك
ترتيبًا لأولويات أمريكا في العالم، وخاصة في الملفات الحيوية التي تمس أمنها القومي
بشكل مباشر، ولذلك هي تتراجع وتهادن مع كيانات وتنظيمات، مقابل مواجهة كيانات أخطر
وأكثر تمردًا، ومن جهة أخرى هي تمد يد العون والتفاهمات مع كيانات تجنح للمحلية، ولا
تستهدف تنفيذ عمليات في الخارج، مقابل التصدي لكيانات أخرى تعتمد حاليًّا على العمليات
الخارجية، وتستهدف المصالح الأمريكية والغربية مثل داعش، وبعض أفرع القاعدة مثل حراس
الدين في سوريا.
وأوضح الباحث المختص في شؤون الحركات الإسلامية في تصريحات خاصة لـ«المرجع»،
أن الولايات المتحدة حاليًّا تتبع سياسة تحقق لها أجندة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»
في الحكم، القاضية بالخروج من بؤر الصراع، وإيقاف الحروب، وسحب القوات، وهذا يتطلب
مفاوضات وتنازلات لبعض الكيانات والتنظيمات المتطرفة التي كانت عدوة بالأمس مثل طالبان،
مقابل شروط تلتزم بها الحركة وتحقق المصالح الأمريكية الحالية، وفي مقدمتها القضاء
على التنظيمات العابرة للحدود والساعية لقيادة الجهاد العالمي بعد تراجع القاعدة، وخاصةً
«داعش».
للمزيد: رهان السلام.. هل تساعد طالبان في دحر داعش أفغانستان؟





