رائحة الإخوان في مسرح الجريمة.. «النهضة» وعلاقتها بتفجير السفارة الأمريكية بتونس
ظن ساسة تونس أن دمج حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، في الحياة السياسية بالبلاد عقب ما يُعرف بثورة الياسمين سوف يجنب العباد شرورها، إلا أن الأحداث التالية أثبتت عكس ذلك، فالجماعة الإرهابية إما أن تسيطر على مقاليد الحكم دون أي معارضة تُذكر، وإما أن تستخدم العنف، وما تفجير السفارة الأمريكية الأخير سوى حلقة من حلقات الإرهاب الإخواني ضد الشعب التونسي.
إرهاب
برعاية النهضة
استهدف الحادث الإرهابي دورية أمنية بالقرب من مقر
السفارة الأمريكية في العاصمة تونس، الجمعة 6 مارس 2020، وأسفر عن مقتل ضابط
وإصابة 6 آخرين، ووفقًا للبيانات الأمنية فإن الانتحاريين هما الزنيدي محمد سنيم،
29 عامًا، ولعقة خبيب، 27 عامًا، وكلاهما خرج من السجن مؤخرًا بعد تنفيذ عقوبة
السجن بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي، وفقًا لما نشرته إذاعة موازييك المحلية.
وهو ما يطرح تساؤلًا لماذا ينضم شابان في مقتبل عمرهما
إلى تنظيم إرهابي في تونس؟ خصوصًا أن فترة شبابهما تزامنت مع ما يُعرف بثورة
الياسمين، والتي أتاحت بدورها قدرًا كبيرًا من الحرية داخل البلاد.
وإجابة هذا التساؤل عند حركة النهضة، أو ما يُعرف
بـ«حكومة الترويكا»، والتي ترأسها مرشح حركة النهضة حمادي الجبالي ثم علي العريض،
والتي حصلت أيضًا على أكثر عدد من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي التونسي، وحظيت
الحركة بأغلبية في الحكومتين، ففي الأولى حصلت على 89 نائبًا و16 وزيرًا وكاتب
دولة، وفي الثانية حصلت على 90 نائبًا و10 وزراء وكاتب دولة، واستمرت الحكومة في
الفترة ما بين نوفمبر 2011 حتى نوفمبر 2014.
وخلال هذه الفترة، فتحت الحكومة الإخوانية أبواب البلاد
لاستيراد وتصدير الإرهابيين على حد سواء، ففي الفترة ما بين عامي 2011 وحتى سبتمبر
2012، سمحت حكومة النهضة للتنظيمات الإرهابية والسلفية بتنظيم صفوفها، والظهور
علنًا في الشوارع التونسية.
واعتبر سفير الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الترويكا
جاكوب والس البلاد خلال بحث نشره بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن تونس أصبحت
«دولة تتعامل مع الإرهاب والتطرف، وسهلت سفر الإرهابيين إلى ليبيا وسوريا والعراق
تحت مسمى الجهاد».
وأضاف والس في دراسته أن «هناك 2900 مقاتل تونسي وصلوا إلى العراق وسوريا خلال الفترة ما بين 2011 و2013، وكلهم انضموا إلى جبهة
النصرة وداعش وجيش الإسلام وغيرهم»، وأوضح السفير الأمريكي أنهم ساهموا في عملية
الطيار الأردني النقيب معاذ كساسبة، كما ساهموا في اغتيال شخصيتين سياسيتين
بارزتين هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي داخل تونس.
وعلى الرغم من أن حكومة التكنوقراط برئاسة مهدي جمعة، والتي
أعقبت حكومة النهضة حاولت التصدي للأمر، عبر قانون جديد لمكافحة الإرهاب في عام
2015، إلا أن الأفكار الظلامية كانت قد تمكنت من عقول الشباب التونسي.
للمزيد: أزمة
تشكيل الحكومة.. إخوان تونس ضد الرئيس في حرب الصلاحيات السياسية
دلالة التوقيت
ولمعرفة كيف سمحت حركة النهضة للتنظيمات الإرهابية
بالتوغل داخل المجتمع التونسي، يجب الرجوع أولًا بالنظر إلى تاريخ الحركة الأم في
مصر، ليتضح أنها استراتيجية معمول بها في أدبيات الإخوان، وهي ما تشبه تكوين جناح
سري أو عسكري، يُستدعى- بأوامر المرشد- أو يخرج من تحت الأرض عند اللزوم، إذا ما
ساءت الظروف داخليًّا وواجهت معارضة شرسة.
وبالقياس، استلهمت حركة النهضة هذه الفكرة من جماعة
الإخوان في مصر، بل وأظهرت المراسلات التي أوضحها فريق الدفاع عن بلعيد والبراهمي
وجود تواصل بين الجماعة الأم في القاهرة وفرعها بتونس لحث الأخيرة على استخدام
سلاح الاغتيالات لإسكات وترويع المعارضة.
وبالنظر إلى الفترة الحالية، نجد أن حركة النهضة تواجه
أزمات عدة سواء على المستوى الداخلي، واستقالة نائب رئيس الحركة عبد الحميد
الجلاصي من النهضة، الأربعاء 4 مارس 2020، اعتراضًا على تصرفات رئيسها راشد
الغنوشي، والتي وصفها بغير الديمقراطية.
وتأتي هذه الاستقالة استكمالًا لمسلسل الاستقالات
الداخلية بالحركة خلال الشهرين الماضيين؛ حيث استقال عبد الفتاح مورو، القيادي
البارز بها، والأمين العام زياد العذاري، والأمين العام السابق حمادي الجبالي،
وأمين سر مكتب الحركة زبير الشهودي.
وعلى مستوى التفاعلات الداخلية مع الأحزاب، واجهت حركة
النهضة اعتراضات واسعة ورفضًا كبيرًا من الحركات التونسية، والتي رفضت التعامل معها
خلال محاولاتها بناء حكومة حزبية برئاسة الحبيب الجملي، وهو ما أدى إلى فشل
الحركة، وهو الفشل الذي لاحق حكومة إلياس الفخاخ مرة أخرى.
كما يواجه زعيم الحركة ورئيس البرلمان التونسي راشد
الغنوشي اعتراضات خارجية كبيرة، خصوصًا بعد زيارته غير المعلنة إلى تركيا، ولقائه رجب طيب أردوغان لبحث الأزمة الليبية، وهو تجاوز كبير في حدود اختصاصاته
الدستورية، مع تزايد المخاوف من تحويل تونس إلى ممر للإرهابيين الذين تحاول أنقرة
نقلهم إلى الداخل الليبي.
لذا فإن الأزمات الكبرى التي تواجهها الحركة على المستوى
التنظيمي أو الداخلي أو الخارجي، كلها تشير إلى أن الحركة سوف تلجأ إلى استغلال
أوراقها الإرهابية مرة أخرى، وهو ما ظهر في التفجير الذي وقع بالقرب من السفارة
الأمريكية.
أصابع النهضة
ويرى رياض جراد، الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام
لطلبة تونس، أن تونس تدفع ثمن سيطرة وتغول حركة النهضة الإخوانية في مؤسسات
الدولة، ومحاولة فرض وصايتها على الحكومة التونسية في ظل تصاعد الرفض الشعبي لحركة
النهضة والتيارات المتشددة.
وأشار الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام لطلبة تونس في
تصريحات خاصة بـ«المرجع» أن التفجير يحمل عدة تساؤلات حول توقيت العملية،
والتي تأتي عشية إحياء ذكرى ملحمة بن قردان، والتي خاض فيها الأهالي ورجال الجيش
والأمن التونسي حربًا قوية ضد الإرهاب، ونجحوا في التصدي لمجموعات مسلحة بالهجوم
على مدينة بنقردان على الحدود مع ليبيا، وإفشال مخططهم في السيطرة على
المدينة.
وتابع جراد أن الأمر أيضًا يرتبط بليبيا والصراع في
طرابلس، واستمرار سيطرة الميليشيات على العاصمة الليبية بدعم من رئيس النظام
التركي رجب طيب أردوغان، والذي يواجه خسائر فادحة في إدلب، وأرغم على اتفاق مذل له
مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واختتم جراد قائلا: تونس تواجه حربًا ظلامية من قبل
حركة النهضة والجماعات المتطرفة، لإرباك الشعب التونسي، وإسقاط الدولة في براثن
الخوف والفقر من أجل السيطرة على القرار التونسي، وإعلان دولة الإخوان.
للمزيد: رفضًا لزيارة تميم.. احتجاجات واسعة في تونس مناهضة للنفوذ القطري





