مخيمات للموت في إدلب.. نازحون يروون الكارثة الإنسانية بآخر معاقل «النصرة» (2-1)
السبت 08/أغسطس/2020 - 01:09 م
منة عبد الرازق
«كارثة إنسانية».. هكذا وصفت الأمم المتحدة نزوح الآلاف من المواطنين جراء الحرب التي دقت طبولها على الحدود السورية في محافظة إدلب «شمال البلاد» بين قوات الجيش وجبهة النصرة (جماعة إرهابية موالية لتنظيم القاعدة) وفصائل مسلحة مدعومة من تركيا.
وأكدت الأمم المتحدة في ديسمبر 2019 أن هذه أسوأ موجة نزوح في سوريا منذ بداية الحرب، إذ نزح ما يقرب من 700 ألف شخص نهاية العام المنصرم، فضلًا عن نزوح قرى ومدن بأكملها، ويوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان نزوح 40 ألف مدني خلال 24 ساعة فقط في نهاية يناير 2020 من مدينة سراقب ومدينة أريحا وبلدات وقرى بمحيطها وريفها وريف معرة النعمان الغربي، ومن تبقى في منطقة جبل الزاوية، بالإضافة لمنطقة بنش وتفتناز وسرمين، وحتى الآن ليست هناك أرقام محددة إذ وصل الرقم التقديري لـ 900 ألف نازح، وما زالت الأعداد مرشحة للزيادة وفقًا لمقاطع مصورة حصل «المرجع» عليها من داخل إدلب.
ويروي أهالي مخيمات «إدلب» عن معاناتهم الراهنة بعد توقف المساعدات الإنسانية لمدة ستة أشهر كاملة في ظل توافد آلاف النازحين.
«خيمة وطعام»
عمار
أبو أحمد - مخيم «العطاء» شمالي سرمدا، التابع لتجمع الكرامة الذي يحتوي
على نحو 100 مخيم على الحدود التركية، يقول لـ «المرجع»، إن القصف طال
المدنيين وأدى لنزوح المواطنين بشكل لا يتصوره العقل، فأثناء الحديث معه
أرسل صورًا لسوري تُوفي جراء القصف، مؤكدًا أن هذه الصور أصبحت طبيعية بقدر ما
مر علينا وما رأينا.
ويضيف،
لا يستطيع الأشخاص المشي على أقدامهم جراء التكدس والسيارات القادمة من
القرى المجاورة، فهذه المنطقة يقطنها ما يقرب من 5% من سكانها الأصليين،
والبقية من النازحين والمهجرين، فلم يعد هناك مكان آمن غير هذه الرقعة الضيقة.
ويتابع:
لا مكان للنازحين ولا مأوى ينامون فيه إلا في الشوارع أو تحت أشجار
الزيتون أو داخل سياراتهم، لا عازل حتى يقيهم من البرد فهم بالعراء في درجة
حرارة سالب 7.
ويوضح:
حتى الخيام التي تسلمها بعض العائلات منذ سبع أو ثماني سنوات أصبحت الآن
مهترئة، فتأتي المنظمات لإحصاء عدد الخيام التي تحتاج للتغيير، ويوعدوننا
بالمجيء بعد شهر أو اثنين، يمر عام والأمر كله مجرد إحصاء دون إعطائنا أي
خيام جديدة.
ويشير
إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تفاقم من معاناتهم داخل المخيمات في ظل
غياب أي منظمات أو مساعدات وعدم قدرتهم على الوفاء بكل احتياجات النازحين
تزامنًا مع غلاء الأسعار ونقص الوقود والمواد المستخدمة للتدفئة، فبعد
ارتفاع سعر المازوت وصل لدولار تقريبًا، لجأ الناس للحطب، ثم الفحم وبعد
انقطاعهم، بات الناس يشعلون «البالة»-الملابس القديمة- والأحذية القديمة
للتدفئة.
مخيم حياة كريمة «التعيس»
وقفة
احتجاجية نظمها النازحون في مخيم «حياة كريمة» نوفمبر 2019 احتجاجًا على
أوضاعهم المأسوية، واصفين حياتهم بـ«التعسية» التي لا تنطبق على مسمى
المخيم، بسبب نقص كل المساعدات الطبية والغذائية.
«حبيب
علي» - 27 عامًا- أحد المهجرين من العراق، يقول إنه وصل المخيم منذ نحو 4
سنوات إثر الهجوم على "سُنَّة" العراق من قبل التتنظيمات الشيعية المسلحة،
مؤكدًا أن المخيم به أكثر من 4 آلاف سوري وعراقي، والأوضاع المعيشية تزداد
سوءًا، فقد هرب من القذف بالعراق ليعيش مهددًا بالمخيم، ويعمل منذ الصباح حتى
نهاية اليوم ليحصل على 200 لتر من المياه فقط بـ 600 ليرة سوري، تكاد تكفيه
لمدة يومين فقط.
لا
تختلف حياة «ميناء» - سيدة في منتصف العشرينيات - أرملة وتعول خمسة أيتام،
عن حياة رفقائها الأرامل القاطنين بذات الغرفة، وتقول: إنها منذ ستة أشهر
ولا توجد مساعدات غذائية لا لها ولا لأطفالها، ويعانون البرد القارس
والثلوج دون ثياب تقيهم منه، ودون مياه أو خبز.
«أبو
أحمد» مسؤول المخيم يقول إنهم تهجروا من بلادهم بسبب الميليشيات الإيرانية
جراء حرب طائفية بالعراق منذ 2014، ويسكن بالمخيم نحو80 عائلة عراقية
و40 أرملة فضلًا عن السوريين، ولا فرق بين سوري ولا عراقي في المعاناة التي
يعيشونها، فقد انقطع الخبز منذ 15 يومًا، وتُوفي طفلان سوريان؛ صبي عمره
ستة أشهر وفتاة عمرها عام فقط هذا الأسبوع بسبب البرد القارس، بينما لا
يزال القصف قريبًا حتى من المناطق الآمنة، ويصرخ الأطفال وتبكي النساء من صوت
القذائف والصواريخ.
الخيمة بـ 100 دولار
«أبومصطفى
الجبوري» مدير جمعية خيرية مستقلة لمساعدة النازحين بمدينة السقلين
بإدلب، يقول إن المساعدات المقدمة أقل بكثير من حاجة النازحيين هناك، فضلًا
عن عدم توزيع هذه المساعدات من قبل المجالس المحلية المُشكلة بشكل صحيح
ومتكافئ على الجميع.
ويضيف،
في مخيم «عزمارين» العشوائي كما وصفه، تأتي إليه العائلات النازحة وتؤجر
فيه الغرف أو شقة أو حتى خيمة للعيش، فهناك (سوق سوداء للخيم) بعدما أصبح
حلم امتلاك الخيمة بعيد المنال، فمن له علاقات بالمنظمات يحصل على واحدة
ومنهم من يحصل عليها من تبرعات فردية، ومن لم يستطع يشتريها، حتى وصل أقل
سعر للخيمة 100 دولار، ومن يمتلك القليل من النقود يستأجرون الغرف من
أهالي المناطق، أما الشقة فيتراوح إيجارها بين 200 و 400 دولار، ويعيش بها
من عائلتين لأربع عائلات نظرًا لكثرة النازحين في آخر ثلاثة أشهر.
ويتابع: تحاول السيدات إما العمل ببساتين الزيتون أو بخدمة البيوت لبعض سكان المنطقة لكسب قوت يومهم وتوفير ثمن الغذاء لأطفالهن.
«بسام» هاجر لتركيا وأطفاله يواجهون الموت
من
مدينة «بالق أسير» بتركيا يحكي «بسام» - 28 عامًا عن مخيمات «حارم» بإدلب
ويروي مأساته بعدما هاجر بطريقة غير شرعية إلى تركيا عبر طريق بري واعر،
ويقول: منذ شهرين عقب بداية الحملة على إدلب، كان المخيم مهمشًا من قبل
المنظمات، رغم زيادة أعداد النازحين الجدد فهناك لا يريدون سوى خيمة فقط
تقيهم من المطر والثلوج.
ويتابع:
أنه وصل تركيا بعدما دفع 500 دولار لتجار التهريب، وترك طفليه: أمير عامان
ونصف وأميرة تبلغ من العمر عامًا في إدلب لأنه لا يستطيع دفع المال
للمهربين لكي يسافرا معه.
ويوضح
أنه يعمل الآن بالإنشاءات في تريكا كي يستطيع توفير المال لأسرته، بعدما
أصبح بين نارين أن يظلوا تحت القذف جميعهم أو يحاول النجاة بأسرته عقب
سفره.
لكن
عكس توقعاته، المال الذي يجمعه نحو 80 ليرة يوميًّا، لا تكفي لتوفير قوت
يومه وإرسال المال لزوجته وتوفير نفقات انتقالهم لتركيا، ولكن لا حيلة له،
فالوضع بإدلب أصبح قاتلًا كما يصف، والناس «صارت تتمنى الموت».
للمزيد..أسرار ظهور أعلام «هيئة تحرير الشام» على الدبابات التركية في «إدلب»





