ad a b
ad ad ad

اللاجؤون والإرهاب.. جدلية العلاقة والارتباط

الأحد 11/نوفمبر/2018 - 06:27 م
المرجع
محمود رشدي
طباعة

ارتفعت موجات الهجرة غير الشرعية واللاجئين لدول الاتحاد الأوروبي خلال الثلاثة أعوام الماضية بأعداد غير مسبوقة تجاوزت الملايين من المهاجرين واللاجئين الفارين من الحروب الأهلية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط، وتباينت المواقف بالقارة العجوز ما بين مؤيد لموجات الهجرة ومعارض لها..


 واختلفت الرؤى ما بين أحزاب يسارية تؤمن بمبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات اللاجئين وتحمل على كاهلها حماية الآخر في ظل الصراعات الدامية، وما بين أحزاب يمينية لا ترى هؤلاء المهاجرين إلا خطرًا كبيرًا على الاتحاد الأوروبي.. في عام 2015، تلقت الدول الأعضاء في الاتحاد 1.9 مليون طلب لجوء جديد - نحو نصف مليون منهم من السوريين و نصف مليون من الأفغان والعراقيين والباكستانيين والنيجريين .

للمزيد: مخيمات اللاجئين.. قنابل موقوتة لدعم الإرهابيين

اللاجؤون والإرهاب..

كانت لموجات الهجرة واللاجئين تداعيات أمنية وسياسية، وتصاعدت التساؤلات حول تزايد الهجمات الإرهابية في الداخل الأوروبي ولاسيما بين عامي 2015 و2016، بالتزامن مع تزايد حركة اللاجئين، مما كان له تداعيات سياسية تمثلت في تزايد تيارات اليمين المتطرف، وبروز ظاهرة الإسلاموفوبيا بقوة على الساحة الأوروبية، وهو ما شكل تحديًا أمام السلطات في كيفية الاستجابة لتلك الأحداث المتسارعة. ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ثمة علاقة تربط ما بين موجات اللاجئين والعمليات الإرهابية في أوروبا؟

 

        هل هناك ارتباط  ما بين الإرهاب واللاجئين؟

عقب صعود نجم تنظيم داعش في منطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع انتفاضات ما سمي بالربيع العربي وتزايد الحروب الأهلية، ارتفع عدد اللاجئين للدول المجاورة ودول القارة الأوروبية، ودار نقاش فضفاض في كثير من التقارير والدراسات البحثية عن إرهابيين يختبئون بأعداد كبيرة في تيارات اللاجئين. ما جعل كثيرًا من الدول التي صدقت على اتفاقية 1951 وبروتوكول الأمم المتحدة لعام 1967 المتعلق بوضع اللاجئين تتخوف من العمليات الإرهابية.


ويمكن أن نكشف العلاقة بين الظاهرتين عبر عدد من الأسئلة التي تتراوح ما بين أن الإرهاب يسبب هجرة، أو أن الهجرة واللجوء يسببان إرهابًا، بواسطة عوامل وسيطة مثل الصراع أو الحرب الأهلية، ويمكن شرح ذلك في النقاط التالية:

للمزيد: «داعش» يطلق «ذئابه المنفردة» على أوروبا من مخيمات اللاجئين

اللاجؤون والإرهاب..

-         الإرهاب السياسي كسبب أساسي للهجرة واللاجئين

 

كشفت مؤسسة فريدم هاوس " Freedom House"  أن ما يقرب من 129 دولة كانت في مرحلة انتقالية من النظام الشيوعي، منها 74 دولة كانت في درجات متفاوتة من الحكم الديمقراطي، في حين أن نحو 54 دولة مازالت تحت الحكم الشمولي، كما كان من بينها 40 دولة تعد من الديكتاتوريات الصلبة " “hard dictatorships"[1].

 

تشير  كثير من البيانات  الصادرة عن مراكز حكومية ومنظمات دولية إلي أن القمع السياسي هو أحد الدعائم الأساسية لحركات الهجرة غير الشرعية واللاجئين، ويمكن أن نشير لذلك من خلال السمة الغالبة على اللاجئين الأفارقة إذ تنتشر بأفريقيا العديد من النظم السلطوية، فوفقًا لمعهد الاقتصاد والسلام فإن نحو 92% من جميع العمليات الإرهابية بين عامي 1989 و2014 وقعت في بلدان انتشر فيها الإرهاب السياسي العنيف[2[.

-

         الدول الهشة كحافز للإرهاب ونزوح اللاجئين

 لقد ارتبطت الدول الهشة أو الضعيفة أو الفاشلة بإلارهاب لبعض الوقت، إذ أن فكرة غياب سلطة مركزية قوية تتمتع بدرجة عالية من الشرعية مع قطاعات رئيسية من المجتمع وحكومة غير قادرة على الحفاظ على القانون والنظام تسمح للمنظمات الإرهابية باستغلال الفراغ الأمني  في أراضٍ غير خاضعة أو خاضعة للحكم.


كما أن التراجع العام في احتكار الدولة للقوة يميل إلى إعطاء الضوء الأخضر للميليشيات المسلحة ، وهي جماعات تسعى إلى فرض القوة والسلطة على أماكن بحيازتهم؛ والتي كثيرًا ما تؤدي سياستها الممنهجة  للقيام ببعض التكتيكات الإرهابية، بما في ذلك التطهير العرقي، الذي يمكن أن يؤدي إلى نزوح داخلي أو خارجي.

 

منذ نهاية فترة الحرب الباردة، كانت هناك العديد من الحالات التي انهارت فيها الحكومات المركزية، تاركة الأقاليم دون حكم. وعلى سبيل المثال لا الحصر دولة الصومال عقب الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري ( 1969- 1991م) بسبب أزمات عدة تعرضت لها الدولة، وصعدت على إثرها حركة الشباب الصومالية وانقسمت الدولة لعدة أقاليم (بونتلاند وأرض الصومال وجبلاند وجمهورية الصومال الفيدرالية.


وأنتجت تلك التطورات أعدادًا كبيرة من اللاجئين خارجيًا خاصة في كينيا حيث معسكر «داداب» أكبر مخيم للاجئين، وبحلول عام 2016، كان هناك أكثر من 300 ألف لاجئ، وعلى الرغم من وجود قوات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لم يتم هزيمة حركة الشباب حتى الآن، وهناك أمثلة أخرى متمثلة في أفغانستان (بعد عام 1992) والعراق (بعد عام 2003 إذ يعاني كل منهما من الإرهاب وأنواع أخرى من الصراعات المسلحة على نطاق واسع[3].

 

أن فشل الدولة قد لا يكون عاملًا قويًا في الهجرة  وطلب اللجوء، ولكنه ليس بالضرورة أحد العوامل التي يكون فيها الإرهاب هو الدافع الرئيسي وراء الهجرة.

اللاجؤون والإرهاب..

  إرهاب الفواعل من غير الدول كسبب للهجرة واللجوء

يرتبط وجود التنظيمات الإرهابية في دولة ما بوجود عمليات نزوح هجرة داخلية وخارجية خوفًا من القواعد المتطرفة المطبقة من قبل تلك الجماعات. عندما أعلن تنظيم داعش في العراق وسوريا خلافته المزعومة في منتصف عام 2014 بمدينة الموصل العراقية. فر معظم السكان وانخفض عددهم من 2.5 مليون إلى مليون فرد، كما فر العديد ممن هم في مناطق أخرى خاضعة للتنظيم. وكما أشارت «مايا يحيي» إلى أن "قد أدى اكتساح تنظيم داعش إلى الأراضي العراقية في يونيو 2014 إلى تكثيف عملية النزوح القائم على الهوية وإعادة تشكيل الأراضي على أساس طائفي وإثني. في السنة التالية، فر 2.57 مليون شخص حيث استهدف التنظيم مجتمعات بأكملها عاشت في سهول العراق لعدة قرون. حيث ترك مسيحيو الموصل منازلهم الموروثة بالقوة، لكنهم كانوا أفضل حالًا من اليزيديين والشبك والمندائيين والشيعة والتركمان [4].


        الحرب الأهلية باعتبارها دافعًا للهجرة والإرهاب

في الفترة من عام 1946 إلى عام 2016، كان هناك 259 نزاعًا مسلحًا. وعلى الرغم من تراجع حروب الاستعمار والمواجهات العسكرية بين الدول، فإنه قد انتشرت الحروب الأهلية الداخلية، التي غالبًا ما تكون مصحوبة بتدخلات أجنبية. وفي الوقت الذي انخفض فيه عدد النزاعات المسلحة لأكثر من عقد من الزمن بدءًا من عام 1992، فإن هذا الاتجاه الهابط المأمول بعد الحرب الباردة اندلع في عام 2003. ومنذ ذلك الحين رأينا ما يتراوح بين 30 و50 نزاعًا مستمرًا في كل عام. وفي عام 2015 شهدنا ما يقرب من 37 نزاعًا مسلحًا بضحايا اقترب عددهم من 170 ألف قتيل يقع نحو 50% منها بمنطقة الشرق الأوسط وحدها.

 

وفيما يخص الصراع في سوريا، والذي يعد الأكثر دموية منذ نهاية الحرب البادرة، ومنذ عام 2012 فقد أنتج هذا الصراع أكثر من 53% من ضحايا الحروب والصراعات في العالم، يليه العراق بنسبة 12%، وأفغانستان بنفس النسبة. وفي عام 2014 أنتجت الصراعات في تلك البلدان الثلاثة أكثر من 80% من قتلى الحروب الأهلية والصراعات.

 

وأدت الحرب الأهلية بكل من: سوريا والعراق وأفغانستان وانتشار العمليات الإرهابية والتشكيلات المسلحة إلى نزوح عدد كبير من السكان. وما بين عامي 1978م و1989، عندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ونجم عنه ما يقرب من 6.2 مليون أفغاني وهو عدد ضخم إذا ما اعتبروا كلاجئين في البلدان المجاورة للدولة المعنية في إيران وباكستان، وظل غالبية هذا العدد الضخم في تلك البلدان المستقبلة برغم خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان[5].


بعد الغزو الأمريكي للعراق، نجم ما يقرب من 2 مليون عراقي لاجئ في البلدان المتاخمة للدولة، ونحو 1.7 مليون نازح داخليًّا بحلول عام 2007. أما في الحالة السورية، ففي أواخر عام 2015، أصبح ما يقرب من 1.4 مليون لاجئ سوري وأكثر من 5 ملايين نازح داخليًّا.


ناهيك عن مشكلة النزوح الداخلي والذي تستوعب فيه الدولة عددًا كبيرًا من مهاجريها داخل حدودها الجغرافية، ولكن ما يسبب الكثير من المشكلات والأزمات الاجتماعية والاقتصادية هو الكم الكبير من المهاجرين واللاجئين للدول الأخرى، إذ يضغط هذا الكم الكبير من المواطنين على المرافق السكانية والاقتصادية والاجتماعية للدولة المستقبلة. وعقب بروز تنظيم داعش وإعلان خلافته في العراق وسوريا بعام 2014، استغل داعش الكم الكبير من اللاجئين على الحدود الأوروبية لتمرير عملياته داخل أوروبا.

 

وفقًا لمعهد الاقتصاد والسلام، فإن 88% من الهجمات الإرهابية وقعت في بلدان تعاني من الصراعات العنيفة، بينما وقعت 11% من الهجمات الإرهابية في بلدان لم تتورط في نزاعات مسلحة في ذلك الوقت، وما يقرب من 0.6% من الهجمات الإرهابية وقعت في بلدان لم تشهد صراعات أو أي شكل من أشكال الإرهاب السياسي. ولذا يمكن أن نعتبر أن هناك صلة ما بين الإرهاب المتصل بالنزاعات وهجرة اللاجئين، وبالنظر لعدد الوفيات المرتبطة بالعمليات الإرهابية في عام 2014 فقد حازت خمس دول على نصف عدد ضحايا الإرهاب، وهي الدول نفسها التي احتلت المراكز الأولى لمؤشر الإرهاب والعمليات المسلحة وهي: ( افغانستان، العراق، ونيجيريا، وباكستان، وسوريا). وتجدر الإشارة إلي أن تلك الدول حازت على ما يقرب من 78% من جميع قتلى العمليات الإرهابية، ونحو 57% من جميع الهجمات المسجلة بعام 2014[6]. 

         

مخيمات اللاجئين كدافع للإرهاب

 هناك مخيمات للاجئين في أكثر من 125 دولة، وبينما يرى اللاجؤون أنهم يعيشون في أماكن مؤقتة لحين العودة مرة أخرى لبلادهم بعد أن تضع الحرب أوزارها، فإن الحقيقة المحزنة هى أن متوسط عمر اللاجئ في تلك الهياكل يصل إلى 17 عامًا.


ويعتقد اللاجؤون أن تلك المخيمات هي أماكن آمنة من مخاطر القتل والتهديد عقب الفرار من شبح الموت والهلاك في أوطانهم، لكن واقع المخيمات مرير جدًا، وعلى غير ما يتوقعه اللاجئ، فالمخيمات أماكن غير آمنة، حيث لا تخضع لرقابة الشرطة، ويعيش سكانها جوًا من البؤس والدمار في انتظار قرارات الساسة الدوليين، أو أملًا في قرار يمنحهم قبلة الحياة مرة أخرى.. 

مخيمات اللاجئين مثلها كمثل السجون تصبح أرضًا خصبة للإرهاب، فأكثر من نصف عدد اللاجئين من الشباب؛ الذين هم أكثر عرضة للانضمام لجماعات إرهابية، فتلك الأماكن المفتوحة كالمخيمات توفر فرصة لتجنيد الإرهابيين ومقاتلي حرب العصابات[7].


ويصبح الانضمام والتجنيد لصالح جماعات إرهابية أكثر احتمالًا؛ حيث تكون مخيمات اللاجئين على اتصال مباشر مع المقاتلين من أطراف الصراع المستمر. إن الإغراء بالانضمام إلى القتال بدلًا من الانتظار في حالة يأس هو أمر حقيقي لكثير من الشبان، لا سيما عندما لا يستطيع اللاجؤون الحصول على التعليم أو العمل، ويتم عزلهم في المخيمات لسنوات. على سبيل المثال، عندما فر ملايين الأفغان من الاحتلال السوفييتي في الثمانينيات، انتهى بهم المطاف في مخيمات اللاجئين في باكستان، فإن بعض هذه المعسكرات أصبحت أماكن تجنيد للمجاهدين.


[1] Freedom in the World, nxious Dictators, Wavering Democracies: Global Freedom under Pressure, freedom house, avilable on https://freedomhouse.org/report/freedom-world/freedom-world-2016

[2] New peace economics analysis inside the latest Positive Peace Report 2018, Institute for Economics and Peace, avilasble on http://visionofhumanity.org/positive-peace/new-peace-economics-analysis-inside-latest-positive-peace-report-2018/

 [3] Koser, K. and Cunnigham, Migration, Violent Extremism and Terrorism: Myths and Realities, Global Terrorism Index 2017,  available on http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/11/Global-Terrorism-Index-2017.pdf

[4] MAHA YAHYA, Refugees and the Making of an Arab Regional Disorder, carnegie middle east center, AVILABLE ON http://carnegie-mec.org/2015/11/09/refugees-and-making-of-arab-regional-disorder/ilb0

[5] International Organization for Migration, International Terrorism and Migration, Geneva: IOM, 2010 available onhttps://www.iom.int/jahia/webdav/shared/shared/mainsite/activities/tcm/international_terrorism_and_migration.pdf

[6] Institute for Economics & Peace, Global Terrorism Index 2015.Measuring and Understanding the Impact of Terrorism Sidney, AVILABLE ON http://visionofhumanity.org/

[7] United Nations, Refugees victims of terrorism, not its perpetrators, High Commissioner tells, available onhttps://www.un.org/press/en/2001/GASHC3667.doc.htm

"