«تحرير الشام» وتداعيات الانضمام المحتمل لـ«الوطني الموحد»
الخميس 31/مايو/2018 - 08:38 م
أحمد سامي عبدالفتاح
تواترت، مؤخرًا، أنباء عن احتمالية قيام «هيئة تحرير الشام» -تُشكل جبهة النصرة عمودها الفقري- بحل هياكلها الإدارية والعسكرية، على أن تُتبع هذه الخطوة بالسماح لمقاتليها بالانضمام إلى هيئة مسلحة جديدة اتخذت لنفسها اسم «الجيش الوطني السوري الموحد» -تابعة للمعارضة المسلحة- أُعلِنَ تشكيلها في نهاية ديسمبر 2017، بقوام عسكري يبلغ تعداده 22 ألف عنصر ضمن 3 فيالق عسكرية رئيسية، ليكون القوة المسلحة الرئيسية في الشمال السوري.
وفي حال صحَّت هذه التقارير، فإن «هيئة تحرير الشام» قد استجابت للضغوط التركية، وقامت بتفكيك أجهزتها لتتجنب أي عملية عسكرية محتملة من قبل روسيا وحلفائها، أو من قبل تركيا والقوات المدعومة منها عسكريًّا، ولكن قرار كهذا لا يمكن أن يمر دون تأثير سلبي على ما يعرف بـ«الجيش الوطني الموحد» الجديد، الذي يواجه تحديًا مريرًا من أجل إثبات نفسه كقوة ذات شرعية في الشمال والشمال الغربي السوري.
بعبارة أخرى، سوف يؤدي اندماج عناصر من «تحرير الشام» ضمن ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» إلى زرع الفكر المتطرف بين مقاتلي الجيش -هذا في حالة انضم المقاتلون بشكل فردي غير تنظيمي، وبمرور الوقت قد يتمدد هذا الفكر، وينجح في استقطاب مقاتلين جدد وضمهم إلى صفه، خاصة بعد إعلان ما يسمى بـ«الجيش الموحد» عن هدفه الأول، وهو فرض سيطرته على الشمال السوري، ما يعني أن مقاتلي الهيئة قد يستغلون هدوء الجبهات مع النظام السوري للتشكيك في الأهداف العسكرية لهذا الكيان المسلح الجديد، قبل البدء بالانشقاق رفقة الأفراد الذين تم استقطابهم، ليشكلوا هيئات مسلحة ذات طابع إسلاموي خالص.
وفي حالة انضمام مقاتلي «تحرير الشام» إلى ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري الموحد» وفق أطر عسكرية تنظيمية، فإن ذلك يعني أن الهيئة مازالت قائمة لم تتداع، ما يعني أن تخليها عن الأراضي التي تسيطر عليها لصالح الكيان الجديد لم يفقدها قدرتها على إعادة التشكيل مرة أخرى.
وفي حال تحقق ذلك، سنجد أنها نجحت من خلال مناوراتها العسكرية والسياسية في تجنب استهدافها دوليًّا، وذلك بتسترها تحت ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، مع الحفاظ على وجودها العسكري الذي يخول لها لعب دور فاعل في أي نزاع يخص الشمال السوري.
كما لا يمكننا أن نتجاهل أن انضمام مقاتلين من الهيئة إلى «الموحد» سوف يقلل من الشرعية الدولية التي يسعى التشكيل الجديد للحصول عليها، فضلًا عن أن ذلك قد يؤدي إلى اقتتال داخلي نتيجة عدم تلاقي أفكاره التنظيمية مع أفكار مقاتلي «تحرير الشام» الجهادية الشعبوية؛ ما قد يشكل عقبة أمام استمرار الكيان الجديد، وقدرته على أداء مهامه المنوطة به.
وفي هذا الشأن، يمكننا أن نستدل بالقتال، الذي دار صباح اليوم الخميس، 31 مايو 2018 -وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان- بين مقاتلين من «أحرار الشام» وآخرين تابعين لـ«لواء الشمال» التابع لما يُسمى بـ«الجيش السوري الحر»، في مدينة جرابلس القريبة من الحدود السورية التركية، والخاضعة لنفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وفق عملية «درع الفرات»، على أن فكرة الوفاق بين الفصائل العسكرية القومية والإسلاموية أمر يصعب تحقيقه نتيجة التضارب الفكري، الذي يدفع كل طرف في اتجاه مناقض للآخر، فضلًا عن تضارب الأولويات العسكرية، التي يقرها كل فصيل وفقًا لفكره، ما ينبئ باحتمالية نشوب خلافات داخل الجيش الجديد.
لاشك أن ما يُسمى بـ«الجيش الوطني السوري الموحد» يعي كل الإشكاليات، التي ستلحق بصفوفه في حال تم دمج عناصر «هيئة تحرير الشام» مع مقاتليه، لكن ذلك يبقى الخيار الأفضل بالنسبة له في الوقت الراهن؛ لأن البديل هو أن تقوم روسيا بعملية عسكرية ضد الهيئة أو يقوم الجيش الجديد مدعومًا بفصائل مسلحة، مثل «تحرير سوريا»، بعملية عسكرية لاستئصال «تحرير الشام»، ما سوف يستنزف الكيان الجديد في معركة ليست ضمن أولوياته العسكرية في الوقت الحالي، خاصة أن المعارضة المسلحة ترى في أي اقتتال ليس موجهًا ضد النظام السوري إخلالًا بميزان القوى لصالح النظام.





