بعد «بريكست- جونسون».. بريطانيا العين الخامسة في وجه الاتحاد الأوروبي
أصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرًا غير مستبعد، خاصة بعد فوز حزب المحافظين بأغلبية مجلس العموم، وهو ما يسمح له بتمرير اتفاق بريكست الخاص به، وهو ما يطرح تساؤلات حول العلاقة الأمنية للمملكة المتحدة مع دول الاتحاد، خصوصًا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
ومع كثرة الأزمات الإرهابية حول العالم، لا يمكن تصور رغبة أي دولة في الخروج من أي اتفاقية أمنية أو استخباراتية يمكن أن توفر لها معلومات حول العمليات الإرهابية والمقاتلين في التنظيمات المتطرفة، خصوصًا إذا ما كانت هذه الاتفاقيات مع مؤسسات لها ثقلها مثل يوروبول، وهو ما يضع بريطانيا والاتحاد الأوروبي في أزمة واضحة.
جونسون.. عراب البريكست
حصل بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين البريطاني، على أغلبية مطلقة في برلمان بلاده خلال الانتخابات العامة الماضية؛ حيث سيطر على 345 مقعدًا في مجلس العموم من أصل 650، وهو ما يشير إلى خروج قادم لإنجلترا من الاتحاد الأوروبي، في يناير 2020، بعد ثلاث سنوات ونصف من التفاوض.
وفي الاتفاق الذي وصلت عدد صفحاته إلى 535 صفحة، دار الخلاف خلال المفاوضات حول القضايا السياسية والاقتصادية بين الطرفين، مثل أزمة الرسوم الجمركية في مقاطعة إيرلندا الشمالية، والالتزامات بالموازنة متعددة السنوات طويلة الأمد، والتي أقرتها بريطانيا مع دول الاتحاد في عام 2014 وتستمر حتى 2020.
إلا أن هذا الاتفاق لم يتضمن أي تفاصيل حول الجوانب الأمنية، خصوصًا فيما يتعلق بالتعاون الأوروبي حول مواجهة التنظيمات الإرهابية حول العالم، مثل تنظيم داعش، والتي شاركت دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة ضمن قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم ذلك، فإن هذا الاتفاق سوف يرى النور قريبًا، حيث شدد زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء بوريس جونسون على خطته خلال آخر مناظرة تلفزيونية مباشرة قبيل الانتخابات، 7 ديسمبر 2019، مؤكدًا على تطبيق الاتفاق في 31 يناير المقبل.
للمزيد: بريطانيا في العاصفة.. جدل داخلي بين مخاطر بريكست واحتمالية عودة داعش
- تعاون أوروبي مستمر
يتميز الاتحاد الأوروبي بوجود حالة تعاون قوي ومستمر ما بين الدول الأعضاء في مواجهة مخاطر الإرهاب، سواء كانت داخلية أو خارجية، وعلى المستويين الاستخباراتي والعسكري؛ حيث يتم تبادل المعلومات حول العناصر والتنظيمات الإرهابية بسهولة بين دول الاتحاد، كما يتم توجيه ضربات عسكرية قوية في معاقل هذه الجماعات في خارج الحدود.
ويمكن الاستدلال على هذا التعاون عبر مواقف مختلفة، مثل تمسك دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» بتطبيق المادة الخامسة في معاهدة واشنطن، والمتعلقة بالدفاع الجماعي، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على هجمات 11 سبتمبر 2001، وتم نشر طائرات أواكس ضمن عملية النسر التي أطلقتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، كما نشرت قوات بحرية في منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، 6 أكتوبر 2001.
وفي 2004، أطلق مديرو أسلحة الجيش الوطني في الدول الأعضاء بحلف الناتو مشروعًا يعرف باسم «برنامج عمل لمواجهة الإرهاب»، ويهدف البرنامج إلى التعاون في مجال التقنيات الحديثة الخاصة بمواجهة العمليات الإرهابية، مثل مكافحة السيارات المفخخة، وتقليل نقاط ضعف الطائرات في مواجهة صواريخ الدفاع الجوي المحمولة، وحماية السفن ضد القوارب السريعة التي تحمل متفجرات.
وتطور الأمر في قمة ريجا، نوفمبر 2006، التي ركزت على توحيد التوجهات السياسية المتعلقة بالتهديدات الخاصة بالتنظيمات الإرهابية وانتشار أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى تأكيد عملية الدفاع الجماعي للدول الأعضاء.
واستمر الوضع حتى الفترة الحالية؛ حيث شهدت قمة حلف شمال الأطلسي في لندن، ديسمبر 2019، أن دول التحالف سوف تستمر في تضامنهم ووحدتهم، مع النظر إلى المستقبل بصورة واضحة، مع وجود خطط لحماية جميع الأعضاء.
إضافة إلى اجتماع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي المنعقد في فيينا، ديسمبر 2019، بحضور 57 دولة من أعضاء المنظمة، وتناول آليات التصدي للهجمات الإرهابية عبر وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لها.
بريطانيا والاتفاقيات الأوروبية
يمتلك الاتحاد الأوروبي عددًا كبيرًا من الاتفاقيات الأمنية الخاصة بمواجهة التنظيمات الإرهابية، والتي يتم اللجوء كثيرًا، خصوصًا مع التهديدات الكثيفة التي تتعرض لها القارة العجوز.
وتعد بريطانيا جزءًا فاعلًا من هذه الاتفاقيات، حيث تعد واحدة من أكثر 3 مستخدمين لبيانات منظمة يوروبول، خاصة بحفظ الأمن في أوروبا عبر تقديم معلومات في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب، وتعمل على تبادلها بين الدول الأعضاء.
وتقدم لندن للدول الأوروبية معلومات قيمة عبر ما تحصل عليه عبر اتفاق «العيون الخمس»، والذي يجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية ونيوزيلندا وأستراليا وكندا، ويهدف لتبادل المعلومات المخابراتية.
ولم يوضح اتفاق البريكست الأخير ما بين حزب المحافظين والاتحاد الأوروبي طبيعة العلاقة الأمنية والمخابراتية ما بين الطرفين، إلا أن هذه العلاقة يمكن الاستدلال عليها عبر عدة نقاط:
1- رأي حزب المحافظين:
ينتمي بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين إلى تيار اليمين البريطاني، الذي يعترض بصورة واضحة على التعهدات الدفاعية والأمنية المتبعة بين دول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، حتى تلك المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية.
ويشير تيار اليمين إلى أن المبادرات الدفاعية الأوروبية تضعف قوة الناتو، وتهدف إلى بناء دولة أوروبية موحدة، وهو ما يعارضه جونسون، كما أن مسألتي الأمن والدفاع وتدخل قوى الناتو في الخارج لمواجهة التنظيمات المتطرفة، كما حدث في حالة داعش في سوريا والعراق، كلها أمور تضر بالاقتصاد الأوروبي، كل دولة على حدة.
وهو ما أكدته زعيمة حزب المحافظين السابقة تيريزا ماي، والتي أشارت إلى أنه في حالة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سوف يؤدي إلى إضعاف التعاون في مكافحة الجريمة والإرهاب، وفقًا لما عبر عنه مديري مكتبها نيك تيموثي وفيونا هيل.
ومع إثارة الجدل حول هذه النقاط، أشارت ماي إلى أن المملكة المتحدة لا تريد التراجع في مسائل الدفاع المشترك ضد كافة المخاطر بما فيها الإرهابية، واعتبرته أمر غير مشروط، إلا أن اليمين المتطرف البريطاني يعتبر أن عملية الدفاع الداخلي لإنجلترا أمر غير قابل للتفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويخشى جونسون أن الإنفاق البريطاني على أمور الدفاع الأوروبية يمكن أن يؤثر على الاقتصاد، خصوصًا في فترة ما بعد البريكست.
ويرى حزب المحافظين أن اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يساهم في زيادة القوة الأمنية لها، وتبادل المعلومات حول المخاطر المختلفة، بما فيها الجوانب الإرهابية. وهو ما أشار إليه مكتب المعلومات الحكومية في لندن، في تقرير صادر عنه في نوفمبر 2017.
للمزيد: المعادلة المعقدة.. بريطانيا بين البريكست والمواجهة المنفردة للإرهاب
2- آراء معارضة
على الرغم من القرار الأساسي لحزب المحافظين في مجال الدفاع، فإن الأوراق البحثية تعارض هذا التوجه، حيث أشار بحث منشور صادر عن الحكومة البريطانية، 28 نوفمبر 2018، ومنشور في صحيفة فوربس، إلى أن بريطانيا قد تواجه أزمات أمنية في حال خروجها دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في هذه النقطة.
مشيرة إلى أن أي تعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في مجال الدفاع، يمكن أن يتوقف، وتصبح بذلك بريطانيا غير قادرة على استخدام الأدوات والآليات التي تتيحها الاتفاقيات الأوروبية، مثل الدفاع المشترك وتتبع بيانات ومعلومات العناصر الإرهابية.
وأضاف التقرير أن بريطانيا في حالة لجوئها إلى آليات بديلة للحصول على المعلومات حول العمليات الإرهابية، فإن تلك الأدوات لن توفر لها القدر نفسه من الكفاءة مثلما تفعل الأدوات التابعة للاتحاد الأوروبي.
ويرى ديفيد جالبريث، المحاضر في الأمن الدولي بجامعة باث، أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يجب ألا يضعا التعاون الأمني كجزء من المفاوضات فيما بينهما، حيث إن كلًا منهما سوف يخسر في حالة توقف التعاون الاستخباراتي أو وصوله إلى حد أدنى، خصوصًا وأن لندن تعد حلقة وصل بين أمريكا وأوروبا في هذا المجال.
3- يوروبو.. طوق النجاة
تعد منظمة يوروبول، المكتب الأوروبي للشرطة، واحدة من أبرز المنظمات الأوروبية في مجال حفظ الأمن داخل دول الاتحاد الأوروبي، وذلك عن طريق تقديم الدعم اللوجيستي والمعلوماتي في مجال مكافحة الجرائم الدولية والإرهابية التي تمس دول الاتحاد.
ويمكن اعتبار أن المنظمة تكمن في قلب اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ حيث لا يريد أي من الطرفين المخاطرة بعلاقته بالطرف الآخر، لذا يكثر الحديث حول علاقة لندن بالمنظمة الأوروبية في حالة تحقيق اتفاق بريكست.
ويرى رئيس الشرطة الأوروبية روب واينرايت خلال كلمته أمام لجنة الشؤون الداخلية بمجلس العموم، مارس 2017، أن «هناك رغبة داخل أجهزة الشرطة الأوروبية بعدم خسارة الخبرة البريطانية في مجال الاستخبارات خلال فترة مهمة جدًا».
وبالعودة إلى الموقع الرسمي للمنظمة، نجد أنه يمكن للدول غير الأعضاء الاستفادة من خدمات المنظمة، حيث يشير الموقع إلى أن هناك قرار من مجلس العدل والشؤون الداخلية بتاريخ 27 مارس 2000، والمعدل بتاريخ 6 ديسمبر 2001، والذي يمنح مسؤولي المنظمة الحق في الدخول بمفاوضات مع دول من خارج الاتحاد للتعاون معها.
ويشير الموقع إلى أن هناك نوعين من الاتفاقيات المسموح بها، الأول يتعلق بتبادل المعلومات التقنية والفنية، أي غير المتعلقة بأشخاص محددين، والثاني خاص بتبادل المعلومات الشخصية حول أفراد أو جهات محددة، وطبيعة تحركاتهم والمعلومات الاستخباراتية عنهم.





