الاضطراب السياسي في «أوكرانيا» يجذب قطر والجماعات الإرهابية
الجمعة 25/مايو/2018 - 05:28 م

نهلة عبدالمنعم
الممعن في تاريخ نشأة وتطور حركات الإسلام السياسي يستطيع ملاحظة أن تلك الفصائل لا تتبنى عقيدة دينية أو مذهبية، بينما هي تُحرف صحيح الدين لتصل إلى غاياتها من المال والحكم، تلك النزعة المادية السلطوية هي ما تتعامل معها القوى العالمية، بل وتستغلها لتحقيق مصالحها.
وفي لعبة الأدوار والمصالح نجد أن الوضع السياسي المضطرب للدولة الأوكرانية يُلقي بظلاله على استقطاب مسلحي تنظيم «داعش»؛ حيث إن الكِيانات الإرهابية في حقيقتها ما هي إلا عرائس ماريونت خيوطها في أصابع اللاعبين الأقوياء على مسرح الأحداث الدولي، وكل مهام تلك التنظيمات الإرهابية تتلخص في زعزعة الاستقرار وخلق الاضطرابات وإثارة النعرات الطائفية وتوتر المناطق التي يظهرون فيها بما يعود بالنفع على داعميهم ومموليهم، بل ومحركيهم في الأساس.
«داعش» في أوكرانيا
تشير التقديرات الأولية إلى أن عدد العناصر الناشطة من تنظيم داعش، الحاضرة بقوة داخل حدود دولة أوكرانيا يصل إلى نحو 500 مسلح، جدير بالذكر أنهم يعلنون وجودهم ذلك بجرأة وتبجح؛ حيث نشر التنظيم مطلع الأسبوع الحالي ملصقًا عدائيًّا يهدد فيه باستهداف ملعب الاستاد الأوليمبي في العاصمة «كييف»، الذي ستقام عليه المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا السبت المقبل.
«نحن هناك».. هي العبارة الشهيرة التي كثيرًا ما يكتبها التنظيم تعبيرًا عن حضوره الطاغي هناك، مستغلًّا الفساد المستشري في البلاد، الذي يسهل للعناصر اقتناء جوازات سفر أوكرانية تخول لهم التجول داخل أركان الاتحاد الأوروبي، لتكون أوكرانيا هي معبر «داعش» من وإلى القارة العجوز.
كما أظهر شريط فيديو تم بثه عن معسكر في دير الزور تم تحريره من عناصر «داعش»، وجود العلم الأوكراني في مقتنيات العناصر، التي كانت تعيش في المعسكر.
وكشف رئيس إدارة الأمن الأوكراني، فاسيلي غريتساك، في عام 2015، معلومات أمنية مؤكدة، تفيد بوجود نشاط كثيف للعناصر الداعشية في أوكرانيا، وتحت عنوان «أوكرانيا من الأعداء» نشر تنظيم داعش في نوفمبر 2015 فيديو عدائيًّا ضد الدولة.
شرعية زائفة يستمدها الإرهابيون من الصراع الروسي الأوكراني
إضافة إلى الفساد الحكومي المتغول في أوصال الدولة الأوكرانية، فإن الحدود التي تمتلكها ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية قد تكون سببًا قويًّا لتمركز العناصر الإرهابية داخلها؛ حيث يحدها من الشرق الاتحاد الروسي –أحد اللاعبين الرئيسيين في الحرب الدائرة على داعش في سوريا- وهنا تكمن الخطورة، فالصراع بين روسيا وداعش يأتي متوازيًا مع صراع جلي آخر بين روسيا وأوكرانيا -التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي، ثم حصلت على الاستقلال بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991- حيث قامت روسيا بعمليات عدّة عسكرية داخل أراضي السيادة الأوكرانية، وذلك بعد الاضطرابات التي أعقبت عزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في 2014، وسيطرت على مناطق حيوية في شبه جزيرة القرم، ثم ضمّتها إلى السيادة الروسية بعد تصويت سكانها على الانضمام إلى روسيا، والانفصال عن أوكرانيا؛ ما شجع دوائر أخرى داخل أوكرانيا على المطالبة بالانفصال، واستغلت روسيا الأمر، وتدخلت عسكريًّا لحماية الحركات الانفصالية الراغبة في الانضمام إلى روسيا.
وساعد الدور الروسي في أوكرانيا على ولادة جماعات إرهابية تستغل الصراع التاريخي؛ لتحقيق مصالحها، وذلك مثل جماعة «جوهر دودايف»، التي تستمد اسمها من الرئيس الشيشاني، الذي تم اغتياله في 26 أبريل عام 1996، ويُشار إلى روسيا بأصابع الاتهام في حادث مقتله، وهي جماعة ضالة تستقي أفكارها من داعش، وتحارب على أرض أوكرانيا؛ بغية الانفصال.
وفي ظل العداءات التي تمتلكها روسيا في محيطها الجغرافي مع أوكرانيا ودول إقليم القوقاز، تساءلت الصحف البريطانية عن المخاطر الأمنية المحدقة بكأس العالم القادمة؛ حيث قالت صحيفة «the sun» البريطانية: سيلعب منتخبنا حيث يرتع الإرهاب.
تركيا مورد العناصر الإرهابية من وإلى أوكرانيا
وعن أسباب اختيار مسلحي داعش اللجوء لأوكرانيا، قالت صحيفة «International Hromadske» نقلًا عن «أبومنصور»، أحد قادة جماعة نوجاي التركية –وهي جماعة عرقية تركية تعيش في روسيا الجنوبية، خاصة في منطقة شمال القوقاز وتعرف بـ«Nogais»- إن قوانين أوكرانيا لا تلزمها بتسليم الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، كما أن سهولة حصول العناصر على وثائق مزورة أهم سببين في جعل أوكرانيا البوابة الرئيسية لعبور العناصر الداعشية، كما أضاف أن تركيا هي مسؤول رئيسي في توريد هذه العناصر لأوكرانيا، عن طريق احتجازهم لديها؛ لتدبير عملية إرسالهم.
وعن استغلال تركيا للوضع السياسي المضطرب في أوكرانيا، يقول نائب قنصل أوكرانيا لحقوق الإنسان في تركيا، أولكسندر كوشما: إن الوزارات التركية لا تفصح عن إحصاءات حول عدد المواطنين الأجانب المحتجزين في مراكز الهجرة، كما يضيف أن الدولة سبق وأرسلت الطلبات مرارًا وتكرارًا للسلطات التركية، ولكننا عادةً لا نحصل على أي إجابات؛ حيث إن تركيا لا تسمح بإصدار أي معلومات من شأنها مساعدة أوكرانيا في الحد من تدفق الإرهابيين إليها.
وذلك يشير إلى أن تركيا التي تغض الطرف عن العناصر الإرهابية المتدفقة إلي سوريا، تُسهم الآن في نقلهم من أماكن الصراع التي اشتد بها ملاحقة العناصر الداعشية إلى أوكرانيا؛ ما يُفسر عدم وجود عناصر لداعش في الأماكن التي يُعلن تحريرها في سوريا.
قطر تستغل العوز الاقتصادي لأوكرانيا لخدمة «داعش»
ونتيجة الأزمات السياسية في الدولة اضطرب النظام الاقتصادي، وهنا يأتي دور قطر التي تستغل معاناة الدول لتحقيق أغراضها، وتكتمل صورة الصراع الذي يُنسج للدولة الأوكرانية التي تتجاذبها الأهوال من كل طرف.
وفي أغسطس 2017 وقّعت قطر عقودًا تسمح لها بتسيير طائراتها في الموانئ الجوية الأوكرانية، كما أنها وعدت بمزيد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية، وتسهيل الانتقال بين مواطني الدولتين.
وكالعادة استغلت قطر العلاقات الودية التي أنشأتها مع الدولة الأوكرانية، بما يخدم مصالحها في زعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط؛ حيث قامت بإبرام صفقة معها لشراء أنظمة دفاع جوي وأسلحة أوكرانية ومضادات طائرات، كشف الهاكرز الأوكرانيون فيما بعد أن هذه الصفقة الهدف منها هو دعم حروب داعش في الشرق الأوسط، وتمكينه في الدولة السورية.