اليمين المتطرف في إيطاليا.. تيار طامع في عرش الإرهاب بذكريات «سنوات الرصاص»
الثلاثاء 16/يوليو/2019 - 09:08 م
شيماء حفظي
أعلنت الشرطة الإيطالية ضبط، صاروخ «جو - جو» وأسلحة أخرى متطورة بحوزة إرهابيين من اليمين المتطرف خلال عمليات مداهمة استهدفت جماعات في شمالي البلاد.
الشرطة الإيطالية
وقالت الشرطة في بيان، أمس، الإثنين 15 يوليو 2019: إنه خلال العملية ضُبط الصاروخ في حالة تشغيل جيدة ويستخدمه الجيش القطري، واعتقلت الشرطة ثلاثة أشخاص، منهم اثنان على مقربة من مطار فورلي، كما صودرت مواد دعائية، خاصة بجماعة النازيين الجدد في مداهمات استهدفت مدنًا مختلفة.
وقالت وسائل إعلام إيطالية: إن المداهمات جاءت في إطار تحقيقات في مساعدة اليمين المتطرف الإيطالي لقوات انفصالية تدعمها روسيا في شرقي أوكرانيا.
وضُبطت في الحملة، إلى جانب الصاروخ وهو من طراز «ماترا»، مجموعة من الأسلحة المتطورة، بما في ذلك أحدث بنادق هجومية آلية وقاذفات صواريخ.
وحددت وسائل الإعلام الإيطالية هوية المتهمين المعتقلين، وهم فابيو ديل بيرغيولو، 50 عامًا وهو مسؤول سابق في الجمارك الإيطالية، وأليساندرو مونتي، 42 عامًا الناشط في حزب فورزا نوفا اليميني، وفابيو بيرناردي، 51 عامًا وهو إيطالي.
وقال جوسيبي دي ماتييس، مفوض شرطة تورينو خلال مؤتمر صحفي: «لدينا بعض الأفكار بشأن ما يمكن أن تستخدم فيه المعدات المضبوطة لكننا لن نتكهن بها».
وعلى صعيد تصل، أكد أوجينيو سبينا، مسؤول مكافحة الإرهاب: «إنه لا يوجد في الوقت الحالي ما يدفعنا إلى الشك» في تدبير مؤامرة نشطة لاستخدام الأسلحة.
اليمين المتطرف في إيطاليا
وتعود جماعات اليمين المتطرف لأخذ مكانها في إيطاليا، في وقت يسعى فيه التيار إلى إحراز تقدم سياسي في البلاد، في وقت تشهد فيه حركة اليمين المتطرف تناميًا في القارة العجوز، مستفيدةً من «تحجيم» الحكومة الإيطالية لأنشطة جماعات التطرف مثل داعش.
وكانت إيطاليا اتخذت إجراءات متعددة لمواجهة الأعمال الإرهابية، منها التحقيق في مصادر الإرهاب، بما في ذلك تطرف الأفراد المحتملين، ويتم ذلك من خلال نهج استقصائي كنشاط ضروري في منع التطرف.
«على وشك أن يفعل»
تثير شكوك القوات الأمنية بشأن الإرهاب سواءً من جانب متطرفي داعش أو اليمين المتطرف من خلال ذات قرون الاستشعار، في حين وصل أكبر تهديد لإيطاليا من داعش أقصر مدى في في مارس 2018، بحسب تصريحات لوزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي.
وقال مينيتي، للصحف حينها: «إن التهديد الأمني لإيطاليا من جانب مؤيدي داعش كان أعلى من أي وقت مضى»، مشيرًا إلى العدد المتزايد من المقاتلين الأجانب الذين يحاولون إعادة دخول أوروبا عبر إيطاليا.
لكن على الرغم من ذلك ازداد أيضًا سلوك العنف والإرهاب من اليمين المتطرف، ليذكر في 2019، بتلك الأعمال التي كانت في الستينات والسبعينات، والتي اشتهرت باسم سنوات الرصاص.
وخلال تلك السنوات عانت إيطاليا من عنف اليمين واليسار المتطرفين، حتى ظهر على السطح إرهاب الجماعات الإسلاموية، وبدأوا في التسعينات استخدام إيطاليا كنقطة عبور في طريقهم إلى مناطق النزاعات في البلقان وشمال إفريقيا.
وفي السنوات الأخيرة، حين أصبحت إيطاليا أكثر عرضة لأعمال التطرف الإسلامي التي يشنها كل من الإسلاميين المحليين وعناصر الإرهاب الدولي، كما ظهر التطرف اليميني المتطرف في إيطاليا وسط تدفق اللاجئين والاقتصاد المتعثر.
ايطاليا
تشريعات إيطالية
ولمحاولة ضبط الأمن، طبقت الحكومة الإيطالية تشريعات مخصصة لمنع أعمال الإرهاب، وترحيل الإرهابيين المشتبه بهم، ومعاقبة العناصر الإرهابية، في فبراير 2015، أصدرت الحكومة تشريعًا جديدًا - يُعرف باسم المرسوم بقانون 7 - وفقًا لالتزامها بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2178.
ويجعل هذا المرسوم من غير القانوني المشاركة في نزاع في إقليم أجنبي لدعم منظمة إرهابية، إضافةً إلى ذلك، تمول الحكومة الإيطالية برامج مكافحة التطرف في السجون وفي جميع أنحاء البلاد.
وفي أواخر عام 2015 ، أعلن وزير الداخلية الإيطالي، أن الحكومة ستعمل على «إغلاق المواقع السرية وغير الخاضعة للتنظيم، ليس لإعاقة {الإسلام} كدين، ولكن حتى تتم ممارستها بطريقة أكثر تنظيمًا»، بعد أسبوع واحد من قول ألفانو: «إن مساجد المرآب هي حيث يولد الإلهام للأصولية».
وإجمالًا، لا يوجد سوى ثمانية مساجد رسمية مسجلة في إيطاليا؛ ما يجبر الغالبية العظمى من المسلمين الإيطاليين على العبادة في مساجد مؤقتة أو غير مسجلة أو مراكز إسلامية.
يذكر أنه بحلول عام 2011، حددت السلطات الإيطالية أكثر من 100 مسجد غير مسجل وصفتها السلطات بأنها تنشر «أفكارًا متطرفة».
ووفقًا للسلطات، فإن 11 من هذه المساجد كانت ضالعة بشكل مباشر أو غير مباشر في نشاط إرهابي، ففي عام 2007 على سبيل المثال، اكتشفت السلطات أن الإمام في مسجد بونتي فيلسينو في بيروجيا قد درس للأطفال والمراهقين أشكالًا مختلفة من القتال، بما في ذلك كيفية استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة، بحسب الإندبندنت.
وفي إطار مواجهة نشر التطرف، أعلنت وزارة الداخلية الايطالية في يناير 2017، أنها ستقدم دروسًا للأئمة الإيطاليين حول الدستور الإيطالي وأهمية حرية الدين والتعبير.
وتشير المتابعات إلى أن الجهاديين، امتنعوا مع أوائل القرن الحادي والعشرين عن استهداف إيطاليا مباشرة؛ من أجل تجنب حملة من السلطات، تغير ذلك بعد مشاركة إيطاليا في التدخلات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان (2001) والعراق (2003).
منذ بدء الحرب الأهلية السورية وصعود داعش، عملت السلطات الإيطالية على مكافحة التهديد المتزايد من الخلايا المرتبطة بتنظيم داعش وتنظيم القاعدة داخل إيطاليا ودوليًّا، ومع ذلك، لم تشهد إيطاليا هجومًا ذا صلة بالجهاديين يشبه حجمهما هجمات القاعدة في مدريد عام 2003 أو تفجيرات لندن 2007، ولا هجمات باريس التي قام بها داعش في نوفمبر 2015، أو تفجيرات بروكسل في مارس 2016، بحسب تقرير بمركز مكافحة الإرهاب التابع لمؤسسة جيمستاون.
وعلى الرغم من تراجع حجم العمليات، تبقى إيطاليا هدفًا واضحًا في تهديدات داعش التي يصدرها بين حين وآخر.
في 31 يناير 2018، أصدر الإنتربول قائمة تضم 50 من أعضاء داعش التونسيين الذين يُعتقد أنهم دخلوا إيطاليا بالقوارب بين يوليو وأكتوبر 2017، وبعد هذا بنحو عام، وما بين 15 و 29 مارس 2018، نفذت الشرطة الإيطالية أربع عمليات لمكافحة الإرهاب، أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن ثمانية رجال متهمين بدعم أو التخطيط لهجمات إرهابية مستوحاة من داعش في البلاد.
يُعتقد أن غالبية الأنشطة الإسلامية المتطرفة داخل إيطاليا تتركز في الشمال، ولا سيما منطقة لومباردي التي تضم 26.5% من المسلمين الإيطاليين، وفقًا للمركز العسكري للدراسات الاستراتيجية الإيطالية، فإن مدينة ميلانو - الواقعة في منطقة لومباردي - هي «مركز الإسلام المتطرف في إيطاليا»؛ بسبب ارتفاع معدل الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب.
وبين عامي 2001 و 2011، وقعت أكثر من نصف الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب في إيطاليا في ميلانو، مع استمرار عمليات المكافحة من شرطة متمرسة في مكافحة الجريمة المنظمة والحركات المتطرفة اليمينية واليسارية المتطرفة.
ملاحقة الداعشيين، لا يشتترط تورطهم في أعمال إرهابية؛ حيث تحتجز السلطات متعاطفين مع داعش وذئاب منفردة محتملة.
وعلى الصعيد الدولي، تمتثل إيطاليا لجميع لوائح الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب وهي من الدول الموقعة على اتفاقية مجلس أوروبا لمنع الإرهاب، كما تتعاون إيطاليا أيضًا مع ألبانيا وباكستان والمملكة العربية السعودية في الأمور المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتلعب دورًا رئيسيًّا في التحالف العالمي لمكافحة داعش.
إضافةً إلى ذلك، خلال السنة المالية 2017-2018، ساهمت إيطاليا بـ1099 فردًا و 255 مليون دولار لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
اليمين المتطرف القادم من الخلف
منذ نهاية الستينيات، سعى الإرهابيون اليمينيون المتطرفون في إيطاليا إلى تنفيذ تفجيرات واسعة النطاق، استهدفت محطات القطارات والمباني الحكومية والبنوك والتجمعات المناهضة للفاشية.
في الواقع، في السنوات الأخيرة، ازداد الشعور السياسي اليميني المتطرف في إيطاليا؛ بسبب ضعف الاقتصاد ووصول اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تستغل الأحزاب السياسية مثل فورزا نوفا «القوة الجديدة» - التي تشترك في الإيديولوجية القومية المتطرفة والمحافظة والفاشية الجديدة - هذه القضايا؛ من أجل جذب المؤيدين.
ارتكب أعضاء فورزا نوفا أعمال عنف رفيعة المستوى - رغم أن فورزا نوفا نفسها تدعي أنها غير عنيفة - للحزب مكاتب وأتباع في كل منطقة تقريبًا في إيطاليا.
يتجلى حجر الزاوية في أيديولوجية فورزا نوفا المحافظة بشكل أفضل في شعارها، «الإيطاليون أولاً!»، يشجع فورزا نوفا نمو السكان من أصل إيطالي ويسعى إلى حظر الإجهاض وإعادة الكنيسة الكاثوليكية باعتبارها الكنيسة الرسمية للجمهورية الإيطالية، كما يعارض أيضًا زواج المثليين وتبنيهم من قبل الأزواج المثليين.
فورزا نوفا تضغط على ترحيل المهاجرين الجدد من إيطاليا، ومنع المزيد من الهجرة إلى البلاد، وتقوم المجموعة بإلقاء الخطب ووضع اللوحات الإعلانية حول المدن الإيطالية، محذرة السكان من مخاطر الهجرة.
ويسعى اليمين المتطرف إلى الوصول لرأس السلطة في الدول الأوروبية؛ لمواجهة ما يسمونه أسلمة أوروبا، ويلي ذلك السيطرة على البرلمان الأوروبي، وهي الانتخابات التي أجريت في مايو الماضي، وحشد لها زعماء اليمين المتطرف وعقدوا اجتماعًا في إيطاليا لرص الصفوف.
هذا الاجتماع، ضم قادة عشرة أحزاب يمينية أوروبية في إيطاليا بدعوة من رئيس حزب «الرابطة» الإيطالي اليميني المتشدد ماتيو سالفيني؛ بهدف الحشد للانتخابات الأوروبية التي تجرى في 27 بلدًا عضوًا في الاتحاد.
جمع ماتيو سالفيني رئيس حزب "الرابطة" الإيطالي «يمين متشدد» في ميلانو ممثلي عشرة أحزاب قومية ليطلق أمام آلاف الأنصار حملة هذا التيار؛ سعيًا للفوز في الانتخابات الأوروبية.
وقبل أسبوع من الاقتراع الأوروبي تبدو المهمة دقيقة بالنسبة لسالفيني وحليفته الرئيسية مارين لوبان رئيسة حزب «التجمع الوطني» (يمين متشدد) في فرنسا، اللذين يريدان إنجاح تحالف لاثني عشر حزبًا قوميًّا يركز على الهوية الوطنية، مع تباين مواقفها من عدة نقاط مثل الانضباط في مستوى الميزانية وتوزيع المهاجرين الموجودين في دول التكتل.
وهدف اليمين الأوروبي المتطرف هو جعل كتلة «أوروبا الأمم والحريات» التي تضم أصلا «الرابطة» و«التجمع الوطني» و«حزب الحرية» النمساوي وحزب «مصلحة الفلامنك» الهولندي، ثالث كتلة في البرلمان الأوروبي، وهي مرتبة ينافس عليها أيضا «تحالف الديمقراطيين والليبراليين لأجل أوروبا»، الذي يمكن أن يضم النواب الفرنسيين من تيار الرئيس إيمانويل ماكرون.
وخلال الفترة الأخيرة، كثف سالفيني الذي يشغل منصبي نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية في إيطاليا، من تجمعاته الانتخابية، داعيًا بلا هوادة ناخبيه إلى التجند للاقتراع، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ويسعى سالفيني، ليصبح حزبه هو «الحزب الأول في أوروبا لاستعادة مفاتيح بيتنا، الانتخابات الأوروبية هي استفتاء بين الحياة والموت وبين الماضي والمستقبل وبين أوروبا حرة ودولة إسلامية تقوم على الخوف»، واصفًا بشكل مسبق الممتنعين عن التصويت بـ«المتواطئين مع ميركل وماكرون وسوروس».
وفي نفس السياق، قالت لوبان: «إن أوروبا لا تكون قوية إلا بأمم قوية»، وهي تدعو مثل سالفيني إلى إقامة «أوروبا الأمم والتعاون» بدلًا من اتحاد أوروبي فيدرالي.





