يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«المرجع» يُحاور هشام العلي: «داعش» و«القاعدة» أشعلا الصراع المذهبي في الشام

الثلاثاء 15/مايو/2018 - 12:31 م
هشام العلي
هشام العلي
عبدالرحمن صقر
طباعة
في باطن كل صراع مذهبي يخمد لهيب الطائفية إلى أن يشعله معدومو الضمير والإنسانية، وفي جوف كل مجتمع متعدد المذاهب تنام نيران الفتنة تحت الرماد في انتظار ملعون يوقظها ويؤججها؛ ليحرق بها المجتمعات المتعايشة في سلام، رغم اختلاف المذاهب، وتنوع الطوائف، وتعدد الثقافات، بل والعقائد حتى.

وفي بلاد الشام -تحديدًا سوريا والعراق، اللذين كانا مسرحًا رهيبًا لدموية وإرهاب تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وشاهدَيْن على حقارة وخسة عناصر التنظيمين، واستباحتهما القتل والحرق والذبح والنسف، دون وازع ديني، فضلًا عن رادع إنساني- تتعدد الطوائف، وتتباين المذاهب، إلا أن السُّنَّة والشيعة هما المذهبان السائدان اللذان تتفرع عنهما فروع أخرى من شجرة كبيرة، مفترض أن تكون وارفة الفكر والفلسفة الدينية، لتظلل بأوراق التدبر والتفكير أرضًا تعيش فيها شعوب متعددة المذاهب ومختلفة المشارب، ولكنّ سوس التعصب نخر في جذور تلك الشجرة العتيقة، إلى أن استفحل الخطر، وكبر السوس، وتحول بين عشية وضحاها إلى وحوش لا علاقة لها بالإنسانية، وحوش استغلت تلك الاختلافات الفكرية لتشعل الصراع المذهبي، وتنفخ في نار الكراهية، وتحمل السلاح في وجه كل من يخالفها الرأي والرؤية، وتنحر رقاب من يصدر حكمٌ مجانيٌّ بتكفيره، وإهدار دمه.

«العلي» يتحدث لـ«المرجع» 
ولتحليل، أو تفكيك المشهد السياسي في سوريا والعراق؛ من أجل استبيان حقيقة ظهور تلك التنظيمات الإرهابية، وتوغلها بهذا الشكل في العمق الشامي، حاور «المرجع» الباحث العراقي في شؤون الحركات الإسلامية هشام العلي، الذي أكد أن تأجيج الفتنة وإشعال نار المذهبية على يد عناصر القاعدة وداعش، مهّد له الصراع القديم بين السُّنَّة والشيعة في بلاد الشام عمومًا، وفي سوريا والعراق على وجه الخصوص.

وتابع العلي: حين تنهار قيم المواطنة والتعايش السلمي، تنهار معها الدفاعات الاجتماعية لدى تلك المجتمعات، ومن ثم تختل منظومة الدفاعات الأمنية، وبانهيار الأخيرة تظهر الأفكار الهدامة والمتشددة، ويصمت الحوار لينطق السلاح، ويفرض رأي حامله بالقوة، وهو ما واكب ظهور القاعدة وداعش؛ ما يجعل القضاء على عناصرهما شبه مستحيل.

وأضاف «العلي» في حواره لـ«المرجع»: أن مشكلة الجماعات المسلحة الإسلامية المنتشرة في سوريا والعراق، وليدة التصادم بين الفقهين السلفي والشيعي، الذي جر دول الخليج وإيران إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

وتناول «العلي» موضوع القضاء على تلك التنظيمات الإرهابية المتاجرة بالدين، وهو منها براء، خصوصًا في العراق، قائلًا: أعتقد أن مجرد الحديث عن ذلك هو دليل على عدم استيعاب المشكلة الرئيسية، التي تتمثل في كون الفقه السلفي المتشدد يرفض وجود حكومة لا تؤمن بفقه المذاهب الأربعة في رئاسة العراق؛ حيث إن المحرك الأساسي لنشاطات وتحركات الأوساط السلفية المتطرفة، يستند إلى وجود حكومة ذات أغلبية شيعية تحكم بغداد، وهو ما لا يمكن القبول به في الفقه السلفي؛ لذلك كان الناشطون السلفيون في العراق يحرمون الانضمام إلى القوات الأمنية.

متشددون في بلاد الرافدين
وأشار «العلي» إلى تبرير السلفية أي أزمة سياسية تواجه البلد لطرح أفكارهم وعملياتهم المسلحة، كبديل عن المشاركة في العملية السياسية أمام الرأي العام، وهو السبب نفسه الذي يدعوهم إلى معارضة النظام في سوريا أيضًا، أما بعض المسميات مثل (تنظيم داعش ومن قبلها القاعدة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية)، فقد أصبحت تنشط داخل العراق وسوريا تحت مسميات مختلفة، تتشارك في الأيديولوجيا والأسلوب، لكنها تختلف باختلاف قياداتها، ونوع وجهة التمويل الخارجي فقط، ثم إن عناصر تلك الجماعات المسلحة، هم ببساطة عبارة عن عناصر متشددة من مرتادي المساجد المتطرفة فكريًّا في العراق؛ حيث من الممكن جدًّا أن يظهروا فجأة وبالآلاف حال حدوث خلل في الدفاعات الأمنية، كما حدث أثناء انتكاسة منتصف عام 2014م؛ حيث سقطت محافظات عدة بأيديهم.

وأوضح «العلي» أن داعش والقاعدة استطاع عناصرهما أن يذوبوا بين السكان، لمجرد عودة القوات الأمنية لاستعادة تلك المناطق، وهم على استعداد أن يظهروا من جديد، ومع وجوه جديدة، وبمسميات جديدة، تزامنًا مع أي أزمة سياسية تؤدي إلى خلل أمني جديد في البلاد، فهم يلعبون جيدًا على إشعال الرأي العام للمناطق السُّنِّية ضد المناطق ذات الأغلبية الشيعية، كما أن الانفلات الأمني في سوريا يشجع تلك الحركات على النشاط داخل العراق؛ كون المناطق السُّنِّية العراقية تشترك مع الحدود السورية بحدود يزيد طولها على 600 كم، تمتد في العمق السوري.

وأكد «العلي» أن أساس المشكلة في ظهور داعش والقاعدة بالعراق وسوريا، أن هذا الصراع لم يكن طارئًا أو جديدًا على البلدين؛ إذ تعرضت مدن العراق الجنوبية المحاذية للحدود السعودية إلى هجمات عدة دموية من قبل المتطرفين، تخللتها مذابح، واستهدفت مدينتي كربلاء والناصرية، إبان عشرينيات القرن العشرين، وتوقفت على أثر تفاهمات بين المملكتين العراقية والسعودية، وبرعاية بريطانية آنذاك، لكن الصراع السُّنّي الشيعي تأجّج مرة أخرى، تزامنًا مع سقوط نظام الشاه في إيران، ووصول الخميني إلى السلطة؛ ليتحول إلى صراع طويل الأمد، أصبح يتطور بتسارع خطير، فيؤدي إلى نشوء مثل تلك الحركات، التي لم تجد لها متنفسًا أثناء حكم الرئيس السابق صدام حسين؛ كونه أمر بحظر الفقه السلفي المتشدد في العراق؛ حيث وصلت عقوبة التطرف في عهده إلى الإعدام؛ وذلك بسبب أحداث غزو الكويت وما تلاها. 

وأوضح «العلي» أن مشكلة تنامي تلك الحركات أدت إلى ردود أفعال معاكسة من قبل الشيعة؛ ما يؤدي إلى ظهور جماعات مسلحة شيعية أيضًا، ومن ثم تصبح ظاهرة تتنامى كرد فعل معاكس للظاهرة الأخرى. 

نظريات العمق الاستراتيجي 
وأشار «العلي» إلى أسباب عدة أخرى لنشوء تلك الحركات أيضًا، منها اقتصادية واجتماعية وقومية، قد نوهنا إليها في بحثنا (العراق ونظريات العمق الاستراتيجي)، الذي نشر على شكل حلقات على صفحة المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات عام 2014. 

واقترح «العلي» حلولًا عدة ممكنة للقضاء على اجتياح الفكر المتشدد للعراق وسوريا، الذي بات يهدد الأردن ومصر ودول شمال أفريقيا، من تلك الحلول الوصول إلى صياغات واحدة لتفاهمات عربية عربية، إضافة إلى تنسيق عربي دولي؛ للحد من ظاهرة انتشار الفكر المسلح المتطرف، كما يحتاج إلى تنسيق بين المؤسسات السياسية والإعلامية والدينية، العربية والإسلامية؛ لإيجاد خطاب سياسي مقبول، يُسهم في نقل رسائل المجتمعات والثقافات، ولا يؤدي إلى ردود أفعال معاكسة، أو أفكار متطرفة، كما أن الجانب الاقتصادي والتنموي مهم جدًّا لحماية المجتمعات من التطرف.

واعتبر «العلي» أن الصراعات المتفاقمة بين الحركات الناشئة الإسلامية المتطرفة، مسألة طبيعية جدًّا؛ ولسبب بسيط هو عدم استنباط شرعية تلك الحركات وقياداتها من أسس دستورية أو شعبية، بقدر ما هي مستنبطة من مصادر فقهية، أو قوانين وأنظمة طارئة، تحدد هوية كل فصيلة من تلك الفصائل؛ ولذلك فمن الطبيعي جدًّا أن تبرز خلافات وتنافسات، تصل حد الاقتتال؛ بسبب الخلاف على النفوذ أو الزعامة؛ ولذلك أعتقد أن الحركات الإرهابية المتمسحة بالدين سوف تستمر في الانقسام إلى فئات أصغر وأصغر، كل منها يعتقد أنه يُمثل التعاليم الحقيقية للإسلام.

إخوان العراق
وأوضح «العلي» أن الإخوان في العراق جماعة براجماتية تجيد اللعبة السياسية، كان وجودهم بالأساس في محافظتي صلاح الدين وديالي وكركوك ذات التنوع الديموغرافي، تزامنًا مع سقوط النظام الملكي، وتعرض العراق إلى موجة عنيفة من الأفكار الراديكالية المتشددة والقومية والاشتراكية، نهاية عقد خمسينيات القرن العشرين، ووجدوا انتعاشًا كبيرًا لطرح أفكارهم في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين بداية القرن الحالي؛ ذلك النظام الذي كان يرفض وجود أي حركة أو حزب داخل البلاد، ويعاقب على ذلك بقسوة. 

واستطرد «العلي» موضحًا، أن ما زاد من مكانة الإخوان في العراق، هو مشاركتهم في العملية السياسية، رغم رفضهم المصادقة على الدستور العراقي الحالي، وهو تناقض واضح منهم؛ حيث ترأس البرلمان العراقي سليم الجبوري، القيادي بالحزب الإسلامي، الذي يعتبر الواجهة السياسية للإخوان في العراق، الذي حصل على مقاعد عدة في مجلس النواب العراقي، خلال دوراته المتعاقبة، فضلًا عن الدعم الذي تقدمه لهم تركيا وإيران، من دول الجوار العراقي.

وأشار «العلي» إلى وجود صراع سلفي إخواني بالعراق، المجتمع السُّنِّي يميل للانضمام إلى الفكر الإخواني بديلًا عن الفكر السلفي، هذا في ما يخص مدينتي الموصل وصلاح الدين وبعض مناطق كركوك وديالي، على العكس من مناطق الأنبار المحاذية للسعودية؛ حيث إنها لا تقبل بأي بديل للفكر السلفي الديني والسياسي.

مصر والعراق
أما عن العلاقات العراقية المصرية، فأوضح «العلي» أن مصر تُعد عمقًا استراتيجيًّا للعراق؛ وذلك لأسباب تتعلق بالمشتركات في العناصر الجيوثقافية للمجتمعين؛ المصري والعراقي، التي تؤهلهما ليكونا مصدرًا للتوازن في المنطقة العربية والشرق أوسطية بصورة عامة، وذلك مذكور من خلال بحث (العراق ونظريات العمق الاستراتيجي). 

وتابع الباحث العراقي مستطردًا: «ما شجعني أيضًا على الدعوة إلى ضرورة إيجاد علاقات عراقية مصرية نموذجية، هو المواقف المصرية المتوازنة من القضايا العربية والإقليمية، التي تدل على أن مصر تستنبط مواقفها وقراراتها، بل وحتى ثوراتها ونشاطاتها الشعبية؛ استنادًا إلى إرثها الثقافي والاجتماعي والحضاري، وليس على الأزمات الطارئة، أو ربما الضائقة الاقتصادية، التي حاول بعض الأطراف استغلالها لتغيير بوصلة مصر نحو أطراف الأزمات الحالية، لكن دون جدوى، كذلك لم تفلح على مر التاريخ الاستقطابات الدينية، وإثارة النعرات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وفشلت كل محاولات شق الصف المصري، وتمزيق نسيجه الوطني فشلًا ذريعًا».

وانحاز الباحث العراقي إلى اختيارات المجتمع المصري وقياداته المتعاقبة، ووصفها بأنها كانت دائمًا قمة في الوعي والثقافة، وفي المجالات كافة، كما أن أكثر الأفكار والتوجهات الإسلامية والقومية والاشتراكية التي اجتاحت البلدان العربية، كانت تتخذ أشكالًا متوازنةً وعقلانيةً في المجتمع المصري، على خلاف المجتمعات العربية الأخرى، إضافة إلى الثورات التي اجتاحت البلدان العربية في فترة ما يسمى الربيع العربي، والتي غيرت هوية البلاد التي اندلعت فيها، ما عدا المجتمع المصري. 

وأخيرًا اعتقد «العلي» أن التقارير الدولية، ومنها تقارير صندوق النقد الدولي، تشير إلى نمو في الاقتصاد المصري، وتراجع للديون وانحسار في نسبة العجز، كما أن هناك مؤشراتٍ على نجاح مصر في جذب الاستثمارات، وإجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية المهمة، كما أن الاكتشافات الأخيرة والدعوة لاستثمار الغاز الطبيعي لمصر، من الممكن أن يحدثا نقلة كبيرة للاقتصاد المصري، تؤدي إلى تحول مصر لقوة عظمى في المنطقة، على المدى البعيد.

يُشار إلى أن «العلي» من مواليد 1970 بمدينة كركوك العراقية، عضو المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات ببون الألمانية، وكان يعمل ضابطًا بالكلية العسكرية العراقية، وعضو مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية ببغداد، ومؤسس منظمة (ثقافة للجميع) التطوعية لنشر الثقافة النفسية والأسرية وتعليم اللغة الإنجليزية ببغداد.
"