صلاحية تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب

منذ
ما يقرب من عشرين عامًا تمَكّن النظام الجزائري في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من
تطبيق ما يُعرف بقانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية، مع تنظيمات إرهابية حملت
السلاح في وجه الدولة، وقررت فيما بعد تسليمه، متراجعةً عن عنف أوقع الجزائر في
بحر من الدماء خلال عشر سنوات كاملة.
وإذا كانت استراتيجية مكافحة الإرهاب التي
طبقتها الجزائر في ذلك الوقت لوقف العنف، قد بنيت على مرحلتين؛ الأولى تَمَثَّلَت
في المواجهة الصلبة للإرهاب، والثانية في إدماج ومصالحة التنظيمات الإرهابية، التي
قَبِلَت بأهم شروط الدولة الجزائرية، وهو تسليم السلاح قبل تطبيق إجراءات العفو،
مع عزل هؤلاء عن العمل السياسي- فهل يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية في الوقت الراهن لمواجهة
إرهاب ينشط في دول عربية وإسلامية، وفقًا لنموذج عالمي، وهل يمكن إعادة إدماج عناصر
هذه الجماعات التي تختلف تمامًا عن الحركات المحليّة المسلحة التي واجهت الجزائر،
من حيث النشأة ومنابع التجنيد ومنصات التمويل؟
إنَّ
الشرط الأساسي الذي بُنيت عليه الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب في ذلك
الوقت، المتمثل في تسليم السلاح والعودة من الجبال قبل التفاوض مع مؤسسات الدولة-
قد يظل حاجزًا ومانعًا لتطبيق تلك الاستراتيجية في أيٍّ من دول المنطقة التي تواجه
الإرهاب منذ خمسِ سنوات تقريبًا. المؤكد أن التنظيمات الإرهابية الحالية لن تلقيَ
سلاحها أرضًا، كما أنَّ الدول التي تمولها وتمدها بالسلاح ستقف حائطَ صَدٍّ أمام
قبول هذه التنظيمات، خاصةً المحليّة منها بهذا الشرط، الذي يمثل العمود الفقري
للمرحلة الثانية من الاستراتيجية الجزائرية.
قبل
إجابة الدراسة عن سؤالها المركزي، وهو: ما حدود تطبيق الاستراتيجية الجزائرية
لمكافحة الإرهاب، التي تَبَنَّاها النظام الجزائري في التعامل مع الظاهرة
الإرهابية المنتعشة في بعض الدول؟ نشير إلى أن مَنْ يردد تطبيق هذه الاستراتيجية
الجزائرية في مكافحة الإرهاب، أو تطبيق تجارب ورؤى مستنسخة منها، ولم تجرب بعد، مثل
نظرية الحل السياسي للإرهاب، هي بعض وسائل الإعلام الغربية، التي بدأت تطالب مؤخرًا
-وفقًا لوجهة نظر مغلوطة- بتطبيق التجربة الجزائرية، معتبرةً أن مواجهة الإرهاب في
مصر وليبيا وفي بعض الدول العربية والإسلامية يتطلب تدخلًا سياسيًّا.[1]
ويكفي
هنا للتأكيد عن زيف هذه الرؤية وقيامها على أسانيد مغلوطة، أنه لا توجد تجربة
واحدة في أيٍّ من دول العالم قدمت حلولًا سياسيةً للجماعات الإرهابية منذ ظهور
تنظيم القاعدة حتى تنظيم داعش. كما أن الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب،
التي يستنسخ منها هؤلاء وِجهة نظرهم، لم تستخدم، هي أيضًا الحل السياسي، إلا بعد
مواجهة التنظيمات الإرهابية بالسلاح من قِبل قوات الأمن والجيش، إضافةً إلى أن
تطبيق قانون الوئام المدني والمصالحة تم على جماعات ألقت السلاح، وقررت الاندماج
في الدولة، أي أن التجربة الجزائرية في مواجهة الإرهاب جمعت بين المقاربتين الصلبة
والناعمة، وبالتدريج وليس جرعة واحدة.[2]
ورغم
إسهام الاستراتيجية الجزائرية في إنهاء العنف الدموي، الذي ارتكبته تلك الجماعات،
وإعادة إدماج ما يقرب من 15 ألف جهادي، فإنه لا يمكن تعميمها في كل الدول التي
يمارس فيها الإرهاب الراهن، ولا يمكن تفعيل جميع مرتكزاتها في بعض الدول؛ حيث إن اختلاف
الظروف والسياقات التي تولّد فيها الإرهاب منذ يونيو 2013، إضافةً إلى تشابك عناصر
الظاهرة الإرهابية الراهنة، وتجاوزها حدود الدولة، وتفاعل الجماعات المحليّة مع تنظيمات
عابرة للقارات، مثل التنسيق بين جماعة الإخوان في مصر وتنظيم داعش- يؤدي إلى إبطال
صلاحية هذه الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب في دول كثيرة، ويُفشل الرؤى المستنسخة
منها أيضًا، فلكل بلد خصائصه وتحدياته.
مما
سبق يمكن القول إن مواجهة التنظيمات الإرهابية الناشطة في بعض دول المنطقة العربية
والإسلامية، يتطلب تطبيق الشق الصلب فقط من الاستراتيجية الجزائرية، مع تأجيل الشق
الثاني منها، المتمثل في الإدماج الاجتماعي والسياسي لفترة غير محددة؛ بسبب رفض
التنظيمات الحاليّة التوقف عن ارتكاب العنف، الذي تستخدم فيه أنواع الأسلحة كافةً.
إضافةً إلى عدم توافر عامل رئيسي كان من عوامل نجاح التجربة الجزائرية، وهو دور الوسيط
لجماعات الإسلام السياسي في تسكين العنف ومساندة الدولة ضد جماعات العنف؛ حيث إن
بعض جماعات الإسلام السياسي في الجزائر، مثل حركتي مجتمع السلم «حمس» والنهضة،
لعبت دور الشريك مع الدولة في مواجهة تلك الحركات المسلحة، وقامت بدور الوسيط في
إعادة إدماج المسلحين وحثهم على إلقاء السلاح،[3]
وهذا الشرط لا يتحقق في الوقت الراهن؛ بسبب تحول الكثير من جماعات الإسلام السياسي
إلى تنظيمات إرهابية، وقيامها بتوجيه عناصرها إلى حمل السلاح في مواجهة مؤسسات
الدولة، على سبيل المثال جماعة الإخوان في مصر، وجماعات الإسلام السياسي في ليبيا.
وتتمثل إشكالية هذه الدراسة في محاولة توضيح مدى صلاحية تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة إرهاب التسعينيات على التنظيمات الإرهابية في الوقت الراهن، والركائز الأساسية التي بُنيت عليها المصالحة الجزائرية، التي مثلت قوة الدفع والباعث الرئيسي وراء قبول التنظيمات الإرهابية المحلية في الجزائر شروط الدولة، وأهم ملامح التغيير التي شهدتها التنظيمات الإرهابية في الدول التي يُطالب بعض كتاب الغرب بتطبيق استراتيجية الجزائر فيها، أو تطبيق رؤى مستنسخة منها، وفرص نجاح ذلك
وفي هذا الإطار تسعى الدراسة للإجابة عن التساؤلات الثلاثة الرئيسية التالية:
-
ما ملامح التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب في التسعينيات، وما العوامل
التي ساعدت على إنجاحها؟
- ما معوقات تعميم الاستراتيجية الجزائرية في الدول التي
ينشط فيها الإرهاب، وهل يمكن استنساخ نموذج جديد منها يمكن تعميمه؟
- ما حدود تطبيق النموذج الجزائري في واقع البيئات
العربية والإسلامية، وأي من الدول يمكن أن تتماشى ظروفها الداخلية مع تطبيق
مرتكزات تلك الاستراتيجية؟
وتنقسم الورقة
إلى ثلاثة محاور؛ يتناول المحور الأول الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب
في تسعينيات القرن الماضي، ويرصد الثاني أهم معوقات تعميم تطبيق تلك الاستراتيجية،
ويتطرق المحور الثالث إلى قياس تطبيق النموذج الجزائري على بعض البيئات التي تواجه
الإرهاب منذ 2013.
المحور الأول- الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب:
يتطلب
توضيح مضمون الاستراتيجية الجزائرية التي استخدمها الرئيس بوتفليقة في تهدئة العنف
المسلح، ودمج الحركات الإسلامية داخل النظام، بعد إنهاكها عسكريًّا من قِبل قوات
الجيش والأمن الجزائري- التطرق إلى الآليات المستخدمة لاسترجاع الأمن، ومضمون
الاستراتيجية، كذلك مراحل تطبيقها.
1- بيئة الاستراتيجية ومضمونها:
وصلت
الأزمة بين نظام الرئيس الجزائري الأسبق (اليمين) زروال الذي تولى السلطة في
نوفمبر 1995، والحركات الإسلامية- إلى أشدها، بل اقترنت مظاهر العنف السياسي بتأزُّم
الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ ما أدخل الجزائر -خلال تلك الفترة- في صراع دائم بين
النظام السياسي من جهة والحركات الإسلامية من جهة أخرى. وتصاعدت حدة العنف وأعمال
المجازر الجماعية إلى درجة أنها أصبحت فعلًا متكررَةً يوميًّا يحدث في مختلف
بلديات الوطن الجزائري.
كما ساعد في تأجيج تلك الأزمة فشل لجنة «الوفاق
الوطني» التي بدأت عملها في يونيو 1994 كآلية لاسترجاع السّلم المدني؛ بسبب اكتشاف
رسالة من علي بلحاج -أحد مؤسسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر- إلى
أمير الجماعة الإسلامية المسلحة «الشريف قوسمي»، الذي قُتل في أحد الاشتباكات مع
قوات الأمن في 26 سبتمبر 1994، يدعوه فيها بلحاج إلى مواصلة العنف المسلح، ويقول
فيها، إنه سيلتحق بالجماعة الإسلامية المسلحة بمجرد خروجه من السجن.[4]
بعد
فشل مسعى الحوار الوطني، واستقالة اليمين زروال، ورفض الجماعات المسلحة المصالحة، وازدياد
الوضع الجزائري تدهورًا، حتى أصبحت الجزائر تعيش على وقع المجازر، واستطاعت الجزائر
في عام 1999 أن تخطو أولى خطواتها، لوقف الدم والخراب، باعتماد وتطبيق قانون الوئام
الوطني. وبعد أعوام ستة، وفي عام 2005/2006 وصلت الجزائر إلى العتبة الثانية والأخيرة،
باعتماد وبدء تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية؛ لتنهي به ومعه فصول العنف الجنوني
التي مرت بها.[5]
وقد
نصّ قانون الوئام المدني، الذي مَثَّل الشِّقَّ الأوَّل من الجانب المرن في الاستراتيجية
الجزائرية، على أن يتمتع أعضاء الجماعة المسلحة الذين سلَّموا أنفسهم للسلطات خلال
ستة أشهر، بدءًا من 13 مايو 1999، ولم يرتكب أي منهم أو يشارك في أي جريمة أدت إلى
قتل شخص، أو سَبَّبَت له عجزًا دائمًا أو اغتصابًا، أو لم يستعمل متفجرات في أماكن
عمومية أو يتردد عليها الجمهور- بالإعفاء من المتابعة القضائية. أما من ارتكبوا
مثل تلك الجرائم أو شاركوا في ارتكابها فتخفف الأحكام الصادرة عليهم، وتخفف هذه
العقوبات بصورة أكبر لمن يستسلمون خلال ثلاثة أشهر، كما استبعد هذا القانون عقوبة
الإعدام أو السجن مدى الحياة لأعضاء الجماعات المسلحة، الذين سَلَّموا أنفسهم خلال
مهلة الأشهر الستة، بِغَضِّ النظر عن الجرائم التي ارتكبوها.[6]
ومن
المواد المُهمة التي تَضَمَّنَها القانون المادة «41»، التي تنص على أنَّ أحكام
القانون لا تطبق إلا عند الاقتضاء، على المنتمين إلى المنظمات التي قررت بصفة
تلقائية وإرادية محضة إنهاء أعمال العنف، ووضعت نفسها تحت تصرف الدولة كليًّا. وقد
مَثَّلَت هذه المادة الأساس للعفو الذي أصدره الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن أعضاء
الجماعات المسلحة في يناير 2000، أي قبل ثلاثة أشهر من انقضاء أجل قانون الوئام
المدني.[7]
أما
الشِّق الثاني من الجزء المرن من الاستراتيجية فَتَمَثَّل في المصالحة الوطنية
وميثاق السلم، وهي الآلية الأهم في استراتيجية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة
المستخدمة في تراجع الجماعات المسلحة عن العنف والإرهاب وإدماجها في المجتمع،
خاصةً أنها جاءت بعد الإفراج عن قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بعد أن استوفوا
مدة العقوبة. وتقوم استراتيجية المصالحة وميثاق السِّلم على الأخذ بالحل السياسي
والسلمي، ومعالجة العديد من الملفات التي لم يتبنَّها قانون الوئام المدني أو
العفو الرئاسي الذي تلاه.[8]
وتتمثل أهم هذه الملفات التي عالجتها آلية المصالحة الوطنية وميثاق السلم في ملف
حاملي السلاح، وملف المفقودين الذين شهدت الجزائر خلال تلك الفترة موجةً عارمةً من
الاحتجاجات بين عائلاتهم، إضافةً إلى تناولها ملف عائلات الإرهابيين من المحبوسين
والمقتولين، وملف المتورطين في دعم الإرهاب. وبعد فوز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة
في انتخابات 2004 الرئاسية، أدخل مطلب المصالحة الوطنية الشاملة ضمن برنامج حكومته
الجديدة، وطرح فكرة المصالحة الشاملة.[9]
2- مراحل الاستراتيجية ونتائج تطبيقها:
اتبع
الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استراتيجية اعتمدت على أسلوب المرحلية والتدرج في تطبيق
الجانب المرن من الاستراتيجية الجزائرية، الذي يمثل الجانب الثاني بعد المواجهة
الصلبة التي قامت بها قوات الجيش والأمن معًا ضد الحركات المسلحة. فقد انطلق من
قانون الوئام المدني، والعفو الرئاسي الخاص، منتهيًا بميثاق السلم والمصالحة
الوطنية الشاملة. واستطاع بوتفليقة من خلال هذه الآلية أن يجمع كل القوى والتيارات
الوطنية المحافظة والإسلامية، التي كانت ترفض فكرة الحوار ووقف العنف، فاستطاع أن
يجسد فكرة المصالحة بإصدار قانون الوئام المدني، إطارًا شرعيًّا لمعالجة العنف
السياسي، وصولًا إلى عفوه الشامل عن بعض أفراد الجماعات المسلحة التي قبلت الهدنة
بإرادتها.[10]
وقد
منح قانون الوئام المدني، الذي مثل تطبيقه الاستراتيجية الأولى لنبذ العنف وتحقيق
المصالحة- عفوًا مشروطًا للإسلاميين المتطرفين المستعدين لتسليم أنفسهم للقضاء،
والعزوف عن معاودة أعمال العنف قبل 13 يناير 2000. وقبل ثلاثة أيام من انتهاء مدة
قانون الوئام المدني، أعلن «بوتفليقة» عن قراره إصدار عفو شامل، معتبرًا أن هذا
المرسوم سيوسع نطاق العفو، ليشمل مجموعة محددة من الإسلاميين المسلحين، الذين
وافقوا على تسليم السلاح، وتفكيك العصابات المنتمين إليها، وقد استفاد كثيرون من
هذا المرسوم، بمن فيهم أعضاء الجيش الإسلامي للإنقاذ والرابطة الإسلامية للدعوة والقتال
من عفو شامل، دون تحقيق.[11]
وبالتالي
يمكن القول إن صدور قانون الوئام المدني في هذا التوقيت، وتطبيق بنوده بسرعة- كان
بمنزلة البداية في مسار مصالحات بوتفليقة، باعتبار أنه لعب دورًا كبيرًا في تحقيق
الإدماج المدني في المجتمع، لما يقرب من 5500 من أعضاء الجماعات المسلحة (الجيش
الإسلامي للإنقاذ، والرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد) المتورطين في أعمال عنف
وتخريب وإرهاب، الذين توقفوا بمحض إرادتهم عن أعمال العنف في الفترة من بداية مايو
1999 حتى يناير 2000.[12]
ومع
أن قانون الوئام المدني لم يقض تمامًا على خطر المسلحين، واستطاع أن يحقق نوعًا من
النجاح النسبي فقط لسياسة الحوار والوئام بين النظام السياسي والجماعات الإسلامية
المسلحة، التي استفادت من إجراءات العفو- فإن الرئيس بوتفليقة ظل يُرَدّد خلال
فترتي حكمه الأولى والثانية أن هذا القانون كان له الفضل في استرجاع الدولة ستة
آلاف قطعة سلاح، واستئناف الأمن ولو جزئيًّا؛ وذلك بالاتفاق مع ما عرف بـ«الجيش
الإسلامي للإنقاذ»، ونزول كثير في عدد أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة، وظل يذكر
أيضًا بأن الوئام المدني مكَّن من محو المساعي الشيطانية التي كانت تستهدف تشتيت
شمل الدولة الجزائرية، كما مكَّن من حقن دماء الجزائريين، واستعادة أمنهم الشامل.
ومما
سبق يمكن القول إن المصالحة الوطنية انتهت إلى عدم اتفاق جميع الحركات الإسلامية
في شكل تفاعلها وعلاقتها بنظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة؛ فحتى الجماعات المسلحة
المتمثلة في الجماعة الإسلامية المسلحة، والحركة الإسلامية المسلحة، والجيش
الإسلامي للإنقاذ، الجناح المسلح للجبهة- انقسمت في موقفها من النظام؛ فمنها من
أخذ موقفًا إصلاحيًّا، وهؤلاء عرفوا بـ«التيار الإصلاحي»، ومنهم من أخذ موقفًا
استئصاليًّا، أي متوقفًا عن العنف ولكنه غير راضٍ أو معترف بمضمون استراتيجية
المصالحة، وهؤلاء عُرفوا بـ«التيار الاستئصالي». وهنا يُلاحَظ أن حدود تفاعل هذين
التيارين سياسيًّا انعدمت مع النظام، واقتصر تفاعل التيار التصالحي بقيادة مدني
مزراق، قائد الجناح المسلح في الجبهة الإسلامية للإنقاذ على موقف رضائي من
المصالحة، لكنه ظل بعيدًا. أما الجماعات الإسلامية التي تفاعلت مع النظام
سياسيًّا، بل أصبحت شريكًا في الحكومات التي سبقت ثورات الربيع العربي، فهي جماعات
الإسلام السياسي التي لم تُحَل أحزابها.[13]
ثانيًا- معوقات تعميم تطبيق التجربة الجزائرية في الوقت الراهن:
التجربة
الجزائرية هي الوحيدة من نوعها في عالمنا العربي والإسلامي، التي تمت فيها ونجحت «مصالحة»
بين مَن حملوا السلاح وقتلوا وفجروا وأرهبوا، والدولة؛ ولهذا نتطرق في هذا المحور
إلى الأسباب التي أدت إلى نجاحها، بما يدفع بنا إلى بحث إمكان تكرارها في الظروف الراهنة
ببلدان أو مناطق أخرى من عالمنا العربي والإسلامي، وهو ما يعني توضيح معوقات تعميمها.
1- العوامل التي ساعدت على نجاح الاستراتيجية الجزائرية في التسعينيات:
يرجع
نجاح عملية القضاء على العنف في الجزائر، الذي تعود ولادته للحركات الإسلامية
المسلحة بعد إلغاء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 1991، والذين اعتبروا
أن قوة السلاح هي وحدها التي تستطيع أن تحقق قيام الدولة الإسلامية- إلى عدة
عوامل، منها ما هو ظاهر، باعتباره كان معلنًا من قِبل الدولة الجزائرية ومؤسساتها،
ومنها ما يمكن استشفافه من واقع تلك التجربة. وبالتالي فإن تسكين الإرهاب وتقليص
منابعه في الاستراتيجية الجزائرية اعتمد على مسارين متكاملين؛ الأول هو المسار
الصلب، المتمثل في مواجهة تلك التنظيمات من قبل قوات الأمن والجيش، وهو ما أدى إلى
محاصرتها بالتدريج، وخروج أغلبها من المدن إلى الجبال.[14]
أما الثاني فكان مسارًا مرنًا تَضَمَّن عملية الإدماج المشروط، التي بدأت بعد إرباك
تلك التنظيمات وتخفيف مستوى عنفها؛ حيث تسبب المسار الصلب في فشل جميع محاولات
توحيد الحركات الإسلامية المسلحة خلال تلك الفترة؛ وظل التعاون فقط بينها في الحد
الأدنى. بعبارة أخرى يمكن القول إن النظام اعتمد في مواجهته الإسلاميين المتشددين
على دعامتين أساسيتين؛ تمثلت الأولى في قمع حاسم في الداخل بعد مرحلة من التسامح
النسبي، فيما ركزت الثانية على تكثيف النشاط التفاوضي الشكلي أو المراوغ؛ بهدف
إغلاق منافذ الساحة الدولية أمام الإسلاميين.
توضيحًا
لما سبق، يمكن القول إن هناك عدة عوامل ساعدت على نجاح الاستراتيجية الجزائرية في
مكافحة الإرهاب بشِقيها الصلب والمرن، يمكن تحديدها في الآتي:
1. محلية الظاهرة الإرهابية في الجزائر
في فترة التسعينيات؛ حيث اتسمت الجماعات المسلحة التي طبقت عليها الاستراتيجية
الجزائرية بالنشأة المحلية، وكان من أبرز التنظيمات المسلحة التي انهارت قبل وصول
الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، الحركة الإسلامية المسلحة التي كان يقودها عبدالقادر شيبوطى،
وتفككت هذه الحركة بعد وفاته في أواخر عام 1993، والحركة من أجل دولة إسلامية التي
كان يقودها سعيد مخلوفي، وهو مؤسس جبهة الإنقاذ الذي انفصل عن الحزب عام 1991،
واختفت الحركة بعد وفاته عام 1997. أما الحركات المسلحة التي ظلت فاعلة في فترات
متتابعة للرئيس بوتفليقة، والتي ظل بعضها في مواجهة مع النظام ولم تمارس العمل
السياسي، فهي الجماعة الإسلامية المسلحة التي أسسها منصور مليانى ومحمد علال عام
1992، لكنها تطورت بعد أن تم قمع هذين القائدين، وظلت هذه الحركة نشطة حتى عام
2004، وحركة جيش الإنقاذ الإسلامي، التي أسَّسها في عام 1994 عناصر من الحركة
الإسلامية المسلحة، وارتبطت بجبهة الإنقاذ الإسلامية، وقادها المقاتلان مدني مزراق
وأحمد بن عائشة، حتى تم حلها عام 2000.[15]
2. الوسيط السياسي المتمثل في جماعات
الإسلام السياسي الجزائرية في تلك المرحلة، وقدرتها على توصيل وجهة النظر الحكومية
للجماعات المسلحة. على الجانب الآخر رفضت الحركات الإسلامية المعتدلة العنفَ
وتحالفت مع السلطة؛ حيث دعمت حركتي حمس والنهضة بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية،
على مدى ثلاثة انتخابات متتالية.
3. غياب دور المنابر الإعلامية للإرهاب،
وهو ما ساعد على محاضرة الظاهرة، وعدم تمددها في الداخل، واشتباكها مع تنظيمات
إرهابية عابرة للدولة، مثل ما حدث بعد 2013 في المنطقة العربية.
4. رغبة الأطراف في المصالحة، سواء كانت
الجماعات المسلحة بعد محاصرتها، أو النظام السياسي، واعتراف الحركات المسلحة بمؤسسات
الدولة وشرعيتها والقبول بشروطها لإتمام المصالحة. من ثَمَّ يمكن القول: إن
التنظيمات التي مارست العصيان المسلح منذ 1992، تصالح بعضها مع النظام دون مشاركته
سياسيًّا، وبعضها الآخر استمر في «شرعنة» العنف المسلح ضد النظام. وهناك حركات خرج
قادتها من السجون وبعضها اختفى بعد وفاتهم.
5.
الموقف
الداخلي والخارجي من المصالحة، فقد كان الشعب الجزائري يتشبث بأي مبادرة تحمل آمال
إنهاء الأزمة؛ بسبب المأساة التي عاشها خلال ما عُرفَ بالفتنة الكبرى؛ فقد التقت
مواقف الأحزاب السياسية حول مسعى قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية على نقطة
محورية، فحواها أن المصالحة مطلب شعبي، وأن الجهات التي تعترض عليها قلة قليلة،
وهي لا تمثل شيئًا أمام قوة صلاحيات الرئيس الدستورية. أما الموقف الدولي من
المصالحة فاقتصر فقط على منظمات حقوقية، كان همها التخوف من أن تحرم المصالحة
عائلات ضحايا الإرهاب من حقوقهم، وتخوفت أيضًا من إغفال العديد من الشرائح
الاجتماعية التي كانت ضحية المأساة الوطنية.[16]
2- معوقات تعميم تطبيق التجربة في الوقت الراهن:
قد
يكون من المستحيل تصدير النموذج الجزائري في جميع البلدان العربية والإسلامية،
التي يرتكب فيها العنف من قبل التنظيمات الإرهابية المحلية منها أو العابرة
للأقاليم؛ وذلك نظرًا لخصوصية كل بلد وعاداته وتقاليده. وتتمثل أهم معوقات تعميم
تطبيق التجربة الجزائرية، فيما يلي:
أ.
عالمية
الإرهاب الذي تشهده دول المنطقة في الوقت الراهن، من حيث التمدد والانتشار،
والتمويل، وهذا لم تشهده الجزائر في فترة تطبيق استراتيجيتها. وتأخذ الظاهرة
العالمية للإرهاب أشكالًا عديدة، ومن أخطرها التمويل متعدد المصادر، وتعاون أجهزة استخباراتية
عالمية؛ حيث تزود العناصر الإرهابية بالمعلومات، لتسهيل مهامها.
ب. تنفيذ الاعتداءات وفق النموذج العالمي،
فالإرهاب الذي يستهدف بعض البلدان العربية والإسلامية حاليًّا يختلف عن الإرهاب الذي
واجهته الجزائر في التسعينيات؛ حيث اعتمد الإرهابيون الذين نفذوا عمليات إرهابية
بعد عام 2014 على مخططات وفق النموذج العالمي، القائم على المباغتة والهجمات
السريعة، وإقامة الكمائن، إضافةً إلى زرع الألغام بالمناطق الجبلية والريفية لقتل
رجال الأمن والجيش.[17]
ت. رفض التنظيمات الإرهابية الحالية
التوقف عن حمل السلاح، وبالتالي ينتقص تنفيذ شرط إلقاء السلاح، الذي التزمت به
التنظيمات المسلحة في الجزائر. وهذا يعني استحالة تفكير حكومات الدول التي تتعرض
للإرهاب في تطبيق الشق الثاني من الاستراتيجية الجزائرية؛ نظرًا لإصرار التنظيمات
الإرهابية الحالية كافةً، المحلية منها والعالمية، على حمل السلاح في وجه قوات
الجيش والشرطة والمدنيين.
ث. فقدان دور الوسيط السياسي، وتحول
جماعات الإسلام السياسي في الوقت الراهن من وسيط إلى شريك في ارتكاب العنف.[18]
وهذا قد يكون عاملًا مهمًّا في قبول طرح التصالح مع جماعات الإسلام السياسي، التي
ارتكبت العنف أو غيرها بعد 2013.
ج. الرفض الشعبي لفكرة المصالحة؛ حيث
أغلب شعوب الدول العربية والإسلامية ترفض فكرة التصالح مع الإرهاب من منطلق قانوني
ودستورى، إضافةً إلى أن معظم شعوب الدول التي تتعرض للإرهاب تتفق مع حكوماتها على
المواجهة الصلبة له.
ح. تزايد ظاهرة الإعلام الموجّه والمنحاز
للإرهاب والتطرف وإثارة الفوضى والقلاقل في الوقت الراهن، وهو يعد مسارًا معاكسًا
لخصائص البيئة التي طبقت فيها الاستراتيجية الجزائرية، التي كان من أهمها غلق
المجال الجزائري خلال الأزمة. ففي الوقت الحالي تعد قناة الجزيرة وقنوات الإخوان
التي تبث من تركيا؛ منصات خطرة تساعد على تمدد الظاهرة الإرهابية وليس حصارها.[19]
خ. سوء توظيف مسائل حقوق الإنسان
والحريات من قِبل المنظمات الدولية والإعلام الغربي، وعدم فصل ما يتعلق بحقوق
الإنسان ورد فعل الحكومات على الجرائم الإرهابية. وكذلك خطأ الرؤية الغربية حول
الحل السياسي للإرهاب كمسار بديل عن المواجة الصلبة لوقف العنف، وبالتالي هذه
الرؤية الغربية تُسهم في تسهيل حركة الإرهابيين وانتشارهم، وتمددها بما يجعلها
حائلًا أمام إمكان تطبيق الاستراتيجية الجزائرية، التي أساس نجاحها غياب الدعم
الدولي والإقليمي لظاهرة الجماعات الإرهابية الجزائرية في تلك الفترة، واقتصار
مواجهتها وحصارها على الداخل الجزائري.[20]
ثالثًا- حدود فرص التطبيق (البيئات الأقرب لتنفيذ الاستراتيجية):
عدم
الفهم الدقيق للقضايا الداخلية التي تشهدها الدول، التي ترتكب فيها جرائم إرهابية
تنفذ بالتعاون بين جماعات الإسلام السياسي التي سلكت طريق العنف، وجماعات جهادية
مسلحة عابرة لحدود الدولة- يجعل كثيرًا من الكتاب الغربيين يروجون للمصالحة
السياسية مع الإرهابيين، بمعنى تطبيق الشق الثاني من الاستراتيجة الجزائرية في
مكافحة الإرهاب.
الواقع
يشير إلى استحالة تطبيق الشق الثاني من الاستراتيجية المتمثل في الوئام والمصالحة
في دولتي مصر وليبيا، وإن كان يمكن تطبيق النموذج الجزائري في حالة دولة مالي.
1-
بيئات متعارضة (مصر وليبيا):
تشير
التطورات الخطيرة التي مرت بها جماعة الإخوان في مصر، وتشابكهم مع تنظيمات إرهابية
عالمية مثل داعش والقاعدة؛ إلى فشل تطبيق النموذج الجزائري في مصر؛ وذلك لأن ما
شهدته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي يختلف تمامًا عن ما شهدته مصر بعد ثورة 30
يونيو 2013، وهو ما يعني اختلاف طرق معالجة الإرهاب في الدولتين؛ حيث إنه بمقارنة
الظروف الجزائرية التي سبقت قانون الوئام والمصالحة الوطنية، بما يحدث في مصر على
مدى خمس سنوات من عنف دموي ارتكبته جماعات الإخوان يعني فقدان الاستراتيجية
الجزائرية لصلاحية تطبيقها في مصر.[21]
كما أن علاقة جماعة الإخوان بتنظيم داعش ودعمها للجرائم التي ارتكبها تنظيم أنصار
بيت المقدس في سيناء، وتحالفها معه موضوعيًّا ورسميًّا، إضافة إلى إصرار الجماعة
والتنظيمات الإرهابية المساندة لها على عدم إلقاء السلاح، والاستمرار في العنف
بأشكاله كافة، يفقد الشرط الرئيسي الذي بُني عليه الشق الثاني من الاستراتيجية
الجزائرية في مكافحة إرهاب التسعينيات.
كما
أن الأكثر أهميةً وغيابًا عن مَن ينادون بتعميم التجربة الجزائرية، وتطبيقها
بشقيها في مصر، هو أن رفض جماعة الإخوان للتوقف عن العنف، واستمرار أذرعها المسلحة
مثل حركة حسم ولواء الثورة في حمل السلاح في وجه الدولة المصرية، إضافةً إلى عدم
اعتراف الجماعة بمؤسسات الدولة- يشير إلى أن عنف جماعة الإخوان والتنظيمات
المتعاونة معها المحلية والدولية يتطلب المواجهة الصلبة من قبل قوات الجيش والشرطة.
إضافةً إلى أن المحيط الجيوستراتيجي لمصر، يجعل مقاومة الإرهاب في الوقت الراهن
تقتصر على المعالجة الأمنية فقط؛ حيث إن موقع مصر الجغرافي يجعلها مستهدفةً طوال
الوقت، إضافة إلى تداعيات المشهد الليبي عليها.[22]
أما
فيما يتعلق بمدى نجاح النموذج الجزائري في ليبيا، فيمكن القول إن الجزائر وليبيا
بلدان مختلفان سياسيًّا واجتماعيًّا. وأن عدم وجود جيش رسمي قوى في ليبيا في عهد
القذافي، واعتماد النظام الليبي في ذلك الوقت على كتائب مسلحة يشرف عليها أولاده
كبديل عن الجيش، إضافة إلى اعتماده على اللجان الثورية والحرس الثوري كبديل عن
جهاز الشرطة الرسمي- أفقد ليبيا العامل الرئيسي، الذي ساعد على نجاح الاستراتيجية
الجزائرية في مكافحة الإرهاب، وهو غياب مؤسسات أمن رسمية ليبية تستطيع تنفيذ
الاستراتيجية الجزائرية بشقيها الصلب والمرن. فالجزائر في تسعينيات القرن الماضي كانت
دولة لها جيش تغيب عنه الانتماءات القبلية والعائلية، أما ليبيا الآن فلا يوجد بها
جيش على الإطلاق رغم الادعاءات الإعلامية، فالمجتمع في ليبيا مفكك وكل طرف لا يرغب
في أن يسيطر عليه الطرف الآخر. كما أن مساندة جماعات مسلحة للجيش الليبي في معركته
مع الإرهاب يطيل من عمر المواجهة الصلبة له، خاصة وأن تلك الميليشيات تؤدي هذا
الدور بهدف تحقيق مكاسب سياسية عبر شركاء خارجيين.[23]
مما
سبق يمكن القول إن عدم وجود جيش ليبي متفق عليه، إضافةً إلى تحقيق الميليشيات
المسلحة، التي منها الحركة السلفية لمكاسب سياسية من مقاتلتها للإرهابيين يمنعها
من تسليم السلاح، الذي يمثل مرحلةً سابقةً على التفاوض ثم المصالحة ثم الاستقرار، كما
فعلت الحركات المسلحة في الجزائر، فما يجرى الآن في ليبيا من حرب أهلية وحروب
بالوكالة بين دول، يفقد جميع العوامل المساعدة على تطبيق الاستراتيجية الجزائرية
لمكافحة الإرهاب في هذه البقعة.
2-
نجاح الاستراتيجية في بعض النماذج الأفريقية (نموذج مالي):
لا
وجود حتى الآن لأي نموذج أو برنامج مثالي يمكن تعميمه لمكافحة التنظيمات الإرهابية،
وإن كانت التجربة الجزائرية تشكّل نقطة انطلاق مفيدة لتطوير مبادرات جديدة لمكافحة
التطرف في أماكن أخرى في العالم، خاصة بعد استنساخها وتطبيقها في دولة مالي، التي
تشابهت ظروفها في أوائل 2012، مع الظروف السياسية في الجزائر خلال فترة التسعينيات؛
حيث وقع الشمال المالي خلال تلك الفترة تحت سيطرة مجموعات مسلحة على صلة بتنظيم القاعدة.
إضافةً إلى أن محاربة تلك التنظيمات عسكريًّا في يناير 2013، من قِبل القوات الفرنسية،
وطرد القسم الأكبر منها إلى الجبال، يتشابه مع الجزء الصلب مع الاستراتيجية
الجزائرية في مكافحة الإرهاب في التسعينيات؛ لذلك يمكن أن نستخلص مما سبق أن
البيئة المالية هي الوحيدة التي يمكن فيها تطبيق استراتيجية مستنسخة من النموذج
الجزائري في مكافحة الإرهاب، وهذا ما أكده رئيس دولة مالي، إبراهيم بوبكر كيتا، نهاية
2017؛ حيث أعلن «بوبكر كيتا» عن مشروع للمصالحة والعفو منقول بالكامل عن التجربة
الجزائرية، وتضمن العفو والمصالحة عن «كل الذين تورطوا في تمرد مسلح شرط ألا تكون أيديهم
ملطخة بالدماء»، في إشارة للجماعات المسلحة شمالي مالي.
ما أكده سابقًا الرئيس المالي يشير إلى استنساخ رؤيته
من الاستراتيجية الجزائرية؛ حيث إن مضمون المصالحة الذي أُعلن في مالي عبر مشروع قانون
«توافق وطني»، ينص أيضًا على «تدابير استثنائية لوقف الملاحقة القضائية أو العفو عن
بعض فرقاء التمرد المسلح عام 2012»، إضافةً إلى برنامج إعادة إدماج لكل الذين سيسلمون
أسلحتهم، ويلتزمون علنًا بالتخلي عن العنف.[24]
وفي
الخاتمة يمكن القول إن الاستراتيجية الجزائرية
لا يمكن تعميمها في الوقت الراهن، ولا يمكن تفعيل جميع مرتكزاتها في بعض الدول؛
بسبب اختلاف الظروف والسياقات التي تولّد فيها الإرهاب منذ يونيو 2013 عن إرهاب
التسعينيات في الجزائر.
[1] . بيان الهيئة العامة للاستعلامات، «سيناء 2018 تغطية الإعلام الأجنبي بين أباطيل الإخوان وحقائق الواقع»، الموقع الرسمي للهيئة، في 22 فبراير 2018 على الرابط
http://sis.gov.eg/Story/159942?lang=ar
[2] .نبيل بويبية، الآليات
السياسية لاسترجاع الأمن في الجزائرخلال فترة حكم بوتفليقة، مجلة علوم إنسانية،
السنة السادسة، العدد 41، ربيع 2009.
[3] . الحسن بركة، «أبعاد
الأزمة الجزائرية.. المنطلقات والانعكاسات والنتائج»، ط1، شركة دار الأمة للطباعة
والترجمة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2007.
[4] . آدم قبي، «ظاهرة العنف
السياسي في الجزائر» 1988-1999، (رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه، قسم العلوم
السياسية، جامعة الجزائر،2003)ص ص 80.
[5] . المرجع السابق، ص 82.
[6] . محيي الدين
عميمور، «الجزائر.. دولة المصالحة ومصالحة الدولة، الحدث العربي والدولي»،
العدد 51، أبريل 2006، ص 25.
[7] . المرجع السابق، ص 26.
[8] خالد الشايب، «الرئيس
بوتفليقة وحصيلته»، الجزائر: دار الحكمة، 2004، ص ص 63-69.
[9] .نبيل بويبية، مرجع سابق، ص
20.
[10] . أبوالفضل الإسناوي، «التفاعل بين النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر في الفترة من
(1999-2013)»، رسالة ماجستير، (جامعة الدول العربية، معد البحوث والدراسات العربية،
قسم العلوم السياسية، 2014) ص 94.
[11] . المرجع السابق، ص 96.
[12] . عبدالقادر إمام، «الجزائر..
مسعى المصالحة الوطنية بين الإملاءات والاشتراطات المضادة»، الشرق الأوسط،
عدد 9533، يناير 2005.
[13] . دحو جربال، «استراتيجية
دمج الحركة الإسلامية وإحكام إغلاق نظام التمثيل السياسي..الحالة الجزائرية»،
أوراق المتابعة السياسية، مبادرة الإصلاح العربي، العدد 37، فبراير 2010، ص 6.
[14] . أبوالفضل الإسناوي، مرجع
سابق، ص 104.
[15] . د. فاتن يوسف المعاضيدي،
الحركة الإسلامية في الجزائر، مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، مؤسسة الانتشار
العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ص 112.
[16] . محمد بوضياف، مستقبل النظام
السياسي الجزائري، رسالة دكتوراة، (جامعة الجزائر: كلية الإعلام والعلوم
السياسية)، 2008، ص 178.
[17] . تقدير موقف، «واقع الإرهاب في تونس»، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، لندن، مارس 2018، على الرابط
http://www.csds-center.com/archives/8072
[18] . محمد بوضياف، مرجع سابق، ص
160.
[19] . مريم عدلي، «ممارسات
الإعلام العربي تدعم الإرهاب.. وتعمق ثقافة الغنف»، جريدة وطني المصرية، مايو
2014.
[20] . بيان الهيئة العامة
للاستعلامات، «سيناء 2018 تغطية الإعلام الأجنبي بين أباطيل الإخوان وحقائق
الواقع»، مرجع سابق.
[21] . ضياء رشوان، «مصر والجزائر:
المقارنة المغلوطة»، جريدة المصري اليوم، مايو 2015.
[22] . ضياء رشوان،«مهمة ضرورية في
دراسة الحركات الإسلامية»، جريدة المصري اليوم، يونيو 2016.
[23] . لقاء مع كامل عبدالله،
الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 8 مارس 2018.
[24] . أحمد عزيز، «مالي على خطى جارتها الجزائر في المصالحة»، الأناضول، في 26 يناير 2018، على الرابط
http://bit.ly/2FlV4Dk