هجمات «واشنطن» الإلكترونية على «طهران».. بين السلاح الافتراضي وتغير الاستراتيجيات
الخميس 27/يونيو/2019 - 01:53 م
واشنطن وطهران
مرﭬت زكريا
شنت الولايات المتحدة الأمريكية في 20 يونيو لعام 2019 مجموعة من الهجمات السيبرانية ضد بعض الأجهزة الخاصة بالبرنامج النووي و الصاروخي الإيراني، وجاء ذلك بعد رفض ترامب توجيه ضربة عسكرية ضد خمسة مواقع هامة داخل الجمهورية الإسلاموية، على خلفية إسقاط طهران لطائرة أمريكية، ادعت أنها تجاوزت الأجواء الإيرانية.
ومن هنا جاءت الهجمات الإلكترونية كخيار بديل للرد العسكري، ومناسب لأسلوب طهران في التعامل مع خصومها، في السياق ذاته، تحاول واشنطن طرح عدة خيارات بشأن التعامل مع طهران تم تطوير معظمها من قبل وزارة الدفاع (البنتاجون) و وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي صوبت هي وتل أبيب عدة هجمات سيبرانية على البرنامج النووي الإيراني في فترات سابقة.
بومبيو
الجهود الأمريكية لمحاصرة طهران
يقوم وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» بداية من 24 يونيو 2019 بجولة في الشرق الأوسط؛ لبحث محددات الأزمة مع إيران مع عدد من الدول، تمثل أهمها في المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة.
و بحسب تصريحات الوزير الأمريكي؛ تهدف هذه الجولة للتأكد من توحد مواقف أكبر دولتين في الخليج العربي إزاء سلوك بلاده مع طهران، فضلاً عن سعي واشنطن لتكوين تحالف دولي من أسيا و أوروبا و دول الخليج.
تأتي هذه الزيارة كرد فعل على قيام الملالي بإسقاط طائرة أمريكية، ادعت طهران أنها اخترقت مجالها الجوي، لا سيما و أن إسقاط الطائرة جاء بعد تعرض ثلاث ناقلات للنفط في الخليج لهجمات اتهمت واشنطن طهران بالضلوع في القيام بها.
في السياق ذاته، تقف أوروبا عاجزة عن اتخاذ أي قرار في مواجهة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»؛ بغرض تهدئة الموقف مع طهران، ولكن الرئيس الأمريكي مازال متمسكًا بوجهة نظره حول عدم جدوي الاتفاق.
جاءت هذه الهجمات الإلكترونية في سياق عدد كبير من الخيارات السرية التي عملت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية لمواجهة العدوان الإيراني في الخليج العربي.
وعليه، أخبر مسئولو البيت الأبيض المخابرات، أنه يجب التفكير في مجموعة من العمليات تتفق مع نوع التخريب الذي يقوم به فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ولكن مازالت هناك بعض الانقسامات فيما بين الديمقراطيين و المحافظين داخل الكونجرس الأمريكي، بشأن حجم التصعيد الذي يجب أن يتبع مع طهران، ومدى الحاجة إلى هذا التصعيد و إمكانية تحمل عواقبه في الوقت الحالي.
الهجمات السيبرانية
السلاح الافتراضي
بات هناك نوع جديد من القوة الذكية التي تستخدم في مواجهة الدول؛ حيث أصبحت الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المؤسسات جزءًا سائدًا من استراتيجيات عصر المعلومات، لقد بدأ عصر جديد من التكنولوجيا يشهد ثورة إلكترونية، وعليه، لقد أثرت هذه الظاهرة الافتراضية على المجتمعات باختلاف ثقافتها ودخلت ساحة الأمن والحرب؛ حيث نواجه الآن تهديدًا جديدًا، يتمثل في السلاح الافتراضي.
وتعد الهجمات السيبرانية ذات الدوافع السياسية ببساطة شكل من أشكال التجسس أو التخريب؛ حيث كان الرعب النووي يمثل القضية الرئيسية في علم السياسة في القرن الماضي، أما الحرب الإلكترونية باتت موضوعًا للحديث عن محفزات حالة الفوضى في نظرية العلاقات الدولية.
ومن ثم أثبتت هذه النظريات الجديدة فشل النظرية الواقعية في الاستمرار؛ لتكون بمثابة أحد أعمدة العلاقات الدولية الرئيسية.
وعليه، شنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل في عام 2008 أعنف الهجمات الإلكترونية تطورًا في التاريخ على البرنامج النووي الإيراني، كما قامت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» بعدة حملات إلكترونية كانت تهدف إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني، عن طريق توجيه عدد من الفيروسات الضارة التي بإمكانها مهاجمة برنامج تخصيب اليورانيوم.
كما كانت واشنطن أيضًا وراء الفيروس المعروف بـ Stuxnet الذي جعل بعض أجهزة الطرد المركزي الإيرانية - المستخدمة في تخصيب اليورانيوم- خارج نطاق السيطرة، فضلًا عن فيروس «فليمر»، على الرغم من أن هدفه الرئيسي كان التجسس على صناعة النفط في البلاد، ولكن يُعتقد أنه قام بتحميل كميات هائلة من المعلومات على مدار عامين عن البرنامج النووي الإيراني ولديه قدرات فنية فريدة.
ومن هنا، تتمثل خطورة هذه الهجمات الإلكترونية المصاحبة للفيروسات الضارة في أنه لم يظهر تأثيرها لمدة عام تقريبًا.
البرنامج النووي الإيراني
ردود الفعل
قامت طهران بزيادة التصعيد في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية حالة التوتر الشديد التي تسود العلاقات فيما بينهم؛ حيث استهدفت شركات الأمن السيبرانى الإيرانية عددًا كبيرًا من الوكالات الحكومية الأمريكية وقطاعات اقتصادية بما في ذلك النفط والغاز، فضلًا عن إرسال موجات هائلة من رسائل البريد الإلكتروني المزيفة.
وتظهر إحدى هذه الرسائل الإلكترونية المخادعة على أنها رسالة من المكتب التنفيذي للرئيس، ويبدو أنه يبحث عن أشخاص لشغل منصب «مستشار سياسي» على سبيل المثال، فيما تظهر رسالة بريد إلكتروني أخرى و كأنها تحتوي على تفاصيل حول تحديث بعض الجوانب في إيميل Microsoft Outlook”".
وكثيرًا ما كانت تستهدف طهران قطاعات بعينها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كثير من الصناعات الحيوية، لكن تراجعت هذه الأعمال بشكل كبير بعد عقد الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، و من الجدير بالذكر أن واشنطن قامت بتوجيه اتهامات لطهران في عام 2016؛ بسبب حملة من الهجمات الإلكترونية على عدد كبير من البنوك الأمريكية.
نتيجةً لما سبق، أقرت وكالات الأمن السيبرانى الأمريكية، أنه من الضروري توفير نظم الأمان الإلكتروني، سيما في الأوقات التي تزداد فيها التوترات لحماية عدد كبير من القطاعات الخدمية الأمريكية من العدوان الإلكتروني الإيراني.
وعليه، أشار عدد من المحللين إلى أن الحرب السيبرانية من شأنها إضعاف قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على نقل الحرب إلى خارجها في المستقبل.
كما قامت الجمهورية الإسلاموية بفعل الأمر نفسه ليس مع واشنطن فحسب، بل قام قراصنة إيرانيون في عام 2012 بشن هجوم إلكتروني على شركة النفط المملوكة للمملكة العربية السعودية «أرامكو»؛ حيث أطلقوا فيروسًا قام بمحو البيانات من على 30 ألف جهاز كمبيوتر، وترك صورة لعلم أمريكي محترق على الشاشات.
وفي هذا السياق، أكد المحلل السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية «أورين فالكويتز»، على أنه من المهم أن نتذكر أن الفضاء ليس مجرد سلاح هجومي يمكن أن تطير فيه وتهبط في يوم من الأيام، ولكن الأمر يحتاج إلى سنوات من التخطيط، لكن مع زيادة التوترات سيكون تأثير الإنترنت أحد الأدوات التي يستخدمونها وأحد أصعب الأشياء التي يجب الدفاع عنها.
ختامًا:
تشير الهجمات الإلكترونية الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني إلى تحول استراتيجي كبير في سلوك الولايات المتحدة الأمريكية تجاه خصومها؛ حيث يشير بعض المحللين إلى أنه نتيجة الدروس التي تعلمتها الولايات المتحدة الأمريكية من حروبها السابقة في العراق و أفغانستان و الفشل الكبير الذي منيت به.
من ناحية أخرى، باتت هناك أنواعًا جديدةً من الحروب مثل الهجمات السيبرانية التي تمكن أي دولة من إضرار خصومها دون الالتقاء بهم مباشرة في ساحة للمعركة، سيما و أن هذه الأنواع صارت أشد ضررًا من الحروب التقليدية.
الهوامش:
1. Julian E. Barnes and Thomas Gibbons-Neff, U.S. Carried Out Cyber-attacks on Iran, 22/6/2019, The New York Times, available at https://www.nytimes.com/2019/06/22/us/politics/us-iran-cyber-attacks.html.
2. ulian E. Barnes, Eric Schmitt and Thomas Gibbons-Neff, White House Is Pressing for Additional Options, Including Cyber-attacks to Deter Iran, 23/6/2019, The New York Times, available at https://www.nytimes.com/2019/06/23/us/politics/trump-iran-cyber-shadow-war.html
3. Alexander Lee, Cyber Warfare and Theories of IR: Cyber Anarchy, 4 July 2018, ULC, available at https://blogs.ucl.ac.uk/ippr/cyber-warfare-and-theories-of-ir-cyber-anarchy/.
4. Peter Beaumont and Nick Hopkins, US was 'key player in cyber-attacks on Iran's nuclear programme, The Guardian, 22/6/2012, available at https://www.theguardian.com/world/2012/jun/01/obama-sped-up-cyberattack-iran.
5. الانتقام السري بين إيران وأميركا.. ما هي "الحرب السيبرانية"؟ 23/6/2019، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/hUHba
6. Tami Abdollah, Iran Increases Cyber Attacks on U.S. Gov’t, Infrastructure: Cyber Security Firms, 24/6/2019, Insurance Journal, available at https://www.insurancejournal.com/news/national/2019/06/24/530257.htm





