بإمساك العصا من المنتصف.. هل تسترضي أستراليا اليمين المتطرف بأزمة الدواعش؟
يحاول رئيس الحكومة الأسترالية الموازنة بين ما تقتضيه حتمية «القومية» كالتزام من الدولة تجاه جميع فئات مواطنيها، وبين كسب تأييد اليمين المتطرف لها، وتظهر تلك المعادلة في أزمة إعادة الدواعش إلى أستراليا في وقت يزداد صعود اليمين.
ويلعب سكوت موريسون رئيس الحكومة، على
محاولة إمساك العصا من المنتصف، إذ أعلنت الحكومة موافقتها على إعادة أطفال داعش المحتجزين
لدى ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية، مع ضرورة الاهتمام بإعادة تأهيلهم في إشارة إلى
كسب تأييد المسلمين الذين يمثلون 2.5% من سكان البلاد، خاصة مع استهدافهم من قبل اليمين
المتطرف مؤخرًا.
لكن على الجانب الآخر، يأتي القرار محفوفًا
بمحاذير من استقبال الدواعش الكبار (مقاتلو النظام ونساؤهم) وشكوك اليمينيين من مساهمة
هذا في زيادة التطرف الإسلاموي، في البلاد كما يصفه اليمين المتطرف.
وأعلن رئيس الوزراء الأسترالي موريسون، أنه تم إخراج ثمانية أيتام من أبناء وأحفاد مقاتلين في «داعش» من مخيم
في سوريا، وأنهم باتوا في عهدة موظفين أستراليين.
وكان موريسون قد أعلن في وقت سابق أن حكومته
لن تقدم المساعدة سوى لرعاياها الذين يتصلون بإحدى سفاراتها أو قنصلياتها، لكن يبدو
أنه بدل موقفه في ما يتعلق بهذه المجموعة من القاصرين الذين لقي مصيرهم أصداء واسعة
في الإعلام في أستراليا.
وأفاد موريسون في البيان أن قيام الأهل
بتعريض أولادهم للخطر باصطحابهم إلى منطقة حرب أمر مشين، متابعًا: "لكن لا يجدر
معاقبة أطفال عن جرائم أهلهم".
وتضم المجموعة ثلاثة أولاد وحفيدين للجهادي
خالد شروف المولود في سيدني والذي قتل وفق المعلومات، وكان شروف المولود من لبنانيين
قد غادر إلى سوريا عام 2013 مع زوجته تارا نيتلتون وأولادهما الخمسة، ويعتقد أنه قتل
عام 2017 مع اثنين من أبنائه في ضربة جوية أمريكية، أما زوجته، فلقيت حتفها عام
2015، والقاصرون الثلاثة الآخرون أولاد ياسين ريزفيتش الذي توجه أيضًا من أستراليا إلى
سوريا مع زوجته.
وتؤوي مخيمات عديدة واقعة في مناطق سيطرة
الأكراد في سوريا، أبرزها مخيم الهول، 12 ألف أجنبي، هم 4000 امرأة و8000 طفل من عائلات
الجهاديين الأجانب، يقيمون في أقسام مهيئة لهم تخضع لمراقبة أمنية مشددة. ولا يشمل
هذا العدد العراقيين.
وباتخاذ قرار بإعادة الأطفال الثمانية
إلى الوطن، فإن أستراليا تتبع الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وبلجيكا، والتي أعادت
عددًا صغيرًا من الأطفال أيضًا، ومع ذلك، فإن بعض الحكومات الغربية الأخرى، بما في
ذلك المملكة المتحدة، كانت مترددة في استعادة المواطنين بسبب المخاوف الأمنية.
وقال موريسون إن حكومته ستنظر في حالات
أخرى مماثلة في سوريا، إذ تقدر السلطات أن ما يصل إلى 70 أستراليًّا ما زالوا في المخيمات،
لكنه على جانب آخر قال إنه لن يجازف بحياة أي أسترالي من أجل «إخراج الأشخاص من
مناطق النزاع هذه».
وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"
البريطانية، قال جريج بارتون خبير الأمن والسياسة الإسلامية في جامعة ديكين، إن المخاطر
التي تنطوي عليها عمليات الإعادة إلى الوطن هذه، يمكن إدارتها عندما يتم توجيه موارد
كافية نحو إعادة التأهيل وعدد العائدين منخفض نسبيًّا.
وأردف قائلًا «هؤلاء الأطفال من المقاتلين
الأجانب يتعاملون مع الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة والأضرار النفسية.. بعض الأطفال
الأكبر سنًا قد يكونون متطرفين ومن الضروري فصلهم عن الشبكات الاجتماعية وإعادة دمجهم
في المجتمع» .
بينما انضمت مؤسسات خيرية مثل منظمة إنقاذ
الطفولة إلى الأمم المتحدة في حث الحكومات على إعادة أطفال المقاتلين الأجانب إلى وطنهم،
كان التقدم بطيئًا بسبب المخاوف الأمنية.
وفي صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية،
قال بيل شورتين زعيم المعارضة الأسترالية، إنه ينبغي السماح للأطفال بالعودة إلى ديارهم
بدلًا من أن يصبحوا مصدر أضرار جانبية.
ويمكن القول إن هذه التخوفات الأمنية،
مشروعة، لكنها تأتي في وقت يتم التساؤل حول إذا ما كانت الحكومة تتوقف عن استرضاء أنصارها
اليمنيين قبل الانتخابات، خاصة أن رئيس الحكومة الحالية (ينتمي لحزب محافظ ويعارض
اللجوء والهجرة)، فاز بالانتخابات بعد دعم اليمين في وجه حزب العمال الأسترالي الذي
يمثل تقليديًّا يسار الوسط.
وعلى الرغم من تصريحات مايك بيزولو وزير
الشؤون الداخلية الأسترالي بأن وزارته أعادت تكريس نفسها للوقوف بحزم ضد الإيديولوجية
المتطرفة المتمثلة في تفوق البيض، في أعقاب هجوم كرايست تشيرش الإرهابي، مازال هناك
تشكيك بجدية هذه المواجهة وعما إذا كانت الحكومات الأسترالية على جميع المستويات «تأخذ التطرف اليميني على محمل الجد».
والحركة القومية اليمينية المتطرفة في
أستراليا هي شبكة متصدعة من الرجال البيض المهووسين بالعنصرية، ويستخدمون مواقع التواصل
فيس بوك ويوتيوب وتويتر ومنتديات الرسائل للتواصل مع أولئك الذين يشاركونهم الاشمئزاز
المستمر .





