يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أيديولوجيات اليمين المتطرف.. مذابح مروعة للمحافظة على العرق الأبيض

الأحد 16/يونيو/2019 - 11:02 م
المرجع
محمود محمدي
طباعة

أصدر مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف، دراسة جديدة تناول فيها تنامي ظاهرة اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة في الدول الغربية، وكان تركيزها الأُول على المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم؛ حيث دعا أتباع هذا الفكر المتطرف إلى طرد المهاجرين وغلق الأبواب أمام أية موجات هجرة جديدة، متخذين مسار العنف سبيلًا نحو تحقيق أهدافهم، ولمَّا لم يجدوا نتائج مثمرة أخذوا يستغلون الأدوات الديمقراطية من أجل الوصول إلى السلطة، ومن ثمَّ تنفيذ أهدافهم عن طريق المؤسسات الشرعية والقانونية، من خلال سنّ التشريعات والقوانين.

أيديولوجيات اليمين

وأوضحت الدراسة أن هذه السياسة قد أتتْ أُكُلها؛ حيث وصلت بعض هذه الأحزاب إلى السلطة، كما هو الحال في إيطاليا والنمسا، ولا تزال نظيراتها في دول أخرى تسير في هذا المضمار، تتقدم فيه أحيانًا وتتراجع في أحايين أخرى، وسنحاول في هذا المقال عرض الأسس التي قامت عليها هذه الأيديولوجيات التي تتبنَّاها هذه الأحزاب والجماعات اليمينية في الغرب.

 

وفي كتابه «أيديولوجيا اليمين المتطرف»، تناول «كاس موده» بالبحث عدة أحزاب يمينيّة متطرفة في ألمانيا، وفنلندا، وهولندا، وخَلُص إلى الأسس الأيديولوحية للفكر اليمينيّ المتطرف، والتي حصرها في عدة مبادئ تُمثل بدورها مراحل متتالية، أولها مبدأ القومية أو الانتماء العنصري للوطن؛ حيث بيَّن أن أتباع هذا الفكر يسعون إلى تحقيق الاتساق في بلادهم على مستوى الدولة، وهو ما أطلق عليه «الوحدة السياسية»، وكذا على مستوى الأمة، وهو ما أطلق عليها «الوحدة الثقافية».

 

وبحسب «موده»، فقد أدى هذا الاعتقاد إلى المبدأ الثاني القائل بأفضلية العرق الأبيض والتعصُّب له والعداء لكل ما هو أجنبيّ، وهو الأمر الذي تَولَّد عنه في النهاية المبدأ الثالث المتمثل في النظرة الشوفينية للرفاهية، بما يعني اعتقادهم أنه يتعيَّن على الدولة عبر سياساتها الاجتماعية أن تضمن رفاهية أفراد عرقيتها فقط دون الأجانب، أي ضرورة ألا يؤثر الوجود الأجنبي على الرفاهية الفردية للمواطن، أما المبدأ الرابع فيتمثّل في إيمانهم الراسخ بالقانون والنظام؛ حيث يرون أنّه ينبغي على الدولة أن تتبنَّى نظامًا قانونيًّا صارمًا وأن تنفذه بكل قوة وحزم.

أيديولوجيات اليمين

استهداف المسلمين


مرصد الأزهر، أوضح أن شيوع هذه الأيديولوجيات والأفكار، وتبنِّي بعض كبرى وسائل الإعلام وكبار الساسة على مستوى العالم لها، أدى إلى تأثر بعض مواطني هذه الدول بهذا الخطاب تأثرًا كبيرًا لدرجة حدت ببعضهم إلى ارتكاب جرائم كراهية ضد المسلمين، بل تطوّر الأمر ليصلَ إلى الإقدام على مذابحَ مروعة باسم المحافظة على العرق الأبيض ونقائه، كان آخرها مذبحة مسجدي «كرايستشيرش» في نيوزيلندا؛ حيث أقدم الإرهابي المتعصب المتطرف «برينتون تارنت» على قتل 51 مصليًا في دار عبادة، وبثّ ذلك مباشرة على أحد مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولم يُبْد أي ندم، أو يُظهر أي أسفٍ عند مثوله أمام المحكمة بعد القبض عليه بوقت قصير، بل إنّه أظهر إصراره على أفكاره من خلال الإشارة بعلامة النازيّة خلال مثوله للمحاكمة.

 

الدراسة أوضحت أيضًا، أنه نتيجة الإيمان العميق لهذه الأحزاب والجماعات بفكر القومية، فإنّها تعادي أيضًا مشروع الوحدة الأوروبية؛ لأنَّها لا تريد أن تذوب القوميات في بعضها بعضًا، وهو ما نتج عنه تأسيس حركات، وأحزاب في دول مختلفة تدعو لترسيخ هذا الأمر؛ حيث ظهرت في ألمانيا حركة «ألمانيا للألمان» وفي هولندا ظهرت حركة باسم «هولندا للهولنديين»، وهكذا دواليك.

 

وأضافت: «ربما يظن المتابع لهذه الموجة الأخيرة المتشددة لليمين المتطرف أن هذه الأيديولوجية المتطرفة وليدة هذا العصر، ولكن واقع الأمر أن الموجة الأولى لها قد بدأت في وقت مبكر للغاية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة؛ حيث كانت تعدُّ امتدادًا للأيديولوجية النازية والفاشية، وقد تأسّس على إثرها بعض الأحزاب السياسيّة في إيطاليا وألمانيا بين عامي 1946 و1949».

 

وتابعت: «أن هذا الفكر المتطرف ضارب بجذوره في الماضي، تلك الجذور التي لم تلبث حتى أخذت تنمو شيئًا فشيئًا، ثم عزّزتها بعض التحولات العالمية والأحداث المهمة، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبعض التفجيرات التي يقوم بها بعض المنتسبين للإسلام، ويلصقونها به زورًا وبهتانًا».

 

ولخصت الدراسة إلى أنه ربما يتمثَّل العامل الأكبر في إذكاء هذا الفكر وانتشاره في التحيز الواضح للتغطية الإعلامية ضد المسلمين، والتي تسلط الضوء على كل ما هو سلبيّ فيما ينسب إليهم، في حين تغضُّ الطرف عن جرائم اليمين المتطرف أو تُسهم من خلال التغطية على التخفيف من آثارها، وذلك على الرغم من أن جرائم اليمين المتطرف - كما تؤكد مراكز الأبحاث - تتخطّى بمراحل الجرائم التي تُنسب زورًا إلى الإسلام.

 

كما أكدت أن مواجهة مثل هذا الفكر المتطرف تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الدول وتجريمًا قانونيًّا لكل أشكال الاعتداءات القائمة على الكراهية، كما تتطلب جهودًا من المسلمين المقيمين في هذه الدول بأن يندمجوا في مجتمعاتهم، دون التخلي عن هويتهم وقيمهم، وألا يعيشوا في مجتمعات مغلقة في هذه البلاد بما يخدم أجندة هؤلاء المتطرفين.

"