ad a b
ad ad ad

نجاح فرنسا في كأس العالم يفتح ملف «دمج المهاجرين»

الأحد 08/يوليو/2018 - 10:15 م
المنتخب الفرنسي
المنتخب الفرنسي
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة

يتعامل اليمين المتطرف الأوروبي مع المهاجرين الأفارقة بصفتهم عبئًا على الاقتصاد المحلي لا بد من التخلص منه بسبب تأثيره الضار على حالة الرفاهية الأوروبية، كما يتعامل معهم كظاهرة اجتماعية من شأنها الإضرار بحالة المدنية الأوروبية؛ بسبب ركونهم إلى العيش في مناطق معينة بطريقة عشوائية.

نجاح فرنسا في كأس

واستخدم اليمين المتطرف هذا الأمر للتدليل على عدم مقدرة ذوي الأصول الأفريقية على التكيف مع الحضارة الغربية أو حالة الانفتاح المدنية السائدة فيها، وفي سبيل تدعيم فكرته، سلط اليمين المتطرف أدواته الإعلامية على كل الأفعال الإجرامية التي تصدر عن مهاجرين من أصول أفريقية، وتم تصويرها بصفتها سلوكًا عامًا من الصعب تغييره أو تمدين مرتكبيه.

 

وهدف اليمين المتطرف من ذلك إلى ترويع الأوروبيين الداعمين لفكرة الدمج المدني للمهاجرين، والمؤيدين لاستقبال اللاجئين دون خطة محددة لإعادة توطينهم في بلدانهم مرة أخرى، خاصة أن الآلاف من اللاجئين الذين هربوا من ويلات الحروب في الشرق الأوسط لم يتمكنوا من العودة لبلدانهم، بسبب عدم ملاءمة الظروف لذلك، ومثال ذلك اللاجئين الفلسطينيين في كل من الأردن ولبنان وسوريا.

 

ومثلت سياسة الهجرة، النقطة الأبرز في الخلافات بين الليبراليين الأوروبيين والأحزاب اليمينة، ونستدل على ذلك، من الخلاف الذي نشب مؤخرًا داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحليفها في الائتلاف هورست زيهوفر، كما كان الخوف من الهجرة عاملًا رئيسيًّا في حملات الدعاية الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

 

ورغم أن الأداة الاحتجاجية الشعبوية لليمين المتطرف جاءت بنتيجة إيجابية، مفادها زيادة شعبيته الجماهيرية، وزيادة حظوظه في الوصول إلى الحكم في بعض البلدان، فإن بطولة رياضية مثل كأس العالم الحالية المقامة في روسيا، ساهمت في دحض مزاعم اليمين المتطرف، بسبب كثافة تمثيل اللاعبين الأوروبيين من أصول أفريقية في عدد من المنتخبات الأوروبية، خاصة منتخب فرنسا، ما يثبت قدرة المهاجرين على اكتساب ثقافات جديدة، ما يناقض مزاعم الأحزاب اليمينية.

المنتخب الفرنسي
المنتخب الفرنسي

ويظهر التنوع لدى المنتخب الفرنسي الذي يضم بين صفوفه 17 لاعبًا من أصول غير فرنسية من إجمالي 23 لاعبًا، ويمكن أن نستدل من ذلك على أن سياسة الدمج المدني التي اتبعتها الدولة الفرنسية تجاه المهاجرين جاءت بنتيجة إيجابية، بعد أن نجحت في تغيير عقلية هؤلاء اللاعبين وإقناعهم باللعب والقتال من أجل تحقيق إنجاز رياضي لبلدهم فرنسا، كما استفادت فرنسا من سياسة الدمج، حيث ساهم لاعبو المنتخب من أصول غير فرنسية في بلوغ منتخب فرنسا للدور نصف النهائي من البطولة، ما يقربه من تحقيق اللقب العالمي.

 

ويفتح هذا الأمر المجال حول إعادة تعريف مفهوم الإنتماء، خاصة أن الكثيرين يعتبرون التمسك بعروقهم الأصلية المعني الأكثر تحديدًا للانتماء، دون أن يدركوا أن المفهوم في طياته فضفاض للغاية، ويمكن ربطه بمكان النشأة، بعيدًا عن الأصول التاريخية أو الهوية الدينية.

 

وتساهم المنافع التي يحوزها الفرد في ترسيخ انتمائه للجهة المانحة للمنفعة، ما يعني أن سياسة إقصاء المهاجرين ستقود الأفراد من أصول غير أوروبية إلى أفعال عنيفة ضد الدولة والمجتمع، بعد فشلهم في إثبات ذواتهم بطرق سلمية.

 

وهنا لا نقصد أن تستجيب أوروبا للمهاجرين خوفًا من أفعالهم العنيفة، ولكن يتعين على أوروبا أن تفعل ذلك عرفانًا بالدور الإيجابي الذي لعبه العمال الأفارقة في تحقيق النهضة الصناعية الأوروبية، فضلًا عن دورهم في القتال والدفاع عن عدد من الدول الأوروبية ضد النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، ما يؤكد أن المهاجرين يمكن أن يكونوا أداة لتدعيم التنوع العرقي والثقافي في أوروبا، وذلك في حالة دمجهم.

"