ad a b
ad ad ad

«اليمين المتطرف».. صدف الماضي ومآلات المستقبل

السبت 16/مارس/2019 - 02:54 م
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

تصاعدت قوى «اليمين المتطرف» بصورة متزايدة في الدول الغربية خلال الفترة الماضية، ويعمل المنتمون والمؤمنون بها على بث أفكار الكراهية والعنف والتطرف بين صفوف المواطنين؛ بهدف مواجهة النظم الغربية القائمة، ومواجهة كل من المهاجرين والمواطنين من أصول غير غربية.


الرئيس الامريكي الأسبق
الرئيس الامريكي الأسبق رونالد ريجان

وترجع بداية ظهور مصطلح «اليمين المتطرف» إلى البرلمانات الأوروبية؛ حيث جلس أعضاء الجمعية العمومية الفرنسية في 1791 بهذا النظام، فقد جلس العمال والكادحين على يسار رئيس المجلس، بينما جلست الطبقة الأرستقراطية ورجال الكنيسة والمؤيدون للفكر البرجوازي على يمينه، ومن هنا ظهر التقسيم السياسي المعروف حتى الآن.


ومع بروز فكرة الاشتراكية المثالية لسان سيمون في القرن الثامن عشر، والتي تنادي بملكية المجتمع لوسائل الإنتاج، كان الفكر الرأسمالي يزداد في التوسع، ومع توحشها للحد الذي لم يناسب السواد الأعظم من الشعوب، وأصدر كارل ماركس أفكاره ومبادءه عن الاشتراكية العلمية، والتي تقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، مع سيطرة طبقة البروليتاريا على مقاليد الأمور.


وشعر اليمين بخطر داهم، فاتجه فكره للاتجاه الفردي؛ حيث ركز على الملكية الفردية، ولحماية مصالحهم الاقتصادية، عملوا على دمج رجالهم في السياسة؛ لدعم الطبقة الحاكمة، وقامت الأنظمة الحاكمة بمنحهم صلاحيات وامتيازات واسعة، وغض البصر عن استغلال العمال مقابل أجور زهيدة، ما ساهم في تكريس الإقطاع والاحتكار، ومن هنا ظهرت الفروق الاجتماعية بوحشية داخل المجتمع الواحد.


اليمين في العصر الحديث


ارتبط اليمين بالرأسمالية بصورة قوية طوال تاريخه، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، ورئيس الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر بالقرن العشرين، وتشير الدراسات إلى أن هناك عوامل استغلتها القوى اليمينية الحديثة في الظهور والعودة للعمل السياسي بقوة مرةً أخرى، خصوصًا في أوروبا، ومنها الأزمات المالية التي عاشتها الدول الأوروبية، ووجود صراعات طبقية بها، وفشل الرأسمالية، والشعور بالاغتراب والتهميش، كلها عوامل ساهمت في صعود أسهم القوى اليمينية المتطرفة داخل أوروبا، وهذه القوى أصبحت تمارس مهامها، وتبث أفكارها الهدامة بصورة واضحة ما بين المواطنين.


وبالنظر لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية في عام 2016، فقد لعب الرجل على مخاطبة الرجل الأبيض بالطبقة المتوسطة، وتعزيز مشاعر التفرد لديه، واعتباره مواطنًا من الدرجة الأولى، وذلك من خلال طرح عدة برامج تعمل على تعزيز وتنمية هذا الشعور، مثل إطلاق وعود بمنع المهاجرين من الدخول إلى أمريكا، والحديث عن أحقية الأمريكي في الحصول على العمل وتنمية قدراته الاقتصادية، وذلك من خلال فرض ضرائب باهظة على المواد التي يتم استيرادها من الخارج.


وتسعى القوى اليمينية المتطرفة لاستغلال الأحداث الصعبة والهجمات الإرهابية التي قد تتعرض لها الدول الغربية؛ بهدف إبراز آرائهم وإعادة طرحها على السطح مرةً أخرى، وتتفق كافَّة الأحزاب اليمينية في أوروبا وأمريكا على عدة نقاط بارزة، لعل أهمها، رفضهم القاطع للمهاجرين، والمطالبة بالحد من وجودهم أو منعهم بصورة مطلقة، وترى تلك الأحزاب في المهاجرين أبرز أسباب زيادة معدل الجريمة، وانتشار البطالة، ونقص المعروض من الوظائف أمام الشباب بتلك البلاد، ويظهر ذلك بوضوح في خطابات «ترامب» لناخبيه، عندما أعلن أنه سيضع قيودًا على سفر المهاجرين إلى أمريكا؛ لتوفير وظائف للمواطنين.


واليمين ظاهرة أيديولوجية تنكر المساواة، وتؤمن بوجود فروق عنصرية ما بين البشر، فالسيادة للرجل الأبيض، ما يجعل أعضاءها متعصبين للعرق والدين الخاص بهم، ويمتلكون عدَاءً للمسلمين خصوصًا، والأجانب عمومًا، ويعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الأولى، بينما كل البشر في الدرجة الثانية.


ويرى رجال اليمين في أمريكا مثلًا بأن قوانين البيئة والعمال لا تساعد في نمو الشركات، وتعمل على تقليص قدرات الشركات في المنافسة؛ لذا فلابد من العمل بعيدًا عنها، وهو ما قد يفسر رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتفاقية باريس للمناخ في مايو 2017؛ إذ رأى بها عائقًا أمام الشركات الأمريكية.


«اليمين المتطرف»..

اليمين في أوروبا


يعتقد البعض، أن القرنين العشرين والحادي والعشرين لم يشهدا ظهور أو سيطرة أحزاب اليمين على الحكم في أوروبا، وهذا مفهوم غير صحيح، فالفاشية والنازية سيطرت على دول مثل إيطاليا وألمانيا، كما سيطرت حكومة فيشي على فرنسا خلال الاحتلال الألماني ما بين عامي 1940-1944، ثم اختفى اليمين لفترة عقب الحرب العالمية الثانية، والتي اعتبر مسؤولًا رئيسيًا عنها.


ثم بدأ الفكر اليميني المتطرف في الظهور مرةً أخرى في النصف الثاني من القرن العشرين؛ حيث ظهرت منظمة OAS الفرنسية أو ما يعرف باسم «منظمة الجيش السرية»، والتي كانت ترفض خروج فرنسا من الجزائر؛ لذا قامت بهجمات إرهابية ضد حكومة بلادها، وطرحت جون فينو نكور، القيادي اليميني، في الانتخابات الرئاسية عام 1965.


وفي ألمانيا، شارك الحزب النازي الجديد NPD في الانتخابات البرلمانية خلال ستينيات القرن العشرين، وحصل خلال تلك الانتخابات على 5% من أصوات الناخبين، وعلى الرغم من أن النسبة ضئيلةً، إلا أنها كانت تُعدُّ مؤشرًا قويًّا أن هذا الفكر ما زال يمتلك صدى لدى قطاع من الشعب، حتى وإن كان قطاعًا صغيرًا.


وعلى الرغم من انتشار الوعي، وزيادة الثقافة العامة لدى المواطنين، خصوصًا في الدول الغربية، إلا أن الفكر اليميني المتطرف ما زال يجد صدىً واسعًا لدى المواطنين، خصوصًا مع فتح الدول الأوروبية باب الهجرة أمام المواطنين من بعض الدول العربية كسوريا، وهجرة عدد كبير من المواطنين بطرق شرعية وغير شرعية إلى أوروبا.


ويمكن إبراز أهم القوى اليمينية في أوروبا:


1-حزب الحرية النمساوي: تأسس في عام 1956، ويرى في أدبياته أن الدين الإسلامي هو العدو الأول للإنسانية عمومًا، والشعب النمساوي خصوصًا، وحصل على 26.9% من أصوات الناخبين خلال الانتخابات التشريعية في عام 1999، وشكل حكومة ائتلافية في العام التالي.


ويرى «يورج هايدر»، زعيم الحزب، أن السياسات العمالية التي اعتمدتها دولة الرايخ الثالثة في عهد هتلر، من السياسات الناجحة؛ لذا كان مؤيدًا للنازية، واعتبر أن معسكرات النازية لم تكن سوى «معسكرات للتأديب»، كما اعتبر أن جهاز «إس.إس» جزءًا مهمًا من الجيش الألماني، ولم يتلق التكريم اللازم.


2- الجبهة الوطنية الفرنسية: وهي الممثل الشرعي لليمين المتطرف في فرنسا، وحصل جان لوبان على 11.3% من الأصوات بالانتخابات المحلية عام 1983 داخل إقليم باريس، وبعدها بعامين حصلت الجبهة على 8.8% من الأصوات، وهكذا ظلت خلال تلك الفترات.


إلا أن فوز «ترامب»، والعمليات الإرهابية التي تتبناها جماعات إسلاموية، وتنامي القلق من الإرهابيين، كلها عوامل ساهمت في عودة بزوغ نجم الجبهة خلال عام 2017، عندما وصلت ابنته ماري لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، للمرحلة الثانية بالانتخابات، وهي المرحلة التي لم تصل لها الجبهة من قبل، وجاهرت لوبان خلال حملتها بعداء الإسلام والمسلمين، وطالبت بمنع المهاجرين من دخول فرنسا، معتبرةً أن الحجاب يمثل تهديدًا للثقافة الفرنسية.


«اليمين المتطرف»..

هجوم نيوزيلندا


لم يكن هجوم نيوزيلندا الذى وقع خلال صلاة الجمعة يوم 15 مارس 2019، سوى حلقة من حلقات العداء اليميني المتطرف للآخر عمومًا، وللدين الإسلامي خصوصًا، وظهر ذلك بوضوح في توجهات المنفذ، التي أعلن عنها مرارًا وتكرارًا على صفحاته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.


كما أن التواريخ والأسماء التي وضعها على سلاحه المستخدَم بالجريمة، كلها دلائل تؤكد أنه قارئ جيد للتاريخ، يؤمن بالفكر اليميني المتطرف بعمق، ولكن ما يثير القلق في هذا الحادث أنه وقع في دولة بعيدة عن خارطة التطرف، وانتشار الجماعات المتطرفة حول العالم، ما يعني أن الفكر الإرهابي والمتطرف أصبح منتشرًا بصورة لا يتوقعها أحد حول العالم، وفي أماكن بعيدة عن بؤر الضوء.


القلق يتزايد.. واليمين يفوز


ما يثير القلق أيضًا، أن استطلاعات الرأي في أوروبا تشير إلى انتشار أفكار اليمين المتطرف بين المواطنين، وهو ما ينذر بفوز تلك الأحزاب المتطرفة بعدد كبير من المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي، والتي سوف تُجرى خلال الشهور القليلة المقبلة، ما قد يؤثر على السياسات الخارجية للدول الأوروبية، خصوصًا تجاه الدول في الشرق الأوسط.


لذا يتضح أنه من السذاجة في الوضع الراهن ربط التطرف والإرهاب بدولة محددة، أو بدين بعينه، أو جماعة بذاتها، فقد أصبح التطرف فكرةً عالميةً منتشرةً بين قطاعات كبيرة من المواطنين، لا تعتمد في أفكارها على العوامل الدينية فقط، ولكنها قد تعتمد على الجوانب الثقافية أو الفكرية أو القومية، ورغم اختلاف العوامل المؤسسة للفكر المتطرف، إلا أن نهاية تطرف تلك الجماعات واحد، ممثلًا في سقوط عدد كبير من الضحايا، وسفك دماء أبرياء.


ويستدعي هذا الأمر تماسك القوى الدولية وزيادة أشكال التعاون فيما بين بعضهم البعض، ووضع تعريف شامل وواضح للإرهاب والتطرف، بما يمكن المجتمع الدولي من مواجهة الجماعات المتطرفة، ومنعها من ممارسة إرهابها الفكري والأيديولوجي والمسلح ضد الأبرياء.

"