ad a b
ad ad ad

رجل القرارات الخرقاء.. رعونة «ترامب» تمنح الإرهابيين طوق النجاة

السبت 23/مارس/2019 - 12:22 م
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

تسعى الجماعات الإرهابية ذات الفكر المتطرف دائمًا إلى تحويل أخطائها وهزائمها إلى محن وابتلاءات ومؤامرات تواجه صفوفها، باعتبارها جماعة الرب وممثلة السماء على الأرض، لذا فإن الدول والمنظمات المختلفة تسعى إلى مواجهتها وإطفاء نورها بكل الطرق والسبل الممكنة، وفقًا لمعتقداتهم.

رجل القرارات الخرقاء..

ترامب يعزز أوهام المتطرفين

وقد عاشت تلك التنظيمات المتطرفة على اعتناق المظلومية بصورة مستمرة عبر تاريخها، ساعية من خلال ذلك إلى غسل عقول الشباب، وإيهامهم بأن دينهم في خطر، وبأن الغرب يتآمر على المسلمين والدين الإسلامي، ويسعى إلى تدميرهم، واستغلت تلك الجماعات بعض القرارات الصادرة من الحكومات الغربية تجاه الدول الإسلامية؛ لتبرير مظلوميتهم المزعومة.


وعلى الرغم من الجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسها تنظيم داعش، والتي استطاعت القضاء عليه بصورة كاملة في سوريا والعراق، فيما عدا بعض الجيوب الصغيرة المتبقية، والتي لن تستطيع الصمود طويلًا بفعل عوامل الحصار والتضييق الأمني والعسكري المفروض عليهم، إلا أن نظام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان بمثابة طوق النجاة لتلك التنظيمات؛ حيث مهد لهم كل ما يحتاجون إليه كي يعيدوا نغمة المظلومية التي يجيدونها بطلاقة، وذلك من خلال إطلاق عدة قرارات غير محسوبة العواقب، ومن المتوقع أن تسارع تلك التنظيمات إلى اتخاذ هذه القرارات كطوق نجاة لها.


وكان القرار الأبرز الذي اتخذه ترامب منذ فترة، وجاء مستفزًا لمشاعر المسلمين في شتى بقاع الأرض، هو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لتل أبيب، وهو ما اعتبره آنذاك، يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ويدعم عملية السلام ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك على الرغم من قدسية هذه المدينة في عقول العرب عمومًا والمسلمين خصوصًا.


ثم اتخذ ترامب قرارًا جديدًا، أعلن خلاله اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967، معتبرًا أنها تمثل أهمية استراتيجية وأمنية لدولة إسرائيل، وكذلك لاستقرار المنطقة إقليميًّا، وهو الاعتراف الذي قوبل كما الذي جاء قبله، برفض شعبي وحكومي ودولي على نطاق واسع.

رجل القرارات الخرقاء..

خطورة القرارات الأمريكية

وتكمن خطورة تلك القرارات في أنها تهدد السلم والأمن الإقليمي، وذلك على مستويين مهمين:


المستوى الأول: تعد هذه القرارات بمثابة تدمير كامل لعملية ومساعي السلام في المنطقة، كما تنذر بانهيار كافة الجهود التي تقوم بها عدة دول ومنظمات مثل مصر والأمم المتحدة لإحلال الأمن والسلام في الشرق الأوسط.


وذلك لأن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على القدس والجولان يعني انتهاء أي أمل للسلام في المنطقتين، كما يدفع الدول العربية إلى مقاطعة أي محادثات للسلام مستقبلية، ويرفع غطاء الحيادية عن أمريكا.


المستوى الثاني: من المتوقع أن تستغل التنظيمات الإرهابية تلك القرارات في تبرير وجودها ونشاطها، خاصة أنها عملت لعدة سنوات على مهاجمة الغرب في تسجيلاتها الصوتية باعتباره العدو الأساسي، خصوصًا تنظيم القاعدة، والذي يعيش مرحلة إعادة التأهيل والبناء حاليًّا، وذلك من خلال استغلالها لنغمة المظلومية، والشعور بالاضطهاد من قبل الدول المختلفة.


ويظهر ذلك بوضوح في الفكر الإرهابي بمختلف مشاربه، فقد رأت القاعدة بضرورة مهاجمة الغرب في عقر داره، بينما رأى تنظيم داعش بأنه لابد أن يبدأ بمهاجمة العدو القريب حتى يستطيع مواجهة العدو البعيد من على أرض صلبة؛ ما يعني أن هدف التنظيمات الإرهابية الأبرز في المنطقة، باختلاف أفكارها، هو مواجهة الدول الغربية.


لذا يتضح أن القرارات العنترية التي يتخذها دونالد ترامب لن تؤدي إلا للمزيد من الخراب والأزمات في الدول العربية خصوصًا، ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا، وبدلًا من أن يتحول الرجل إلى رأس حربة في عملية مواجهة الفكر الأصولي المتطرف، تحول إلى وقود ومادة مساعدة لتلك الجماعات على الانتشار، وتحقيق أهدافها.

"