ad a b
ad ad ad

قراءة في الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب

الأربعاء 02/مايو/2018 - 12:53 م
المرجع
حامد المسلمي
طباعة
جاءت الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، في المسار التشريعي الدولي، لمواجهة تفشي ظاهرة الإرهاب في تسعينيات القرن المنصرم، خاصة مع سيطرة حكومة «طالبان» على السلطة في أفغانستان، وتبني خطاب عدائي ضد الإنسانية المتمدنة، وكذلك عقب إعلان أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، وأيمن الظواهري، زعيم التنظيم الحالي، عن تأسيس «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين». 

وجاءت هذه الاتفاقية استكمالًا للعديد من الاتفاقيات والقرارات الأممية لمواجهة ظاهرة الإرهاب الدولي، فعرضت على الاجتماع الرابع والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر 1999، بشأن مناقشتها وفتح باب التصديق عليها منذ 10 يناير 2000 إلى 31 ديسمبر 2001، والتي دخلت حيز التنفيذ في 10 أبريل 2002.
تتكون هذه الاتفاقية من 28 مادة، وجاء في نص المادة الثانية، تحديد الجرائم وفق مفهوم هذه الاتفاقية، أن «كل شخص يقوم بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته، بتقديم أو جمع أموال بنية استخدامها، أو هو يعلم أنها ستستخدم كليًّا أو جزئيًّا للقيام بعمل جريمة وفق المعادات السابقة عن الإرهاب، أو بأي عمل آخر يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر، أو إصابته بجروح بدنية جسيمة، عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح، وعندما يكون غرض هذا العمل، بحكم طبيعته أو في سياقه، موجهًا لترويع السكان، أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به».

إيجابيات الاتفاقية
تتمثل إيجابيات تلك الاتفاقية في التالي: 
1- إلزام الدول الأطراف باتخاذ إجراءات تشريعية فعالة في مجال قمع تمويل الإرهاب، وأن تتخذ كل دولة التدابير اللازمة والتشريعات الداخلية، وكما ألزمت الدول عدم تبرير الأعمال الإجرامية الداخلة في نطاق هذه الاتفاقية.
2- ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ تدابير لتجميد وضبط ومصادرة العائدات المتحصلة من الجرائم الخطيرة، مثل جرائم الاتجار في المخدرات والجرائم المنظمة عبر الحدود.
3- ألزمت بتسليم المجرمين أو محاكمتهم: فيُعد مبدأ تسليم المطلوبين أو محاكمتهم من أهم القواعد الأساسية في التعاون الدولي المقررة بمقتضى الاتفاقيات ذات الصلة بالإرهاب.

إشكاليات تتعلق بالاتفاقية
تعددت الإشكاليات التي تواجه هذه الاتفاقية على النحو التالي: 
أولا: تمثلت هذه الإشكاليات في عدم تحديد مفهوم واضح ومحدد عن الإرهاب متفق عليه بين الدول، وبموجبه تصبح كل الدول الأعضاء في الاتفاقية ملزمة بتفسير واضح للجريمة الإرهابية.
وفي هذا السياق، وأثناء انعقاد الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبشأن هذه الاتفاقية؛ انتقد ممثلو دول (كوبا، والعراق، ولبنان) هذه الاتفاقية بأنها لم تحدد مفهومًا واضحًا ومحددًا للإرهاب، وأضافت ممثلة كوبا أن من إشكاليات عدم التحديد لمفهوم الإرهاب، الخلط بين الإرهاب، والنضال من أجل التحرر الوطني ومكافحة المستعمر، وأكد ممثلو الدول الثلاث قبولهم للاتفاقية في حالة توافق الآراء، مع إبداء مندوب العراق على تحفظات حول الاتفاقية.

ثانيًّا: لم تتضمن الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب تحديدًا المقصود بمصطلح «تمويل الإرهاب»، ولكنها عرفت جريمة تمويل الإرهاب وأركانها الثلاثة، وهي الركن المادي، والركن المعنوي، والركن الدولي، إلا أنها اشترطت في الركن المعنوي قصدًا خاصًّا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى التضييق من فرص تطبيق النصوص التجريمية.

ثالثًا: ورد بالاتفاقية عدد من المصطلحات التي يمكن تفسيرها بشكل مغاير ومختلف حسب الدول وموقفها من الجريمة ومرتكبوها والدول الأخرى المتضررة، مثل «حسب الاقتضاء»، «الممكنة»، دون توضيح من الذي يُحدد الاقتضاء وكيفية التطبيق، أو ما الممكن من غير الممكن.

رابعًا: ورد بالاتفاقية العديد من المواد المتضاربة، والتي يُقيد كل منها الآخر، فعلى سبيل المثال، أوجبت المادة (11، فقرة 1) تسليم المجرمين وفق الاتفاقيات السابقة بشكل مطلق، بينما جاء في (الفقرة 2) من المادة نفسها، أن هذا الإلزام بما يتوافق مع القوانين الداخلية المعمول بها في الدولة التي بها المجرم.

خامسًا: نصت هذه الاتفاقية في أكثر من مادة حول حقوق المشتبه به والمتهم، وكفلت له كل حقوقه القانونية وفق الاتفاقيات والقانون الدولي، إلا أنها في المادة (16، فقرة 1) والمتعلقة بانتقال مجرم بحكم القانون ووفق لأحكام هذه الاتفاقية، وصدر ضده حكم قضائي نهائي ويقضي فترة العقوبة، ومطلوب لدولة أخرى بشأن التحقيق في جريمة من المنصوص عليها في الاتفاقية، حيث اشترطت موافقة الدولتين (التي يقضي بها العقوبة، بجانب الدولة الطالبة للتحقيق) بالإضافة إلى موافقة المجرم على الذهاب للتحقيق في الدولة الأخرى المطلوب بها لاتهامه في جرائم أخرى، وهو غير منطقي أن يؤخذ رأي مجرم للتحقيق في جريمة أخرى.

سادسًا: في المواد (12، 13، 14) أنه لا يجوز التذرع بسرية المعاملات المصرفية، ولا يجوز اعتبار جريمة تمويل الإرهاب مجرد جريمة مالية، أو جريمة سياسية، وذلك لرفضها تقديم المساعدات القانونية، أو تسليم المتهمين، بينما جاء في المادة (15) نص الاتفاقية أنه إذا توفر أسباب وجيهة لدى الدولة المطلوب منها تسليم المتهم، تدعوها إلى الاعتقاد بأن طلب تسليم المجرمين لارتكابهم الجرائم المبينة في المادة 2، أو طلب تبادل المساعدة القانونية فيما يتعلق بهذه الجرائم، قُدم بغية ملاحقة أو معاقبة شخص ما بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الأصل الإثني، أو الآراء السياسية، أو الاعتقاد بأن استجابتها للطلب سيكون فيها مساس بوضع الشخص المذكور لأي من هذه الأسباب، وهو ما يجعل العديد من الدول التذرع بأن الطلب بغية أي من الأشياء المذكورة، وهو ما يتعارض مع المادة السابقة.

سابعًا: لم تتناول الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الأسباب التي تعوق التعاون الدولي في مُكافحة تمويل الإرهاب، وهي ازدواجية التجريم، والسرية المصرفية غير المرنة، والفساد في المجالين الإداري والمالي، وعدم اعتماد العقوبة لدى الدولة المطلوب منها تقديم المساعدة.

ثامنًا وأخيرًا، نصت المادة (27) من الاتفاقية على إمكانية انسحاب أي دولة طرف في الاتفاقية بتقديم طلب مكتوب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتعتبر منسحبة عقب مرور عام على تقديم الطلب، أي أن هذه الدولة يمكنها التنصل تمامًا من كل الأحكام المتعلقة بهذه الاتفاقية.
"