تأسيس «الجيش المسلم».. الوصية التي قتلت «حسن البنّا»
مع بداية عام 1949، كان حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان (1928)، دائم الإلحاح على الحكومة في كل اجتماع؛ كي تتيح له فرصة الالتقاء بالمسؤولين من النظام الخاص للجماعة (تنظيم سري عسكري أنشأه البنّا عام 1940)، إما بالإفراج عنهم، وإما السماح بزيارتهم في السجون، وبحسب محمود عبدالحليم، مؤرخ الإخوان، في الجزء الثاني من كتابه «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ»، رفضت الحكومة في البداية ثم وافقت، وأبلغت «البنَّا» قبل اغتياله (12 فبراير) من نفس العام بأنها ستسمح له بزيارتهم.
يربط البعض بين اغتيال «البنّا» وسعيه في تلك الظروف لإثناء قيادات الجماعة عن تصفية المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء المصري 1948، لكن بالرجوع إلى العدد الأول من مجلة النذير (إحدى الأذرع الإعلامية للإخوان صدرت عام 1938)، كتب عبدالرحمن الساعاتي، والد حسن البنّا، رسالة إلى المنضمين للجماعة، تلخص أيديولوجية نجله منذ أن شرع في تأسيس جماعته.
قال «الساعاتي»: «استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون، اعكفوا على إعداد الدواء في صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة».
للمزيد:«الإخوان المسلمون».. أسرار«الجماعة» كما رواها كتاب «أحداث صنعت التاريخ»
وقال «البنّا» في محتوى نصي بعنوان «رسالة التعاليم» تضمن مجموعة من الرسائل التي كانت تدرس لعناصر التنظيم الخاص فقط، ثم تم تعميمها على الجميع: «إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها.. وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها، فمصر لم تجن من وراء الثورات سوى ما تعلمون».
وتوجه مؤسس الجماعة إلى أعضاء النظام الخاص، فقال: «في هذا الوقت طالبتموني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني أقدر لذلك وقتًا ليس طويلاً، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الأجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب، وتختلف النتائج المترتبة عليه، فأشعروا أنفسكم العبء، وألقوا الكتائب وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلى التدريب، وانشروا دعوتكم في الجهاد التي لم تصل إليها بعد، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل».
وبحسب محمد مهدي عاكف (المرشد السابع للجماعة من 2004-2010) فإن الهدف من التنظيم هو إعداد نخبة منتقاة من خيرة شباب الإخوان للقيام بمهام خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد الاحتلال البريطاني للقطر المصري، والتصدي لمخطط احتلال فلسطين، لكن المتتبع للعمليات التي نفذها التنظيم ضد الإنجليز، يجدها أنها لم تتخط بث الخوف في نفوس الجنود، إذ لم تسفر تلك العمليات عن خسائر فادحة كالتي خلفها الإخوان في الاغتيالات التي نفذوها ضد شخصيات مصرية.
وفنّد علي عشماوي، آخر قادة التنظيم الخاص في مذكراته، الادعاءات التي تزعم أن التنظيم الخاص كان الهدف منه قتال اليهود أو الإنجليز، مؤكدًا أنه في نهاية الثلاثينيات ظهرت مجموعة سميت بـ«إخوان مصر الجديدة»، كانت تنفذ عمليات طعن ضد اليهود المقيمين في مصر، من خلال ركوب الدراجات، والوقوف أمام منازلهم، والانقضاض عليهم فور خروجهم، ولما علم البنّا بأمر هؤلاء عنّفهم، وطلب منهم عدم تكرار تلك العمليات.
ومن أبرز العمليات التي نفذها التنظيم، أولى العمليات الإرهابية للجماعة، وهى اغتيال «أحمد ماهر باشا» رئيس وزراء مصر في فبراير 1945 عن طريق إطلاق الرصاص عليه وقتله في الحال، واستكملت الجماعة سلسلة اغتيالاتها في منتصف الأربعينيات ضد كبار رجال الدولة، ومنهم أحمد ماهر باشا، والقاضي أحمد الخازندار 1948.
ومع سقوط حكم جماعة الإخوان، وعزل محمد مرسي (2012-2013)، بعد ثورة 30 يونيو 2013، برزت من جديد مسألة إحياء العمل المسلح، بعدما انتهج شباب الجماعة عمليات العنف واستهداف رجال الشرطة والجيش، إضافة إلى اقتحام دار الحرس الجمهوري في نفس العام؛ بزعم تحرير مرسي من قبضة الأمن، وهو ما يعني أن أيديولوجية الجماعة تعتمد العنف، والعمل السري منهاجًا لها، تلجأ إليه في أوقات نبذ الإخوان من المجتمع والسلطة.





