مبادرة «الهلباوي».. حلقة جديدة من مراوغات «الإخوان»
السبت 28/أبريل/2018 - 06:11 م

كمال الهلباوي
طه علي أحمد
في حلقة جديدة من سلسلة المبادرات «المُراوِغَة»، التي تهدف لإنقاذ جماعة الإخوان؛ بعد أن ثار على حكمها المصريون في 30 يونيو 2013، خرج كمال الهلباوي المحامي، والمتحدث الرسمي السابق باسم الجماعة في أوروبا والمُنشَق عنها؛ بمبادرة جديدة لإجراء مصالحة بين الجماعة والدولة المصرية.
«الهلباوي» -الذي انحاز للدولة المصرية في حربها ضد الإخوان بعد 30 يونيو- تحوَّل في موقفه بشكل مثير خلال الآونة الأخيرة؛ فقد رفض سابقًا العديد من المبادرات التي تَقدَّم بها بعض قيادات التنظيم الدولي للإخوان، أمثال: يوسف ندا، وراشد الغنوشي؛ إذ قال في حوار مع جريدة «التحرير»: «أؤكد أن الدولة لن تتصالح مع الإخوان؛ لأنها تُدرِك جيدًا أن الشعب المصري الوحيد هو من لديه الكلمة، ولن تدخل الدولة في صدام مع الشعب من أجل جماعة أذاقتنا ويلات القتل والإرهاب والتفجير».
وأضاف -أيضًا- «الهلباوي» في تصريحات صحفية، أن أي حديث حول مصالحة الدولة وجماعة الإخوان غير صحيح، موضحًا أن الجماعة لو كانت لديها نية جادَّة في ذلك؛ لأوقفت القنوات المُحرِّضة ضد مؤسسات الدولة، التي تعمل من تركيا وبريطانيا.
والسؤال الذي يُطرح هنا: لماذا يلجأ «الهلباوي» إلى مبادرة رفضها هو بنفسه في وقت سابق؟
يردُّ المحامي المنشق على هذا السؤال في حواره على قناة «مكملين» التابعة للإخوان، قائلًا بوجود ثلاثة أسباب تتمثَّل في التحديَّات الإقليمية والعالمية التي تُواجِه الأمة العربية والإسلامية وليس مصر فحسب، فضلًا عن أن لمصر دورًا فعالًا في مواجهة هذه التحديَّات الإقليمية والعالمية، إضافة إلى خشيته أن تُطرح المشكلة المصرية على منابر دولية؛ لذا فقد حرص الآن على طرح مبادرته.
ويُلاحَظ على مبررات «الهلباوي» لتوقيت مبادرته، أنه مردود عليها في مجملها؛ فالتحديَّات الإقليمية والعالمية، ليست وليدة اليوم؛ بل إنها تتجذَّر في تاريخ الأمة، ولا تقتصر على لحظة بعينها.
أما دور مصر الفعَّال في مواجهة هذه التحديات؛ فهو أمر حتمي فرضته عليها حسابات الجغرافيا والتاريخ معًا، والدليل على ذلك دور مصر المتواصل بالقضية الفلسطينية، وأزمات المنطقة كافة؛ بل إن الدولة المصرية تتبنَّى مبادرات للعمل الإيجابي في قضايا دولية عديدة كالشأن الأفريقي، وأزمات الشرق الأوسط، مثل: سوريا، وليبيا، واليمن، وغيرها.
مبررات واهية
أما ما يخصُّ خشيته من بروز منابر دولية تطرح المشكلة المصرية؛ فقد سبق وأن زار مصر الكثير من الوفود الدولية؛ للتوسُّط بين الإخوان والدولة؛ في أعقاب انتفاضة المصريين ضدهم عشيَّة الثلاثين من يونيو، بداية من الاتحاد الأفريقي، ومرورًا بالوساطات التي قادتها شخصيات دولية معروفة، وصلت لزيارة بعضهم للرئيس المعزول «محمد مرسي» ذاته في محبسه؛ ما يؤكِّد أن مخاوف الهلباوي إنما تنبع من وحي خياله؛ على حين أن الدولة المصرية تمضي في مواجهة تلك التحديات كافة، جاعلة الشاغل الأهم لها هو إنجاز مهام بناء الدولة.
وربما يَكمُن الدافع وراء مباردة «الهلباوي» في عدم قدرة الرجل على الانسلاخ عن الجماعة بشكل حقيقي، وهو ما يظهر جليًّا من بين كلماته، حينما يزعم أن دعوته للمصالحة «وطنية شاملة لا تستثني إلا أهل العنف».
ولعلَّ ما يُؤكد ذلك ترحيب «إبراهيم منير» أمين عام التنظيم الدولي للإخوان بالمباردة، قائلًا: «الجماعة مُستعِدَّة للتعاطي والتجاوب مع أي وساطة محايدة لإنهاء الأزمة في مصر»، وهو الأمر الذي قد يعكس محاولات للجماعة، للتسلُّل إلى المشهد السياسي في مصر، ومساعيها لتأكيد حضورها الدائم على المشهد.
وبهذا ينقلب «الهلباوي» على ما ردَّده خلال السنوات الست الماضية؛ إذ يرى -ضمنًا- أن الجماعة لم ترتكب العنف عَبْرَ تاريخها الممتد منذ عام 1928؛ في حين أن الواضح للعيان استخدامها العنف بكل أشكاله ضد الدولة المصرية، مرورًا بمنصة «رابعة» التي شهدت إفراطًا في الخطاب الإرهابي سياسيًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا، خاصة بعد سيطرة تيار مُتَشَدِّد على صناعة القرار.
أما بالنسبة لمضمون المبادرة؛ فيقترح «الهلباوي» تشكيل ما سمَّاه «مجلس حكماء» يضمُّ مجموعة من الشخصيات التي يراها مستقلة وحيادية، مثل: «عبدالرحمن سوار الذهب (الرئيس السابق للجمهورية السودانية)، ومرزوق الغانم (رئيس مجلس الأمة الكويتي)، وعبدالعزيز بلخادم (رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق)، والصادق المهدي (رئيس حزب الأمة القومي المعارض في السودان)، ومنير شفيق (مُفكِّر فلسطيني)، ومعن بشور (مُفكِّر وكاتب سياسي لبناني)».
يزعم «الهلباوي» -في حديثه على قناة الإخوان «مكملين»- أن الموقف في مصر في حاجة مُلِحَّة لمصالحة شاملة، ونسي أن يحدد من أطراف تلك المصالحة؟! فالإخوان وحدهم المعنيُّون بهذا الحديث على الدوام، من عنف رفعوا رايته، كما يقول «سعد الدين إبراهيم» مدير مركز خلدون للدراسات الإنمائية في المبادرة التي تبنَّاها سابقًا؛ إذ يرى أن مصر لن تعرف الاستقرار إلا بالمصالحة مع الإخوان؛ ما يعني أنهم مصدر التهديد المُباشِر للدولة المصرية.
ولم تغب «المناورة» عن فكر وممارسة «الإخوان» يومًا ما؛ حيث يُورِد «الهلباوي» لقاءً مع أحد الشخصيات الأمريكية، ويُدعى «ستيفن كوك» ويحكي له الأخير كيف أن «راشد الغنوشي» زعيم حركة النهضة التونسية (إخوان تونس)، تنصَّل من انتمائه للإخوان ذات يوم؛ فكان تعليق «الهلباوي» في فضائية «صدي البلد» على تلك الواقعة: أنَّ قادة الإخوان في التنظيم بدؤوا يتخلون عن انتمائهم للجماعة؛ حتى يتحرَّرُّوا من رداء الوسطيَّة، ونبذ العنف، ويعلنوا صراحةً أفكارهم المُتَشَدِّدَة.
ولا تنفصل مبادرة «الهلباوي» عن هذا السياق؛ فبعد أن صرَّح -ذات يوم- أنه فضَّل القيام بدور فكري وتنويري بعد انشقاقه عن التنظيم منذ ست سنوات؛ بدلًا من الانجرار إلى الحياة السياسية؛ إذ به يعود أخيرًا بمبادرته المثيرة للجدل.
وأخيرًا فإن الكيفية التي خرجت بها مبادرة المُتحدِّث الرسمي السابق باسم الجماعة في أوروبا والمنشق عن الجماعة، تُؤشِّر لعدم قدرة «الهلباوي» على الخروج من فلك جماعة الإخوان؛ رغم إعلانه قطع علاقته بالتنظيم منذ 2012؛ بسبب ما رآه أخطاءً كارثيةً لقادته، وليس اعتراضًا على الانحرافات الفكرية للجماعة؛ إلا أنَّ إعلانه عن المبادرة من خلال إحدى القنوات التابعة للإخوان «مكملين»، يُؤكِّد أن الرجل لم ينفصل عن الجماعة التي أفنى لأجلها عمره متحدثًا باسمها في الخارج؛ بل ومساهمًا في توسُّع نطاقها أينما يكون؛ فما غاب عنه يومًا ولاءه لمشروع حسن البنا، وإنْ اختلف مع بعض قيادات التنظيم كما حدث وصولًا إلى انشقاقه عام 2013.
تبقى الإشارة إلى أنَّ حديث المبادرات -وإن تعددت الاتجاهات السياسية للمتقدمين بها- بات دربًا خارج اهتمامات الدولة المصرية، التي انشغلت بمسيرة البناء لمواجهة مُخطَّطَات الهدم والتخريب.