المرجع يُجيب عن السؤال الغامض.. هل يغزو التطرف كوكب اليابان؟
تُعد اليابان من الدول التي تغلب عليها الطبيعة المادية؛ حيث طغت المادة على تفكير الشعب الياباني، فأصبح ينظر إلى الأموال باعتبارها الهدف والغاية، لذا ليس غريبًا عدم اهتمامهم بالجوانب الدينية؛ حيث يعتبر اليابانيون الدين أمرًا خاصًّا بكل مواطن، ما يُفسر عدم وجود تعداد حكومي واضح لأتباع كل عقيدة ومذهب، وعدم اهتمام الشعب الياباني بممارسة الشعائر الدينية، حيث يفضلون الاستمرار في أداء عملهم عن ممارستها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الجوانب المادية تشعر صاحبها بالضيق والضجر، خصوصًا أنه يفقد العوامل الإنسانية في خضم تسارع وتيرة الحياة، وشعوره بأنه في سباق لا ينتهي ولن يصل لنهايته، فمع انتهاء كل هدف تظهر أهداف أخرى، لذا بحث بعض اليابانيين عن الملجأ الروحي، الذي يجلب لهم السعادة النفسية الداخلية المفقودة، وقد لعبت بعض الجماعات والشخصيات الدينية على هذا الوتر؛ لجذب عدد من أفراد الشعب؛ لتحقيق أهدافهم الخبيثة، وهناك عدة أمثلة على هذا الجانب.
ولم تكن اليابان بعيدة عن محط أنظار المؤسسات الدينية في العصر الحديث، فقد شهدت اهتمامًا متزايدًا من الجماعات والمؤسسات الإسلامية المدعومة من دول مشبوهه؛ حيث تسعى تلك الدول إلى نشر أفكارها المغلوطة حول الدين الإسلامي مثلما تفعل إيران، وهذه الأفكار تنذر بظهور جماعات ذات فكر متطرف وإرهابي باليابان، ولكن السؤال المُهم الذي يطرح نفسه، هل تُعد اليابان بيئة خصبة لظهور تلك التنظيمات؟ وهل يُمكن أن يقبل الشعب الياباني تلك الأفكار؟
ويحاول «المرجع» -بهذا التقرير- تقديم إجابة عن ذلك التساؤل، لذا وجبت العودة إلى الماضي، من أجل التعرف على تاريخ الجماعات المتطرفة سواء دينيًّا أو فكريًّا في اليابان، ولعل أبرز تلك الجماعات ما يلي:
- أوم شينريكيو.. الروحية مدخلًا إلى الإرهاب
تُعد جماعة أوم شينريكيو Aum Shinrikyo من أبرز الأمثلة على استخدام الروحية في تجنيد الأفراد خلال التاريخ الياباني الحديث، وتعرف الجماعة أيضًا باسم ألف Aleph أو أوم Aum، والتي تعد من أبرز الجماعات الدينية المتطرفة في اليابان، والتي اكتسبت شهرة عالمية منذ عام 1995، وذلك بعدما قامت بتنفيذ عملية إرهابية، قام بها خمسة أفراد من التنظيم؛ حيث وضعوا غاز السارين القاتل في محطة مترو طوكيو، والذي أسفر عن مقتل 13، وإصابة الآلاف منهم.([1])
وبدأت جماعة أوم شينريكيو، والتي تعني الحقيقة السامية Supreme Truth، كجماعة روحية في الثمانينيات، وتعتمد الجماعة في أفكارها على خليط من البوذية والهندوسية والمسيحية، واعتبرت نفسها قوة لمواجهة المادية، كما ادعى مؤسسها شوكو أساهارا Shoko Asahara، واسمه الفعلي شيزو ماتسوموتو Chizo Matsumoto، بأنه المستنير الأول في العالم منذ بوذا، كما ادعى لاحقًا بأنه المسيح، وترى المؤسسة بأنهم الفرقة الناجية الوحيدة في العالم، وأن يوم القيامة أصبح قريبًا.
وكانت الجماعة معترفًا بها رسميًّا في اليابان في عام 1989، كجماعة دينية مسموح الانضمام لها، وقد أطلقت الجماعة وعودًا للشباب بأن الدخول ضمن أفرادها سوف يتيح لهم حياة روحية خالية من تعقيدات الحياة المدنية الحديثة، لذا انضم لها الشباب خصوصًا مع محاولتهم الهرب من ضغوط الحياة والتوظيف والدراسة باليابان.
للمزيد: المسلمون في اليابان.. مشهد معقد وتبرعات مجهولة المصدر
ونجح شوكو أساهارا في ضم 100 ألف عضو لجماعته الدينية داخل اليابان وخارجها، وضمت جماعته مجموعة من خريجي الجامعات، وهم الفئة الأكثر نخبة في اليابان، وقد أقاموا في مجمع كبير أسفل سفح جبل فوجي، وذلك بهدف اكتساب التعاليم الدينية للجماعة الجديدة، كما ضم هذا المجمع ترسانة أسلحة كبيرة، ومنها غاز السارين، الذي تم تطويره من قبل النازيين، وهو ما تم استخدامه في حادث المترو بطوكيو.([2])
لذا شهدت الجماعة تحولًا كبيرًا في علاقتها بالحكومة اليابانية بعد تنفيذها لتلك العمليات الإرهابية، وقامت الحكومة بحظر الجماعة، ووضعها على قوائم الجماعات الإرهابية، والقبض على العديد من أعضائها، ومحاكمتهم، وكان آخرهم كاتسويا تاكاهاشي الذي اعتقل في يونيو من عام 2012، بعد أن ظل فارًّا لأكثر من 12 عامًا، وكذلك تم إعدام شوكو أساهار في يوليو من عام 2018.
- الجيش الأحمر.. عنف ياباني تخطى حدود الدولة
عرفت منظمة الجيش الأحمر الياباني في البداية باسم «سيكي غون»، وتم تأسيسها على يد فوساكو شيكي نوبوFusako Shigenobu ، والتي بدأت نشاطها السياسي في عام 1965، وكان يغلب عليها طابع السرية، إلا أنها قدمت نفسها للعالم في 6 من أغسطس من عام 1969، وذلك بعد انشقاقها عن صفوف «رابطة الشيوعيين اليابانيين»، وكان تبني الجيش الأحمر لسياسة الكفاح والانتفاضة المسلحة سببًا في انفصاله عن المؤسسة الأم، ما أدى إلى صراع مسلح بينهما، حتى نهاية نفس العام.
وبدأ الجيش الأحمر هجماته المسلحة في سبتمبر 1969، في مدينة أوساكا اليابانية، كتطبيق عملي للأفكار التي يؤمن بها، حيث اختطف عدة طائرات تابعة للخطوط الجوية اليابانية، ومنها طائرة بيونج 727 تحمل 129 شخصًا، قبل أن تدخل الحركة في مواجهات داخلية أدت إلى مقتل 14 من مسلحيها، وعلى الرغم من حجمه العددي الصغير فإنه كان قادرًا على إحداث التأثير اللازم في الداخل الياباني وخارجيًّا، مثلما فعلت في محاولة الاستيلاء على السفارة الأمريكية في كوالالمبور، واحتجاز السفير الفرنسي في لاهاي 1974.
للمزيد: اهتمام الجامعات اليابانية بالإسلام.. أسباب اقتصادية أم دوافع ثقافية؟
ويؤمن أعضاء الجيش الأحمر الياباني بضرورة مواجهة الأمبريالية العالمية، ممثلة في القوى العالمية مثل أمريكا، ويرجع ذلك إلى السيطرة الأمريكية على الشأن الداخلي الياباني، وهو ما كان يرفضه أعضاء الجيش، وعلى الرغم من المطاردات الأمنية لأفراده، والتي انتهت باعتقال رئيس التنظيم، فإن الجيش كان قادرًا على التعاون مع مجموعة من الأحزاب السياسية اليسارية، مثل «كاهين امب و».
وفي عام 2001، أعلنت مؤسسة الجيش الأحمر من سجنها بطوكيو، حل الجيش الأحمر الياباني، واللجوء للكفاح السلمي، معتبرة أن الآلية التي قاموا باستخدامها في كفاحهم آلية خاطئة، ما يوجب عليهم ضرورة تغييرها إلى الآليات الصحيحة.
وعلى الرغم من وجود منظمات متطرفة في التاريخ الياباني، فإن هاتين المنظمتين هما الأكثر تطرفًا ودموية لدى اليابانيين، وكلاهما يعتمد على أفكار ومعتقدات روحية وفكرية متجذرة، وظلت قياداتها داخل اليابان حتى وقت قريب، ما يعني أن تأثيرهم الفكري مازال مستمرًا داخل المجتمع الياباني.
وهذا ينذر بإمكانية ظهور أفكار متطرفة خلال الفترة القادمة داخل الدولة اليابانية، أو إمكانية استغلال بعض الجماعات المتطرفة لهذا التاريخ الدموي والفكري المتطرف، في جذب الشباب الياباني إليها، كما فعلت أوم شيرينكو.





