كوريا الشمالية.. مسجد شيعي بالداخل وتعاون مع التنظيمات الإرهابية في الخارج

تعد كوريا الشمالية من الدول المبهمة حول العالم؛ حيث لا نعرف الكثير عنها أو عن نظام الحياة بها، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وكذلك على المستوى الديني، إلا النذر القليل الذي ينشره الإعلام الغربي، وهو ما لا يمكن الوثوق به بصورة مطلقة؛ وذلك بسبب حالة الانغلاق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ ما يقارب السبعة عقود، وازداد الغموض أكثر فأكثر من خلال الخلاف ما بين كوريا الشمالية وأمريكا والدول الغربية حول البرنامج النووي لها.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن معرفة العديد من المعلومات حول طبيعة الأديان داخل كوريا الشمالية، وتحديدًا الدين الإسلامي، وكذلك يمكن التعرف على العلاقة التي تربط ما بينها وما بين حركات الإسلام الحركي في الدول العربية المختلفة من ناحية، ومن ناحية أخرى علاقتها بإيران.
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن تعداد كوريا الشمالية يزيد عن 25.7 مليون نسمة في عام 2018، ويعيشون على مساحة 120 ألف كيلومتر تقريبًا، ويبلغ متوسط عمر الفرد داخل الدولة الكورية 34.3 عام، أي أن معظم المواطنين في مرحلة متوسطة من عمرهم.([1])
وعلى المستوى الداخلي، يدعم الدستور الكوري الشمالي حرية المعتقد الديني، ويسمح للمواطنين باعتقاد أي دين يؤمنون به، إلا أن الدولة تعد دولة ملحدة؛ حيث لا يوجد إحصاء رسمي من قبل السلطات حول عدد الذين يدينون بدين محدد داخل الدولة، كما تتم مراقبة الجماعات الدينية بشكل عام في كوريا الشمالية، وتشير بعض التقارير إلى أن هناك حملة ضد الجماعات الدينية المستقلة في البلاد.([2])
ويظهر ذلك في تقرير منظمة مراقبة أوضاع المسيحيين في أمريكا، والتي وضعت كوريا الشمالية لمدة 16 عامًا متتالية كأسوأ دولة يمكن أن يعيش بها المسيحيون، وذلك على رأس قائمة من 50 دولة حول العالم، وذلك يدل على صعوبة الأوضاع الدينية بها.([3])
أما بالنسبة للدين الإسلامي، فإنه لا توجد دلائل على وجود مسلمين في كوريا الشمالية مثلما هو الحال مع البوذية أو الكونفوشوسية، والتي يؤمن بها العديد من الأفراد داخل كوريا الشمالية، ويرجع ذلك إلى الطبيعة الإلحادية التي تصر عليها دولة كوريا الشمالية ([4])، وتشير بعض الإحصائيات في عام 2009 بأن عدد المسلمين بلغ 2000 مواطن([5]).

وعلى الرغم من ذلك، يوجد هناك مسجدًا واحدًا في العاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج، وتم بناؤه بواسطة السفارة الإيرانية، ويوجد بالقرب من مبنى السفارة، ويدعى مسجد الرحمن، ويعتمد المسجد على المعمار الشيعي في بنائه، وتسمح السفارة الإيرانية للمسلمين الموجودين في الدولة بممارسة الشعائر الدينية داخل المسجد مثل صلاة الجمعة؛ حيث نشر عدد من الإندونيسيين الموجودين هناك صورًا لهم من أمام المسجد.([6])
وهذا يشير إلى أن المذهب الشيعي هو المسيطر على الفكر والجالية الإسلامية القليلة الموجودة هناك، وهذا ينذر بأنه في حال رغبة كوريا الشمالية في تغيير موقفها تجاه الأديان، فإن الفكر الشيعي سوف يكون في الصدارة داخل الدولة الكورية.
كما أن رغبة الدولة الكورية الشمالية في عدم وجود موطئ قدم للأديان المختلفة داخل بلادها، أسهم في منع ظهور دراسات أكاديمية تعمل على دراسة وفهم الأديان المختلفة، سواء كانت سماوية أو غير سماوية، كما هو الحال في اليابان.

للمزيد: اهتمام الجامعات اليابانية بالإسلام.. أسباب اقتصادية أم دوافع ثقافية؟
أما على الجانب الخارجي، فإن كوريا الشمالية تمتلك علاقات وطيدة مع كل من إيران، ومنظمات وميليشيات الإسلام الحركي في منطقة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى عاملين مهمين، الأول أن هذه المنظمات تتوافق مع الدولة الكورية الشمالية في عداوتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والعامل الثاني أن هذه الميليشيات تشتري السلاح الكوري؛ نظرًا للحظر العالمي ضدها في مسألة التسليح.
أما عن علاقتها مع إيران، فإنها تأخذ شكلين، أحدهما سياسي، والآخر عسكري، أما على الجانب السياسي، فإن إيران تمتلك علاقات دبلوماسية قوية مع كوريا الشمالية، ويظهر ذلك في وجود سفارة إيرانية داخل بيونج يانج، على الرغم من الأزمات الدبلوماسية والسياسية التي تعرضت لها الدولة الكورية.
كما أن البلدين يتبادلان الزيارات السياسية، وتعد آخر زيارة ما بين الطرفين تلك التي قام بها ري يانج هوو، وزير خارجية كوريا الشمالية، إلى طهران، في أغسطس 2018؛ للقاء محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وجاءت تلك الزيارة في ظل توتر كبير في العلاقات ما بين إيران وكوريا الشمالية.
ولم يكن هذا اللقاء هو الأول ما بين وزير الخارجية الكوري الشمالي ومسؤولين في إيران؛ حيث التقى، في أبريل 2018، وفدًا إيرانيًّا رفيع المستوى في مدينة باكو بأذربيجان، على هامش اجتماع حركة دول عدم الانحياز.
كما زار كيم يونج يام، الرجل الثاني في النظام السياسي الكوري الشمالي ورئيس الهيئة التشريعية، طهران، في زيارة مطولة، في أغسطس من عام 2017، وذلك لحضور تسلم الرئيس حسن روحاني مقاليد الحكم للمرة الثانية، واختلفت وسائل الإعلام حول مدة الرحلة؛ حيث تراوحت المدة المعلن عنها ما بين 4-10 أيام.([7])
وكانت إيران حاضرة خلال التقارب الكوري الأمريكي الأخير؛ حيث صرح محمد باقر، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، بأن بلاده تحذر كوريا الشمالية من الاتفاق مع أمريكا، معللًا ذلك بأن أمريكا قد تلغي أي اتفاق بينهما بعد ساعات من نزع السلاح النووي الكوري الشمالي.
أما على جانب العلاقة العسكرية، فإن علاقات مهمة تربط ما بين الدولتين، خصوصًا أن كلاهما يهتم بتطوير برنامجه النووي والعسكري، وذلك لمواجهة التهديد الأمريكي المتزايد، ويظهر ذلك في تحذير خبراء الأمم المتحدة، من أن هناك تعاونًا وثيقًا ما بين نظامي كوريا الشمالية وإيران، خصوصًا في مجال صناعة الصواريخ.
وأشار العديد من التسريبات الإعلامية إلى أن هناك شحنات من الصواريخ الباليستية تم نقلها إلى إيران من كوريا الشمالية؛ حيث تسعى كوريا الشمالية إلى بيع الصواريخ وشحنات الأسلحة، للحصول على الأموال؛ لمواجهة الضغوط الغربية.([8])
وتشير العديد من التقارير الصحفية إلى أن هناك تشابهات ما بين الصواريخ الإيرانية والصواريخ الكورية الشمالية؛ حيث صممت الغواصة الإيرانية «ميدجيت» على غرار الغواصات الكورية، كما تمتلك 4 غواصات من النوع Yugo الكورية الشمالية، كما أن الصاروخ الكوري الشمالي «موسودان» يوجد نظير له لدى إيران.
كما أن هناك تكامل ما بين الدولتين في صناعة السلاح؛ حيث طورت كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات، ولكنه مزود برأس نووي حربي متطور، وهذا السلاح قادر على الوصول إلى أراض الولايات المتحدة الأمريكية.
أما على مستوى التنظيمات والميليشيات الإسلاموية، فقد ذكر تقرير لصحيفة «صنداي تليغراف»، في عام 2014، بأن حركة حماس تسعى لتوقيع صفقة صواريخ ومعدات اتصالات مع كوريا الشمالية، وذلك عن طريق شركة تجارية في بيروت، وأبرز التقرير أن الاتفاق قد تم وتسلمت الدولة الكورية الدفعة الأولى من الأموال.
وفي العام نفسه، ذكرت تقارير صحفية أن كوريا الشمالية أبرمت صفقة أسلحة متطورة مع حزب الله، وفي سياق منفصل ذكرت صحيفة «القضاء»، التابعة للقضاء العراقي، أن «أبومنصور المغربي»، القيادي في تنظيم داعش، اعترف بأن التنظيم سعى إلى الحصول على أسلحة كيماوية من كوريا الشمالية بتمويل قطري، إضافة إلى الحصول على أسلحة نوعية متطورة.
للمزيد: المسلمون في اليابان.. مشهد معقد وتبرعات مجهولة المصدر

وقد نفت كوريا الشمالية، في نوفمبر من عام 2015، أي علاقة تجمعها بتنظيم داعش، واصفة إياه بالتنظيم الإرهابي، واعتبرت أن التصريحات التي تجمع ما بين الدولة الكورية وما بين التنظيمات والميليشيات الإرهابية حول العالم، ما هي إلا صنيعة المخابرات الأمريكية والكورية الجنوبية، معتبرة أنها «أخبار سخيفة مضحكة».([9])
والتشابه في شكل وتصميم الأسلحة الكورية الشمالية مع نظيرتها الإيرانية، وكذلك اعترافات قادة بعض تنظيمات الإسلام الحركي الإرهابية وغيرها، كلها دلائل على أن هناك علاقة قوية ما بين الطرفين، ولكن الإنكار الكوري يسعى إلى عدم توريط الدولة في أزمات خارجية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، خصوصًا أن تحركاتها الخارجية، في جزء كبير منها، اقتصادية بالأساس.
[1] - North Korea Population, Available at https://bit.ly/2pf2lg8.
[2] - Fawaz Kheliwi, Are there any Muslims in North Korea?, Available at https://bit.ly/2ELkw4d.
[3] - Kimberly Winston, North Korea is worst place for Christian persecution Group says, Available at https://bit.ly/2QNKZVb.
[4] - Fauziah Fathil, Islam in Minority Muslim Countries: A Case on Japan and Korea, World Journal of Islamic History and Civilization, Kulliyyah of Islamic Revealed Knowledge and Human Science (KIRKHS), International Islamic University Malaysia (IIUM), 2011, p.131.
[5] - The Guardian, The World in Muslim populations Every country listed, Available at https://bit.ly/2LoODik.
[6] - MuslimPress, The First and the Only mosque in North Korea, Available at https://bit.ly/2ENFzU2.
[7] - Jay Solomon, High-Level Contacts between North Kotra and Iran hint at deeper Military Cooperation, Washington institute, Available at https://bit.ly/2BD6gqg.
[8] - Jeffrey Lewis, North Korea-Iran Nuclear Cooperation, Available at https://on.cfr.org/2GH0WYH.
[9] - JH. AN, N. Korea denies ties with Islamic state acts of terrorism, Available at https://bit.ly/2LAzA5l.