هجوم «ستراسبورج» يكشف المسكوت عنه في عاصمة «أعياد الميلاد»
شهدت المدينة القريبة من الحدود الفرنسية ـــ الألمانية، هجومًا إرهابيًا الأسبوع الماضي، في حادث جديد يكشف حجم التعامل الأمني الذي تحتاج إليه الدول الأوروبية في التعامل مع المسجلين على قوائم «التطرف»، خاصة في مدينة تتضمن نحو 10% من عدد هؤلاء في فرنسا.
«عاصمة أعياد الميلاد» في أوروبا، هكذا يطلق على «ستراسبورج»، التي كانت ضمن الأراضي الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها عادت لتكون تحت السيادة الفرنسية بعد الحرب، وتتضمن سوق الميلاد – موقع الحادث-، والذي يعد سببًا لشهرة المدينة، التي تحتوي أيضًا مقرات مؤسسات أوروبية كبيرة مثل البرلمان الأوروبي.
لكن الهجوم الذي نفذه شاب مرصود أمنيًّا، فتح الباب أمام التعامل الأمني في أوروبا، وخاصة فرنسا، مع المشتبه بهم في تبني أفكار متطرفة، قد تفضي إلى أعمال إرهابية.
وقالت السلطات الفرنسية، إن منفذ هجوم ستراسبورج «شريف شيخات»، البالغ من العمر 29 سنة، والذي قتل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن الفرنسية - كان معروفًا لدى الأجهزة الأمنية بنشاطه الإجرامي، ومدرجًا في قائمة «إس» التي تضم الأشخاص الذين يشكلون خطرًا على الأمن القومي الفرنسي.
وقال رئيس نيابة مكافحة الإرهاب ريمي هايتز إن المطارد «معروف جدًا» لدى القضاء بسوابق جرائم حق عام في عمليات سرقة وعنف، وسبق أن حكم عليه 27 مرة في فرنسا وألمانيا وسويسرا وسبق أن سجن عدة مرات.
وبحسب ما نقله موقع «فرانس 24» عن النائب العام، كان المشتبه به قد تطرف في السجن ورُصد «سلوكه المتشدد» في 2015، ما جعل اسمه يُدرج في سجلات الإبلاغ للوقاية من التطرف ذي الطابع الإرهابي.
ويقول لورنزو فيدينو مدير برنامج التطرف، في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، إن تعامل أجهزة الاستخبارات في أوروبا، مع المشتبه فيهم بتبني أفكار جهادية يكون محدودًا نتيجة عدد من العوامل، على الرغم من وضع هؤلاء الأشخاص تحت المراقبة.
ويشير إلى أنه تم رصد 76 هجومًا جهاديًَّا في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في السنوات الأخيرة، وكان أكثر من نصف الجناة في هذه الهجمات، في قائمة مراقبة خدمات الأمن.
ويقول «فيدينو»، في تحليل نشرته «بي بي سي» إن إجراءات أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون الغربية محدودة بسبب عدد من العوامل، وهو ما يفسر سبب تمتع الأفراد المعروفين لدى السلطات بـ«المتطرفين»، بالحرية في البقاء جزءًا من المجتمع، وفي بعض الأحيان يستمرون في شن هجمات.
ويضيف الكاتب، أنه حتى لو تلقت الشرطة أوامر المحكمة التي غالبًا ما تكون مطلوبة للمراقبة، فإن مسؤولي إنفاذ القانون والمخابرات يواجهون المشكلة الثانية وهي الموارد النادرة، فالتجربة الفرنسية، وإن كانت أكثر وضوحًا من تجربة جميع البلدان الغربية الأخرى، فإنها تعكس هذا التحدي تمامًا.
وتُدرج السلطات الفرنسية حاليًا أكثر من 20 ألف شخص في فئة «إس»، وهي الفئة المستخدمة للدلالة على الأفراد المتطرفين، وشملت هذه القائمة شريف شيخات منفذ هجوم ستراسبورج، ويعد رصد كل هؤلاء تحديًا لا يمكن التغلب عليه، إذ أن مراقبة المشتبه به على مدار الساعة تتطلب عادة نحو 25 مسؤولاً في أي يوم، ولمراقبته لمدة 24 ساعة طول الأسبوع، يتطلب ذك نصف مليون من مسؤولي الاستخبارات، بحسب «فيدينيو».
وفي مقال لهنري صامويل، نشرته صحيفة «صانداي تايمز» قال الكاتب إن الأرقام تشير إلى أن مدينة ستراسبورج، تشهد انتشارًا واسعًا لما يمكن تسميته «التطرف الإسلامي»، فيما كشف عمدة المدينة، رولان ريس، أن 10% من المسجلين في قوائم الخطر لدى أجهزة الأمن يقيمون في ستراسبورج، ويبلغ عددهم 2500 شخص، بحسب كاتب المقال.
ويرى محامون متخصصون في الإرهاب أن ستراسبورج معقل للمتطرفين في فرنسا، وفقا للمقال.
وظهرت ستراسبورج أول مرة على خريطة التطرف في فرنسا عام 2000، عندما أحبطت أجهزة الأمن خطة من تدبير تنظيم القاعدة لتفجير كنيسة في المدينة، ومنذ ذلك الحين، تتوالى الهجمات الإرهابية التي تستهدف مدينة «أسواق عيد الميلاد»، وشهدت المدينة أيضًا بالتوازي مع تلك العمليات انضمام عدد من الشباب للفكر المتطرف، وهو ما يراه الخبير الاجتماعي، فرهاد خسرو خافار، نتيجة لشعور شباب الضواحي التي يقيم فيها المهاجرون بأنهم مهمشون بسبب أصولهم، على الرغم من «ثراء مدينتهم الفاحش».
وكان شيخات، من أصول جزائرية، له سوابق إجرامية، وكان يعلق صورة لأسامة بن لادن في زنزاته بالسجن، عندما كان عمره 19 عامًا.
ويرى «خافار» أنه ليس إسلاميًّا متطرفًا وإنما ينتمي إلى «نوع جديد من الإرهابيين»، بدأ ينتشر منذ سقوط تنظيم داعش وهم في الغالب أشخاص يتحركون بشكل فردي ولا يعرفون إلا القليل عن الإسلام، ويشعرون بأنهم منبوذون بسبب ماضيهم الإجرامي، ويعيشون في ظروف تشجع على اعتناق الأفكار المتطرفة.





