أبرز الجهود المصرفية الدولية لمحاصرة أموال الإرهاب
الخميس 26/أبريل/2018 - 03:39 م

محمود عبد الواحد رشدي
وضعَ المجتمع الدولي جرائم غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب في مقدمة أولوياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين، إذ إن البنوك والمصارف الدولية تتحمل مسؤولية كبيرة في عملية تجفيف منابع الإرهاب، التي تتلقى تمويلها عبر الأدوات البنكية، ولذا تُعتبر المؤسسات المصرفية والمالية من أكثر الجهات استهدافًا من قبل غاسلي الأموال، والإرهابيين، وذلك لإخفاء هوياتهم ومصادر أموالهم.

وفي هذا السياق أُنشئت (FATF)، وهي اختصار عبارة «مجموعة العمل الدولية لمكافحة الإرهاب»، (Financial Action Task Force)، وتقوم هذه المنظمة بجهود لوضع المعايير المتعلقة بمكافحة عمليات غسيل الأموال، وإجراء تقييم لمدى الالتزام بتطبيق تلك المعايير والتوصيات.
وعلى صعيد الدور الأول، قامت المجموعة بوضع 40 توصية خاصة بمكافحة عمليات غسيل الأموال، أهمها: تجريم عمليات غسيل الأموال ومصادرة عائداتها، والتأكيد على مسؤولية المؤسسات المالية والمصرفية في التعرف على هوية عملائها والاحتفاظ بسجلات مكتملة عنهم، ورفع تقارير بالعمليات المشبوهة للسلطات المعنية.
أما الدور الثاني فتقوم (FATF) بفحص مدى التزام الدول بتطبيق التوصيات ومدى توافق التشريعات والممارسات المطبقة مع التوصيات، وفي حال وجود خلل أو قصور فيها تُصنف الدولة بأنها غير متعاونة، ومن ثم تفرض عليها عقوبات اقتصادية.
وللبنك الدولي وصندوق النقد تحديدًا، أهداف واحدة فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، كما أنهما يعملان معًا، لتحقيق هذه الأهداف.

البنك الدولى
إجراءات البنك الدولي وصندوق النقد في مكافحة الإرهاب:
في أبريل 2001، أقر مجلسا المديرين التنفيذيين للبنك والصندوق الدوليين، أن غسيل الأموال يُعتبر مشكلة تؤرق العالم، وتُؤثر سلبًا على أسواق المال الرئيسية والصغيرة، وأدرك البنك الدولي أن غسيل الأموال يُمكن أن يفرض تكاليف مهمة على البلدان النامية، كما أدرك صندوق النقد الدولي أن لغسل الأموال مجموعة واسعة من العواقب المؤثرة على الاقتصاد الكلي.
وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الامريكية، اعتمد مجلسا المديرين التنفيذيين للبنك وصندوق النقد الدولي، خطط عمل لتعزيز جهود مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أقر المجلسان في يوليو وأغسطس 2002، التوصيات الأربعين بشأن مكافحة غسيل الأموال والتوصيات التسع الخاصة بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، الصادرة عن فريق العمل المعني بالتدابير المالية بشأن مكافحة الأموال، باعتبارها المعايير المعنية بالنسبة لمكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الارهاب.
أيضًا أضاف المجلسان مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى قائمة المجالات المقيدة لكل عملياتهما وقوانينهما في شأن التعاون بين البلدان، وشرعا في نوفمبر 2002 بتنفيذ برنامج عمل تجريبي مدته 12 شهرًا باستخدام طريقة تقييم عام شامل بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
في فبراير 2004، وافق المجلسان التنفيذيان للبنك والصندوق، على جعل تقييمات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وأنشطة تنمية القدرات، جزءًا ثابتًا من عمل الصندوق.
في مارس 2004، قرر المجلسان، جعل العمل على مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب جزءًا دائمًا من أنشطة الصندوق والبنك الدوليين، واستمرار تعاونهما مع فريق العمل المعني بالتدابير المالية بشأن مكافحة غسيل الأموال والمصادقة على توصيات هذا الفريق، باعتبارها المعيار الجديد الذي يتم بمقتضاه إعداد التقارير الخاصة بمكافحة الإرهاب.

صندوق استئماني
وفيما يخص تنمية القدرات، دشن صندوق النقد الدولي في أبريل 2009 صندوقًا استئمانيًا يدعمه المانحون –وهو الأول في سلسلة الصناديق الاستئمانية (TTF)– لتمويل تنمية القدرات في مجال مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتهت المرحلة الأولى من عمليات هذا الصندوق في أبريل 2014، في ضوء نجاح البرنامج واستمرار الطلب الكبير على تنمية القدرات في هذا المجال.
وفي الأول من يونيو 2011، ناقش المجلس التنفيذي للبنك والصندوق تقريرًا يتضمن استعراضًا لتطور برنامج الصندوق المعني بمكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب على مدار السنوات الخمس السابقة، ويُقدم إرشادات لكيفية المضي قدمًا في هذا المسار.
وقد بدأ الصندوق الاستئماني مرحلة جديدة اعتبارًا من مايو 2014، وتعهد المانحون مجتمعين (فرنسا واليابان ولكسمبرج وهولندا والنرويج وقطر والمملكة العربية السعودية وسويسرا والمملكة المتحدة) بتقديم أكثر من 25 مليون دولار أمريكي لدعم هذه المرحلة الجديدة على مدار السنوات الخمس.
ويُعتبر الصندوق الاستئماني المواضيعي مكملًا للحسابات الموجودة بالفعل، والتي تُستخدم لتمويل أنشطة صندوق النقد الدولي المعنية بتنمية قدرات البلدان الأعضاء في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يصل بعدد البلدان المستفيدة إلى أكثر من 30 بلدًا سنويًّا، ويصل بالقيمة الكلية للمساعدة الفنية والتدريب المباشرين إلى أكثر من 6.5 مليون دولار أمريكي سنويًّا.
في 12 مارس 2014، راجع المجلس التنفيذي للصندوق استراتيجية الصندوق لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ومن أبرز نتائج المراجعة أنه:
(1) أقر المعيار ومنهجية التقييم المعدلة ذات الصلة، الصادرين عن فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال.
(2) شجع خبراء الصندوق على مواصلة جهودهم لإدراج قضايا النزاهة المالية ضمن أعمالهم الرقابية، وفي سياق البرامج التي يدعمها الصندوق، عندما تكون لهذه القضايا أهمية كبيرة في الحصول على تأكيدات التمويل أو تحقيق أهداف البرنامج.
(3) قرر ضرورة الاستمرار في معالجة قضايا غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في كل برامج تقييم القطاع المالي، ولكن على أساس أكثر مرونة.

اتجاهات إقليمية موازية لسياسات البنوك الدولية
أخذ أيضًا عدد من المصارف الدولية الخاصة، على عاتقها مهمة مكافحة الإرهاب؛ حيث تُعد تلك البنوك من أهم قنوات غسيل الأموال عالميًّا؛ وذلك للحاجة المتزايدة لغاسلي الأموال من أجل استخدام النظام المصرفي والمالي لتوفيره إمكانيات مغرية لتمرير العمليات المشبوهة.
ولذا باشرت تلك البنوك مجموعة من الإجراءات الوقائية لمنع استخدم البنوك والمؤسسات الدولية في جرائم غسيل الأموال؛ حيث تنوعت تلك الإجراءات الوقائية الهادفة إلى ضبط ومصادرة العائدات الإجرامية، ومنها التحقق من هوية العميل، وحفظ السجلات المالية، وتطوير أنظمة الرقابة الداخلية.
وفي هذا الإطار، وضعت تلك البنوك إجراءات كشف عمليات غسيل الأموال للرقابة على حركة الأموال التي تمول العمليات المشبوهة، ومن تلك الإجراءات تقييد التعامل بالدفوعات النقدية، وإخضاع بعض العمليات لرقابة خاصة، والرقابة على الحوالات، والرقابة على العمليات المالية غير العادية، وتشديد الرقابة على العمليات المالية التي تتم مع البلدان غير المطبقة لمكافحة غسيل الأموال.

ومن تلك البنوك على سبيل المثال لا الحصر:
اتحاد المصارف العربية: في عام 1994، عقد المؤتمر العربي الثامن لرؤساء أجهزة مكافحة غسيل الأموال، وتم إصدار التوصية بضرورة التنسيق بين المؤسسات المالية والأجهزة الأمنية في البلدان العربية، للتعرف على الأساليب والحيل المستخدمة في عمليات تبييض الأموال، وفي عام 2002 ظهر مشروع القانون العربى النموذجي الاسترشادي لمكافحة عمليات غسيل الأموال ضمن أعمال وتوصيات المؤتمر العربى السادس عشر لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات، ونظم اتحاد المصارف العربية لقاءات عدة في نيويورك على هامش أعمال «القمة المصرفية العربية-الأمريكية» في دورتها الخامسة، التي شهدت الإعلان عن تشكيل مجموعة العمل العربي لمديري الالتزام، ومن أهم مهامها التواصل مع الجانب الأمريكي للوصول إلى أفضل العلاقات المصرفية العربية-الأميركية ضمن برنامج فعّال لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
بنك HSBC: قام بإطلاق برنامج «HSBC Safeguard» وهو عبارة عن سلسلة من المبادرات المصممة لتوفير الحماية لعملائه من عمليات الاحتيال والجرائم المالية عبر مختلف العمليات والأنظمة العالمية، كما تهدف إلى تعزيز القدرة على مكافحة عمليات غسيل الأموال والتهرب من العقوبات.
البنك التجاري الدولي: قرر أيضًا الالتزام بتوصيات مجموعة العمل المالي (FATF)، ومبادئ ولفسبرج (Wolfsburg) لمكافحة غسيل الأموال لعملاء الخدمات المصرفية الخاصة والبنوك المراسلة، ومتطلبات لجنة بازل، كما يُطبق تدابير معقولة للحصول على المعلومات التي تكشف الهوية الحقيقية للعملاء من أجل ضمان أن أنشطتهم مشروعة، وقد وضع البنك التجاري الدولي سياسات وإجراءات مكتوبة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.