يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

قراءة في مستقبل العلاقة بين الكرد والقبائل العربية شرق الفرات

الأحد 02/ديسمبر/2018 - 02:32 م
المرجع
رحاب عليوة
طباعة
قراءة في مستقبل العلاقة

يبدو أن أدوارًا مستقبلية تُجهز للقبائل العربية في منطقة شرق الفرات، من قِبَل الأطراف المتداخلة في المشهد السوري، إذ ثمة مؤشرات على رهانات للنظام السوري وتركيا، صاحبي المصلحة المشتركة في تقويض نفوذ الأكراد داخل المنطقة، على القبائل العربية صاحبة الأغلبية بين المكونات العرقية المختلفة في تلك المناطق، فيما ترتفع التحديات في وجه الإدارة الذاتية للأكراد وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية في شأن المكون العربي.

قراءة في مستقبل العلاقة

وتُعقد الرهانات حول فرض مزيد من الضغوطات على «الحكم الكردي الذاتي» لتلك المناطق، ممثلًا فيما يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل إضعاف قبضته من الداخل، في وقت ترتفع فيه التحديات في وجه «قسد» مع هجمات مضادة لتنظيم داعش الإرهابي، حصدت عشرات من مقاتلي قسد على مدار الأيام الماضية، إضافة إلى القصف التركي لتلك المناطق، والتهديد باجتياح بري، فضلًا عما تناقلته وسائل إعلام سورية أخيرًا، من استعدادات الجيش السوري للهجوم على مناطق آبار النفط شرق الفرات لاستعادتها من سيطرة «قسد».


ونقل موقع وكالة «سبوتنيك» الروسية عن صحيفة «الوطن» في 28 نوفمبر الماضي، أن الجيش السوري وحلفاءه يحضرون للهجوم على آبار النفط ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» قرب دير الزور، وذكرت تقارير أخرى اسم لواء الباقر الموالي للنظام كأبرز المستعدين لشن الهجمات، ولواء الباقر يضم بعضًا من أبناء قبيلة «البكارة» من مؤيدي النظام، علمًا بأن القبيلة منقسمة على ذاتها بين قوى متعددة.


ومن ثم، فللنظام السوري حلفاء في منطقة شرق الفرات، متمثلة في بعض الألوية العسكرية المسلحة، وبعض القبائل، ويشير الباحث في الشأن السورى، الدكتور محمد فراج أبو النور، إلى أن مناطق شرق الفرات تضم عوائل وعشائر مناصرة للنظام السوري، لكنها لم تكن فاعلة خلال الفترة الماضية في ظل موازين القوى التي لم تكن في صالحها، وتوقع ارتفاع فاعلياتها مستقبلًا، قائلًا: قد يسعى النظام إلى تقليب مناطق شرق الفرات من الداخل، لافتًا إلى أن كل نجاح تحققه القوات السورية في الجنوب، يُلقي بصداه شمالًا.


وأشاد «أبوالنور» في تصريح لـ«المرجع» بتعامل النظام السوري بـ«ذكاء» مع ملف الأكراد، قائلًا: النظام دخل في محادثات معهم في يوليو وأغسطس الماضيين، واستجابوا لطلبات قسد بالتعاون معها فيما يتعلق بالإدارة، إذ أرسلوا فنيين لترميم السدود ومتابعة الآبار وغيرها من الأمور الإدارية، وفيما ذهب البعض إلى أن النظام بذلك يمهد لإطلاق يد «قسد» في الإدارة الذاتية، كان في الحقيقة يتسلل ببطء داخل مناطق سيطرتهم، ويعمق نفوذه فيها، ويستقطب مزيدًا من أبناء القبائل، بحيث يجد ظهيرًا شعبيًّا داعمًا له عند التحرك لاستعادة النفوذ الرسمي على منطقة شرق الفرات.


وكان الرئيس السوري بشار الأسد أكد في مايو الماضي أن «قسد» أمامها خياران «المفاوضات أو الحسم العسكري»، فيما أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أكتوبر الماضي، أنهم لن يقبلوا بطرح الأكراد حول الكاتدرائية، قائلًا: لا نقبل فيدرالية، ولا هذه المخالفات للدستور السوري.. عليهم أن يدفعوا ثمن التمسك بالوهم الأمريكي إذا ما قررا ذلك.

قراءة في مستقبل العلاقة

القبائل العربية.. بين «قسد» والنظام وتركيا

يتمركز عدد من القبائل العربية العريقة في مناطق شرق الفرات، ويمتد نفوذها ويتسع مقدرًا بملايين الأبناء وآلاف الكيلومترات في عمق مناطق الشمال الشرقي، ما يعني أن ضمان ولاء أو استقطاب عوائلها، عنصر حيوي في الضغط تمهيدًا لحسم الوضع المرتقب شرق الفرات، والتي تعد أكثر الساحات السورية حساسية لتمركز العنصر الأمريكي فيها، ما يرفع كلفة أي عملية عسكرية مباشرة.


وتجدر الإشارة إلى أن العنصر العربي لم يكن غافلًا عن الإدارة الامريكية، والأكراد، إذ حرصا عند تأسيس قسد في أكتوبر من العام 2015 على تضمينها القبائل العربية، لتقديمها كقوى وطنية تضم كل الأطراف والعناصر الممثلة لمنطقة شرق الفرات لمقاتلة تنظيم داعش، وليس قوى عرقية تعزز مخاوف الانفصال، في حين أن الواقع يُشير إلى سيطرة الأكراد على قسد. 


ويقول مرصد الشمال السوري «NSO » عن ذلك، إن وحدات حماية الشعب الكردية دأبت على فرض سيطرتها بشكل كامل على هيكلة وبناء الفصائل التي تنضوي تحت راية قسد، وأنها لا تسمح للقوى العربية بتكوين طابور أكثر من 60 مقاتلًا، والقيادة المباشرة تكون لمقاتل كردي حصرًا.

 

وأبرز القبائل العربية الموجودة شرق الفرات قبائل «العكيدات والبكارة والدليم والجبور والحديديين والفواعرة والعساسنة».


وتشهد القبائل انقسامات، فيما تعد قبيلة البكارة من القبائل التي شاركت في تكوين قسد في العام 2015، وتعد شباب القبيلة من المكون الرئيسي لقوى قسد في بعض القرى، وجاء تحول شيخ القبيلة نواف البشارة في مطلع العام 2017 دعمه للنظام، وانسلاخه من صفوف المعارضة، ليؤدي إلى انقسامات في القبيلة، وانخرط بعض من شبابها في ألوية عسكرية مؤيدة للنظام، منها ما سبق وذكرناه لواء الباقر، إذ قتل فيه نجل شيخ القبيلة خلال مشاركته في عمليات القتال، وأسس بدعم من النظام «فيلق أسود عشائر سوريا»، علمًا بأن تسجيلًا صوتيًّا سرب لنواف في يناير 2018 يتحدث فيه تسوية مع النظام، ويطالب من يتحدث إليه بتبليغ أبناء قبيلة البكارة والقبائل الأخرى، ممن نزحوا إلى بيروت عن فرصة لتسوية مع النظام، والانخراط في فيلق العشائر التابع للحرس الجمهوري.


وفي الوقت الذي كان شيخ البكارة ينشط في جذب أبناء القبيلة إلى صفوف النظام السوري ضد قسد، ارتفعت حدة توترات الأجواء بينهما مع إقدام «قسد» على اعتقال قائد كتائب البكارة ياسر الدحلة في مدينة الحسكة مع عدد من معاونيه، وذلك بتهمة «مخالفة الأوامر العسكرية»، قبل أن تطلقه في غضون أيام.


وأرجع مرصد الشمال السوري اعتقاله آنذاك إلى عدم عودته إلى قيادة قسد في المناطق التي سيطر عليها خلال قتالهم تنظيم داعش، وتصرفه كقائد منفرد من حيث هيكلة كتائبه وإدارة المساحات التي انتزعها، ولفت المرصد إلى تهم لم يتم الإعلان عنها من بينها «نشره حواجز تسمح للنازحين الدخول إلى القرى بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة أمنيًّا، وهو ما لا تسمح به قسد، التي تحتجز النازحين في المناطق التي تسيطر عليها».


والبكارة تعد نموذجًا بارزًا على العلاقة بين القبائل العربية والأطراف المختلفة، إذ لم يقتصر تعاونها على «قسد» و«النظام السوري»، بل كان زعماء لها ضمن زعماء قبائل اجتمعوا في مدينة أورفة التركية في أبريل الماضي، للتحضير للسيطرة على شرق الفرات، وذلك بدعوة من أحد مشايخ البكارة خالد الخلف، معلنين دعمهم لـ«الجيش التركي» لإعادة المنطقة التي «هجروا منها».

 

وحضر الاجتماع زعماء ورموز عشائرية من سوريا ينحدرون من الفواعرة، الحديديين، الجبور، العساسنة، عدوان، العكيدات، وغيرها، كما نقل الموقع عن مصدر قبلي أن لقاء جمع زعماء القبائل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في فبراير الماضي.


وهكذا يتضح محورية ورقة «القبائل العربية» بالنسبة لكل من النظام السوري وتركيا في الضغط على «قسد»، ومحاربتها من الداخل، علمًا بأن الشهور الأخيرة زادت حدة التوترات بين بعض القبائل العربية وسط اتهامات لـ«قسد» بتجنيد أهالي القبائل قسرًا، ودفعهم في محرقة للحفاظ على نفوذهم، ما يؤدي بقسد إلى صدامات مع القبائل، واعتقال العشرات ومداهمة منازلهم في بعض القرى، ومن ذلك ما وقع في أكتوبر الماضي من دهم عناصر في قسد لمنازل لعشيرة البوفريو (قبيلة الدليم) في قرية أبوالنيتل في ريف دير الزور.


ونقل موقع «المدن» عن أحد الأهالي الإشكالات إلى تجاوزات عناصر قسد المحليين والأجانب، بحق أبناء القرية، عدا عن الابتزاز والاعتقالات العشوائية والخطف على الطرقات، بأمر من قيادات محلية أن قسد كانت تفرض إتاوات على الناس، خاصة عندما كان لها نقاط عسكرية على أطراف القرية.


وقبل أيام صدرت بيانات من عدة قبائل ضد قسد، لكن الأخيرة عزتها إلى «المخابرات التركية»، مستشهدة بذلك على صياغة البيانات الواحدة.


ويقول الإعلامي الكردي أحمد قطمة لـ«المرجع» حول قضية التجنيد الإجباري: إن وحدات حماية الشعب تكونت في العام 2012، بالاعتماد على تطوع المقاتلين، وكانوا في الغالب من المكون الكردي، إضافة إلى بعض العرب، لكن بعد شن التنظيمات التكفيرية المتمثلة في جبهة النصرة وداعش الهجمات على المناطق الكردية والرقة ومنج والطبقة ودير الزور شمال سوريا، كان لا بد من تشكيل قوة أكبر من وحدات حماية الشعب، التي لن يسمح تعدادها وسلاحها من مواجهة كل تلك التنظيمات المدعومة أساسًا من تركيا، فالجميع يدرك أن عشرات آلاف الجهاديين قد تم تمريرهم إلى سوريا عبر الأراضي التركية والمطارات التركية، وبالتالي جاءت الضرورة بتشكيل قوات سوريا الديمقراطية في العام 2015، بدعم من التحالف الدولي لتضم المكونات السورية جميعها من العرب والكُرد وتركمان ومسيحيين وشركس.


وأضاف: بالموازاة ومع تشكيل الإدارة الذاتية وهي بمثابة حكومة محلية، تضم بين ثناياها مختلف المؤسسات، ومنها المجلس التشريعي، الذي يقوم بسن التشريعات الضرورية للمنطقة حسب مقتضيات حماية السكان ومستلزماتهم، حيث سن قانون واجب الدفاع الذاتي، الذي يطلق عليه البعض مسمى التجنيد الإجباري أو التجنيد الالزامي. 


وتابع: بغض النظر عن اعتراض قوى المعارضة التابعة لتركيا لهذا المشروع، فإن سن تلك القوانين من قبل المجلس التشريعي التابع للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا يمكن اعتباره ضرورة، من أجل الدفاع عن الوجود، وهنا يمكن التذكير بمثال عفرين القريب، عندما أصبحت المنطقة مستباحة من قوى متطرفة شاركت إلى جانب تركيا في احتلال أراضٍ سورية، ومنذ احتلال عفرين مارس المنصرم، تنتهك حقوق المواطنين، وتمارس شتى صنوف الترهيب والخطف والابتزاز والتتريك بحق المنطقة الكردية السورية.

قراءة في مستقبل العلاقة

الولايات المتحدة والقبائل

في إطار نفوذ الولايات المتحدة شرق الفرات، لا يمكن تحييدها عن مسألة القبائل العربية وتأثيراتها المستقبلية، ويصبح التأثير إما إيجابيًّا في صالح الأكراد باستمالة أمريكية للقبائل العربية لضمان استمرار ولائها للإدارة الذاتية، وإما تأثيرًا عكسيًّا، يلعبه دعم الأمريكيين إلى الكرد، ومن ثم دفع المكون العربي إلى الانشقاق عن الأكراد، في ظل تخوفات من نوايا الأمريكيين في المنطقة، وذلك ما يسعى النظام السورى إلى العزف عليه، إذ حذر الأسد السوريين شرق الفرات من الائتمان إلى الأمريكيين.


والتأثير الأخير ظهر على الساحة عمليًّا، عبر تأسيس مجموعات مسلحة على الأرض، تعمل ضد المشروع الأمريكي الكردي، وتصف الأمريكان بالاحتلال، أبرزها المجموعة المعروفة بـ«المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية»، والتي دونت عبارات ضد الأمريكان في مناطق شرق الفرات، ووزعت منشورات، ومنها «المقاومة الشعبية بالمنطقة الشرقية 4 مايو 2018، يسقط الاحتلال الأمريكي وأذنابه».

الكلمات المفتاحية

"