تداعيات استقالة «ليبرمان».. ودلالتها على مستقبل حكومة «نتنياهو»
الخميس 22/نوفمبر/2018 - 12:28 م

إيمان زهران
عقب الإعلان عن قبول اتفاق التهدئة برعاية مصرية لإنهاء التصعيد الإسرائيلى ضد الفصائل الفلسطينية مع غزة، وبعد أسابيع من خلافات وزير الدفاع الإسرائيلى، ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان، مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حول آلية «المسار الصحيح» للتعامل مع قطاع غزة، أعلن «ليبرمان» في مؤتمر صحفي عن استقالته من الحكومة، مشككًا في الكثير من السياسات الداخلية الإسرائيلية.
وعلى حد تعبير «ليبرمان»، فإن استقالته هي محاولة لكي ينأى بنفسه وحزبه عن المغالطات السياسية التي صاحبت فترة حكم «نتنياهو»، وهذا ما أثار على المستويين المحلي والدولي عددًا من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لتلك الاستقالة وخيارات الحكومة لتجاوز ذلك المشهد، فضلا عن التحركات الداعمة لمستقبل الإئتلاف ولتجاوز ذلك التصدع الداخلي والتفكك المُحتمل.

أفيجدور ليبرمان
دوافع ليبرمان
على الرغم من أن استقالة «ليبرمان» شكلت صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي؛ فإن الشواهد المحيطة بسير العملية السياسية بالداخل كانت تُنذر بحتمية الاستقالة لعدد من الأسباب، لعل فى مقدمتها:
- تبرئة ساحة «أفيجدور ليبرمان»، أمام الشعب الإسرائيلي وإعادة الثقل لميزان الثقة في توجهاته السياسية، ولموازنة جُملة القرارات السياسية التي تمت منذ توليه منصب وزير الدفاع، والتي آخرها قرار التهدئة في غزة، وما سبقها من وقف التصعيدات المتتالية التي تصدر عن المجلس الوزاري الأمني المصغر وما تعلق بقرار تأجيل هدم قرية «خان الأحمر» في أكتوبر 2018 بشرق مدينة القدس المحتلة عقب الاحتجاجات الفلسطينية وتصدي أهالي القرية للجرافات الإسرائيلية.
- فك الارتباط مع حكومة نتنياهو: حيث أعلن «ليبرمان» من قبل أن حكومة الإئتلاف تتفاقم أخطاؤها على المستويين السياسي والأمني، وهو ما ظهر في التوتر والخلاف القائم بين كلٍ من رئيس الوزراء ووزير الدفاع، والمتمثل في رغبة الأخير في قيادة معركة عسكرية ممتدة يثبت خلالها جدارته العسكرية وقيادته للجيش الإسرائيلي، في مقابل حرص الأول على تحقيق مكاسب سياسية، والتركيز على الضربات محددة الأهداف، مع تجنب التورط في عملية عسكرية موسعة تتضمن خسائر ضخمة وتكلفة اقتصادية كبيرة دون أن تحقق نتائجها الميدانية، مثل الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006.
- استعادة الشعبية لحزب «إسرائيل بيتنا»: من ضمن دوافع استقالة «ليبرمان» هو الرغبة فى استعادة ثقة اليهود الروس ومؤيدي حزب «إسرائيل بيتنا»، حيث جاءت الإستقالة كمحاولة لـ«النأي بالنفس» عن قرار قبول التهدئة، ولمعرفة «ليبرمان» بأن معايير الانتصار في الثقافة السياسية الراسخة لدى القاعدة الانتخابية لحزبه لا تتضمن المواءمات السياسية أو قبول حلول الوسط، وإنما القضاء التام على الخصم على غرار تعامل الجيش الأحمر السوفييتي مع النازيين الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.

نتنياهو
سياسات ممتدة
ثمة ملاحظة نوعية تتعلق بـ«القناعات السياسية» لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمتعلقة بموقف إسرائيل من عملية السلام بشكل عام والوضع السياسي والأمني لقطاع غزة بشكل خاص، حيث تشكلت تلك السياسات وفقا لأطر سياسية جاءت تحت مسمى «إستراتيجية نتنياهو في التعامل مع الوضع الفلسطينى»، تلك التي عبر عن جذورها في كتابه «مكان ما بين الأمم»، وأعاد إنتاجها وفقا للممارسات المختلفة والتى أخرها التصعيد الحالى بقطاع غزة، حيث يمكن إجمالها وفقًا لخمسة مبادئ رئيسية تتمثل فى:
1. تمسك «نتنياهو» بمنع إقامة دولة فلسطينية، مع إغفال تصريحاته التي أدلى بها قبل تسع سنوات لمواءمة الأوضاع مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت باراك أوباما.
2. أنه على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أن يتعايشوا في «جيوب شبه مستقلة» في غزة، وأجزاء من الضفة الغربية، بينما سيتولى الإسرائيليون الأمن ومراقبة الحدود؛ للتظاهر بأنه لا يزال يؤمن بحل الدولتين، ووصف هذه الجيوب بأنها «دولة منقوصة السيادة».
3. أن تقع مسؤولية تحسين الاقتصاد الفلسطيني على الدول العربية، التي استغلت على مدى عقود محنتهم لممارسة الضغط على إسرائيل. ومن ثم، فإن الأموال القطرية إلى غزة تتناغم تمامًا مع ما يؤمن به «نتنياهو».
4. التأكيد على عدم الربط بين التطبيع مع الدول العربية و حل القضية الفلسطينية، كما أن العلاقات المتنامية بين حكومة نتنياهو ودول الخليج العربي هي دليل على أن هذا الأمر ناجع.
5. استنزاف وقت الفلسطينيين حتى يقروا بالأمر الواقع ويقبلوا بواقعية الدولة الإسرائيلية. فقد جادل «نتنياهو» بالطريقة نفسها التي استغرقت عقودًا قبل أن تقبل مصر والأردن وجود دولة يهودية وفقًا لمواثيق سلام دولية، فإن العملية نفسها ستحدث وفي نهاية الأمر سيتعين على الفلسطينيين قبول الدولة الإسرائيلية.
اتساقًا مع ذلك، يأتي قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بقبول الهدنة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وهو القرار الذى صُنف بمثابة «التصدع المرن» في هيكل حكومة الائتلاف، فبالرغم من استقالة «ليبرمان» من منصب وزير الدفاع وإحداث خلل في السياسات الداخلية تُنذر بتهديد الهيكل الحكومي؛ إلا أنه في المقابل هناك مكاسب أخرى للهدنة مع غزة، تتجاوز الانعكاسات السلبية لاستقالة «ليبرمان»، والتي يمكن توضيحها من خلال:
- أمنيًا: الهدنة التي أقرت، لا تخرج عن نفس رؤية «نتنياهو» في التعامل مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة، والقائم على إستراتيجية «سلام الردع»، الذي يعني استهلاك الخصم حتى القمع، حيث يتم إقرار مساحة من الوقت لإعادة إنتاج التحولات النوعية للعمليات العسكرية الإسرائيلية استنادًا لتحركات المقاومة في غزة وآخرها التطور النوعي في موقعة «كمين العلم».
- سياسيًّا: إقرار الهدنة يتيح مساحة لإعادة هيكلة جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية خلال الفترة المُقبلة، وترحيل قضية غزة مقابل تركيز الاهتمام على ملف الانتخابات في العام المقبل في الجبهة الداخلية، حيث من الأفضل لشعبية «نتنياهو» أن يتحمل تكلفة معركة خاطفة في غزة دون استكمال العملية وتحمل تداعيات الاستمرار في حرب مع الفصائل الفلسطينية في القطاع، قد تؤدي في المستقبل إلى استخدام المقاومة عشوائيًّا لقذائف الهاون على المناطق الحدودية مع القطاع، فضلاً عن ظهور «نتنياهو» بمظهر «الشخص المُنقذ»، وكذلك استحضار سيناريو 2015 عبر مهاجمته اليسار والعرب وما يحمله ذلك من دلالات سيكولوجية تتعلق بارتفاع معدلات تأييد قاعدته اليمينية المتشددة مع اقتراب الإنتخابات.
كذلك؛ فإن إقرار الموافقة على إعلان الهدنة مع قطاع غزة لم يحمل دلالات سياسية وأمنية فقط، ولكنْ هناك عدد من الرسائل الموجهة للخارج، فإقليميًا: يحمل موقف نتنياهو تحركًا دبلوماسيًّا من شأنه تغذية النزعة الانقسامية بين طرفي المعادلة الفلسطينية «فتح وحماس»، وهو ما يزيد من تعقيد عملية المصالحة السياسية بين طرفي السلطة الفلسطينية ويعقد بدوره عملية السلام المأمولة؛ بينما دوليًّا: تتمثل الرسالة في التأكيد لكلٍ من إدارة ترامب وكذلك الأوروبيين على أن قواعد «مبادرة السلام» أو «صفقة القرن» كما يتم الترويج لها إعلاميًا تتم إدارتها عن طريق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تحركات مُحتملة
على الرغم مما أحدثته استقالة «ليبرمان»، من «تصدع مرن» في حكومة الائتلاف الإسرائيلي بالتوازي مع الحديث حول عجز «نتنياهو» عن مواجهة حركة حماس، وفشل سياساته في توحيد النخب في المعارضة؛ فإن الاستقالة مثلت إعادة إنتاج لتحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال تقليص «هامش المناورة» أمام وزير الدفاع المستقيل ومؤيديه في الائتلاف الحاكم وفي اليمين بشكل عام، وهو ما قد يدفعه لدرء تهمة الخنوع عن نفسه عبر السعي لتحقيق إنجاز سياسي أو أمني أو عسكري قد يتمثل على سبيل المثال في استعادة الردع وترميمه بشكل كبير، وكذلك فرض قواعد اشتباك جديدة وإلزام المقاومة بها، تتيح لإسرائيل هامش حرية كبير في القطاع، دون إغفال حتمية استعادة ثقة الشعب الإسرائيلى وأطياف المعارضة بالقيادة.
ووفقًا لذلك؛ فمن المُحتمل مستقبلاً أن يلجأ «نتنياهو» (خاصة بعد تمسكه بتولي حقيبة الدفاع) لعدد من التحركات المُحتملة لموازنة تلك الإنجازات المُستهدفة في ظل تنامي صفوف المعارضة ضد سياساته واصفين إياها بالمتخاذلة والعاجزة أمام حركات المقاومة بقطاع غزة، والدعوات الخاصة بإجراء إنتخابات مبكرة، وذلك من خلال:
- أولاً: شن عمل عسكري مضاد على غزة، يتضمن عمليات قصف جوي مباغت وعمليات تسلل ضد أهداف نوعية، وعمليات اغتيال.
- ثانيًا: تصفية أهداف مهمة لحماس في الخارج، فعلى سبيل المثال قد يتمثل هذا الهدف الخارجي في «صالح العاروري»، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي تتهمه إسرائيل بالإشراف على توجيه العمليات ضدها في الضفة الغربية، والذي يزيد من واقعية هذا الاحتمال حقيقة أن الولايات المتحدة قد وضعت «العاروري» على قائمة الإرهاب، ورصدت 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حوله.
والجدير بالذكر، أن أغلب القيادات الذين اغتيلوا من حزب الله، تمت تصفيتهم بعد إعلان الولايات المتحدة أسماءهم ضمن قوائم الإرهابيين لديها؛ فعلى سبيل المثال، قبل اغتيال «سمير قنطار»، وضعت واشنطن اسمه على قائمة الإرهاب.
- ثالثًا: الجمع بين الخيارين معًا؛ حيث ستعمل إسرائيل على اختيار الظروف المناسبة لها والتي تكون فيها المقاومة في حالة تراخٍ وفي أقل مستوى من الجاهزية والاستعداد، وهو الأمر الأكثر اتساقا مع تصريح الوزير «يوآف غالانت»، عضو المجلس المصغر، والذي قال فيه: «قد نعمل عند توفير الظروف التي نحددها نحن وليس حماس»، وقد يتم التمهيد لذلك من خلال الحديث عن استئناف التهدئة من أجل إغراء المقاومة بعدم أخذ الأمور بجدية كبيرة، كما أن الحملة قد تجمع بين توجيه ضربات جوية قوية وعمليات اغتيال واسعة وعمليات تسلل وتوغل لوحدات خاصة لضرب أهداف بعينها، وهو ما قد يحدث بشكل مؤكد في حالة موافقة «نتنياهو»، على تولي «نفتالي بينيت»، رئيس حزب «البيت اليهودي» حقيبة الدفاع.
وتأسيسًا على ما سبق؛ نجد أن استقالة «ليبرمان» من وزارة الدفاع ومن الائتلاف، مازال يسمح باستمرار تشكيل الحكومة القائمة بأغلبية 61 مقعدًا دون أى عوائق قانونية أو هيكلية تؤثر على مستقبل الائتلاف، وهو الأمر الذى أكده «نتنياهو» في خطابه لرؤساء أحزاب، حيث قال: «لا يوجد سبب يدعو للذهاب إلي الانتخابات، ويجب بذل كل جهد ممكن لاستقرار الحكومة اليمينية، وعدم تكرار الخطأ التاريخي لعام 1992»؛ متجنبًا في ذلك تأزم الأمور نحو حتمية إجراء انتخابات مبكرة، فالشواهد العامة بالداخل الإسرائيلي تؤكد أنه في حال إجراء انتخابات في ظل حالة السخط الشعبي من سياسات «نتنياهو»، لاسيما في أوساط اليمين، قد تفضي إلى خسارته الحكم، وهو ما يسعى لتفاديه حاليًا وفقًا لسياسات التطويق والمحاصرة لرؤساء الإئتلاف الحاكم وقوى المعارضة.