دلالات اتجاه حكومة «الرزاز» لاستعادة العلاقات مع «إخوان الأردن» (تقدير موقف)
الإثنين 30/يوليو/2018 - 11:52 ص
محمود جمال عبد العال
عكس غياب الإخوان عن احتجاجات الدوَّار الرابع بالأردن، تساؤلات عدة، خاصة أن الحركة اعتادت تصدر المشهد الاحتجاجي بغرض كسب الدعم السياسي، وعكست اتجاهات حكومة «الرزاز» لاستعادة العلاقات مع الإخوان تفسيرًا لصمت الجماعة وعدم مشاركتهم في المشهد الاحتجاجي بالدوَّار الرابع(1).
حيث علَّق الإخوان في الأردن أملهم على اللعب على وتريّ الدعم الشعبي والصفقة الحكومية، وهو ما بدا في مغازلتهم للحكومة بالامتناع عن المشاركة في مظاهرات الدوَّار الرابع، والدعم الظاهري لتشكيلة حكومة «الرزاز»، وعلى صعيد منح الثقة للحكومة داخل مجلس النواب، حجبت كتلة الحركة داخل المجلس الثقة عن الحكومة رغم التأييد المبطن لرئيسها.
وتربط التحليلات بين تناقض الاتجاهين فيما يمكن تسميته بـ«الصفقة السياسية المزدوجة» مع الحكومة الأردنية، والشارع الأردني في آنٍ واحد، لاسيما أن التنظيم يحتاج إلى عقد الصفقات السياسية مع الحكومة؛ نظرًا لتراجع شعبيته خلال السنوات الست الأخيرة التي شهدت حظرًا لأنشطته وانقسامًا بين أجنحته، وهو ما برز في نتائج انتخابات 2016 النيابية التي حصل فيها الإخوان على 14 مقعدًا من أصل 130 مقعدًا، إضافة إلى خسارتهم لانتخابات نقابة المهندسين لأول مرة منذ أكثر من 25 عامًا.
وتهدف الورقة إلى تقدير مستقبل الإخوان في ظل الحديث عن تفاهمات جديدة بين الحكومة الأردنية والتنظيمات السياسية، خاصة بعد أحداث الدوَّار الرابع، وفي هذا السياق، ستتناول الورقة التوترات في العلاقة بين الحكومة والتنظيم على مدار السنوات الماضية، ودلالات التقارب الأخيرة وانعكاسها على مستقبل الجماعة السياسي.
الحكومة والجماعة.. سنوات من التوتر!
شهدت العلاقات بين جماعة الإخوان والحكومة الأردنية في العام 2016، توترًا كبيرًا، خاصة بعد قرار حكومة عبدالله النسور (أكتوبر 2012- مايو 2016) بحظر أنشطة الجماعة وغلق المقر العام.
وأرجعت الحكومة قرارها بحظر أنشطة الإخوان في ذلك الوقت لأسباب تتعلق بعدم تجديد الجماعة لترخيصها، ونفت الجماعة هذه الاتهامات، واعتبرت أن ما حدث مجرد إشكال قانوني وسوء تقدير سياسي؛ حيث نشأت الجماعة بشكلٍ قانوني عام 1945 بترخيص من مجلس الوزراء آنذاك.
ورغم حظر الحكومة لأنشطة الجماعة فإن المجال مازال مفتوحًا أمامها لممارسة العمل السياسي تحت مظلة حزب العمل الإسلامي المرخص له من قبل السلطات، واعتبرت الحكومة أن الجماعة تتبع سياسة عدم تقنين أوضاعها للهروب من الرقابة على أنشطتها المالية وشؤون العضوية، ويرى البعض أن اتجاه النظام الأردني للتضييق على أنشطة الجماعة يتعلق برغبة الحكومة لفرز تياري التشدد والاعتدال في التنظيم، وهو ما برز في خروج تيارات من رحم الحركة الأم حصلت جميعها على الترخيص الحكومي، مثل جمعية جماعة الإخوان التي حصلت على الترخيص في مارس 2015، والمبادرة الأردنية للبناء (مبادرة زمزم).
ترجع أسباب تأزم علاقات الجماعة مع الحكومة إلى اتجاه التنظيم لتصعيد احتجاجاته في ضوء أحداث الربيع العربي 2011؛ حيث رفعت الجماعة شعارات الملكية الدستورية، والحد من صلاحيات الملك وتعديل القانون الانتخابي، وأبرزت الأزمة انقسام الجماعة إلى جناح مرخص له، وآخر غير مرخص له.
لماذا اتفق الإسلاميون والتيار المدني على حجب الثقة عن حكومة «عمر الرزاز»؟!
رغم هوة الخلافات بين التيار الإسلامي والتيار المدني، فإنهما اتفقا على حجب الثقة عن حكومة «الرزاز»، وأوردت التقارير عن رفض التيار المدني لمغازلة حكومة «الرزاز» للإخوان، خاصة تصريحاته المتعلقة برفضه لعلمنة الأردن(2).
على الناحية الأخرى، رفضت كتلة الاصلاح الإسلامية، والتي يبلغ قوامها 14 نائبًا، منح الثقة لحكومة «الرزاز»، وتشددت الجماعة في مطالبها من حكومة «الرزاز» رغم تأييدها له؛ حيث ربطت منح الثقة للحكومة بعدة مطالب، أهمها قانون الانتخابات، وإعادة النظر في قانون ضريبة الدخل، ووضع خطط لمكافحة الفساد(3).
وتأتي هذه المطالب في إطار مغازلة الجماعة للشارع الأردني، لاسيمّا من تفاعل منهم مع احتجاجات الدوَّار الرابع، وطلبت الجماعة من «الرزاز» في مقابل هذا الدعم فك عزلتها التي امتدت لست سنوات تقريبًا.
وتأتي هذه التطورات كإحدى أهم ثمار أحداث الدوَّار الرابع، والتي دفعت الحكومة للحديث عن إمكانية إيجاد صيغة جديدة لضبط العلاقة بين الحكومة والتيارات السياسية المختلفة.
ويعتبر المحللون أن موقف الكتلة من حكومة «الرزاز» كان متوقعًا لاعتبارات تتعلق بلعب الإخوان على مشاعر الشارع الأردني؛ حيث رفضت الجماعة أن تضع نفسها في موقف محرج أمام قاعدتها الجماهيرية، خاصة في ظل الاعتراضات على التشكيلة الحكومية بصورتها الحالية، واعتبرت كتلة الاصلاح أن رفضها لمنح الثقة لحكومة «الرزاز» جاء لعدم تلقيها أي ردود إيجابية بشأن المطالب وخطط العمل التي طالبت بها الحركة حكومة «الرزاز».
دلالات التقارب بين حكومة «الرزاز» والجماعة
برزت ملامح ودلالات لإمكانية التقارب بين الحكومة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، وجماعة الإخوان على النحو التالي:
(1) بروز رسائل إيجابية من حكومة «الرزاز» تجاه تنظيم الإخوان؛ حيث التقى ثلاثة وزراء من حكومة «الرزاز» بقيادات من الجماعة، وذلك على مائدة عشاء في منزل المراقب العام للإخوان «عبدالحميد ذنيبات».
وعلى الرغم من رمزية هذا الحدث فإنه يحمل في طيّاته أهمية كبيرة قد تنعكس على مستقبل العلاقة بين الجماعة والنظام السياسي في الأردن، ويقلل الرافضون للتقارب مع الإخوان داخل النظام السياسي الأردني من أهمية هذه اللقاءات؛ إذ يعتبرون أنها تأتي في سياقات اجتماعية وليست سياسية.
(2) تقديم رئيس الوزراء بنفسه واجب العزاء في القيادي بالجماعة الراحل «إسحق الفرحان»، واعتبر البعض أن ذلك له دلالة كبيرة خاصة أن وجود «الرزاز» في العزاء تزامن مع حضور المراقب العام للجماعة وعدد من قيادات التنظيم، وأبرز جلوس «الرزاز» بجوار المراقب العام رسالة واضحة للواقع السياسي الأردني، ونقَّب رئيس الوزراء الخدمات التي قدمها «الفرحان» لبلاده.
من ناحيةٍ أخرى، نعى وزير التربية والتعليم «الفرحان»، مُعددًا ما قدمه لمجال التعليم في الأردن.
(3) ظهور عناصر محسوبة على جماعة الإخوان عبر شاشة التلفزيون الأردني الرسمي، وهو أمر لم تعتده الجماعة من الحكومة منذ فترة طويلة، وفي هذا السياق، خرج نواب الكتلة الإسلامية في تصريحات وتعليقات رسمية بعد نيل حكومة «الرزاز» ثقة مجلس النواب.
(4) حجب أنصار التيار المدني الثقة عن حكومة «الرزاز»، وذلك لاعتبارات رأى المحللين أنها تتصل بالتقارب بين «الرزاز» والحركة الإسلامية؛ حيث صرَّح رئيس الحكومة أثناء اجتماعه بكتلة الاصلاح في مجلس النواب عن وقوفه ضد علمنة المجتمع، وأورد «الرزاز» لكتلة الإصلاح أنه «ليس علمانيًّا وليس مع فصل الإسلام عن الدولة».
ختامًا؛ من المحتمل أن تشهد العلاقة بين الإخوان والحكومة الأردنية انفتاحًا أكبر خلال الفترة القادمة، وقد ينعكس ذلك على هيكلة الجماعة داخليًّا؛ لتتجاوز خلافاتها وانقساماتها الداخلية التي بلغت أوجها في 2016؛ حيث تم فصل ثلاثة من القيادات المنتمية لمبادرة زمزم.
وفي هذا السياق، قد تتجه الجماعة لتوحيد صفوفها لتنظيم عملها السياسي تحت راية حزب العمل الإسلامي باعتباره الذراع السياسية الشرعية لأنشطتها، وما يُعزز من ذلك الاتجاه تشجيع الحكومة لهذه الخطوة لتتمكن من الإشراف على أنشطة الجماعة المالية والإدارية.
من الناحية الأخرى، ستتجه الجماعة خلال الفترة المقبلة لاستغلال فرصة التقارب مع حكومة «الرزاز» بغرض خفض التصعيد، بل وتجنبه، خاصة عند النظر للظروف الإقليمية التي تحيط بالأردن، وستستفيد من رؤية الملك والحكومة بعدم التصادم مع الجماعة لمنع أي تصعيد حاد في الجبهة الداخلية، لاسيما في ظل الضغوط الدولية التي يواجهها الأردن نتيجة مواقفه الأخيرة من «صفقة القرن» ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
الهوامش
1- للاطلاع على أحداث "الدوَّار الرابع" انظر: محمود جمال عبدالعال، صعود وأفول الحركات: قراءة في دور العشائر والنقابات المهنية والإخوان في احتجاجات الأردن (1362016)، المركز العربي للبحوث والدراسات.
2- التيار المدني والإخوان يلتقيان في معارضة حكومة الرزاز (2172018)، العرب.
3- ما سر الاجتماع بين حكومة الرزاز والإخوان المسلمين؟ (1472018)، الأردن تايمز.





