منها غزو العراق وحرب أفغانستان.. «المرجع» يكشف أسباب نشوء التنظيمات الإرهابية
الثلاثاء 20/نوفمبر/2018 - 04:34 م
أحمد سامي عبدالفتاح
شكلت التدخلات العسكرية الغربية منعطفًا خطيرًا ذا دلالة موحية في نشأة التنظيمات الإرهابية التي تتغذى على النزاعات المسلحة بصفة عامة؛ حيث تؤدي تلك النزاعات إلى اندلاع الفوضى بغياب الرقابة الأمنية؛ ما يمنح التنظيمات المتطرفة فرصة ذهبية للتمدد واستقطاب وتجنيد عناصر لها تحت مبررات واهية أغلبها شعارات رنانة وخادعة كمقاومة المحتل، ومكافحة الأعداء والجهاد في سبيل الله.
عبد الله عزام
وبالنظر إلى نشأة تنظيم القاعدة، سوف نجد أن بدايات التنظيم ارتبطت بالغزو السوفييتي لأفغانستان، وفي ذلك الوقت أجمع الجميع على ضرورة، الذهاب إلى أفغانستان من أجل مقاتلة السوفييت الذين يتبنون أيديولوجية شيوعية مضادة للدين بكل أنواعه أو تفرعاته، وقد شكلت هذه النقطة مدخلا لاستقطاب المتطرفين وتجييشهم لقتال السوفييت.
وقد دعمت الولايات المتحدة هذه الخطوة لأنها كانت موجهة لقتال واستنزاف الاتحاد السوفييتي بشكل رئيسي، لكن لم يُدرك العالم آنذاك، بما فيه الولايات المتحدة، أنهم قد وفروا المناخ الملائم للمتطرفين، للتجميع والحصول على تدريبات عسكرية، فضلًا عن دعم مالي وأسلحة نوعية، وربما العنصر المهم الذي حصل عليه المتطرفون هو الخبرة القتالية التي دفعتهم إلى استحداث أساليب قتالية من أجل هزيمة السوفييت، ربما ظن المعسكر الغربي أن انسحاب السوفييت من أفغانستان قد شكل نصرًا استراتيجيًّا لهم، دون أن يدركوا أن عدوًا آخر آخذ في الصعود التدريجي، وفق أساليب قتالية غير نظامية.
ساد التساؤل حول مستقبل المتطرفين، ودارت نزاعات بينية بين الفصائل المختلفة، وقتل عبدالله عزام الذي يعد الأب الروحي للجهاد الأفغاني نتيجة لتبنيه رؤي تهف إلى خروج المقاتلين من أفغانستان وتوجههم نحو فلسطين، في النهاية الرأي المسيطر رأى أن وجود المتطرفين في أفغانستان سوف يحافظ على كيان تنظيم القاعدة الذي شُكل في نهاية 1988، ولم تمر سنوات معدودة قبل أن تصبح هزيمة الإرهاب هي الهدف الأول للولايات المتحدة التي صنعته منذ البداية، ووفرت له مناخ النمو والتوحش إلى هذه الدرجة.
بالتوازي مع ذلك، شكل الغزو الأمريكي للعراق منعطفًا آخر في طريق جذب التنظيمات المتطرفة لعناصرها الإرهابية، فجل ما تريده التنظيمات المتطرفة أن تصور نفسها بصفتها المدافع عن الإسلام ضد الحرب الغربية، وقد وفر الاحتلال الأمريكي هذه النقطة لتنظيم القاعدة، فتمكن الأخير من تأسيس فرع له في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي الذي قُتل في غارة أمريكية في 2006، ثم جاءت الحرب السورية، ووفرت التدخلات العربية غير المباشرة مدخلًا للتنظيمات المتطرفة للنمو، فتحول تنظيم القاعدة فرع العراق إلى تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق، كما أدت الحروب بالوكالة إلى دعم القوى الدولية لفصائل معينة؛ ما أدى إلى زيادة الفصائل العسكرية ذات الجاهزية القتالية، وفرت حالة الفوضى منطلقًا جديدًا لتنظيم القاعدة من أجل التمدد، فشكل التنظيم فرعًا جديدًا له بعيدًا عن «داعش» تحت اسم جبهة النصرة، التي قامت بفكِّ انفصالها عن تنظيم القاعدة في 2016، وقامت بتغيير اسمها على إثر هذه الخطوة.
ولم يختلف الوضع في ليبيا كثيرًا، فعندما بدأت الحرب الأهلية في 2011، لم يكن هناك أي وجود للتنظيمات المتطرفة، لكن لم يمرّ كثير من الوقت حتى بدأت التنظيمات المتطرفة بالتمدد والنشأة مستغلة غياب حالة الأمن، وفي هذه الأثناء تمكن تنظيم داعش من إنشاء فرع خاص به هناك، فضلًا عن فرع آخر خاص بتنظيم القاعدة مثل مجلس شورى المجاهدين، كما شكل تدخل الناتو العسكري فرصة للتنظيمات الإرهابية للتمدد، خاصة أنه قد شكل دورًا فعالا في هزيمة نظام معمر القذافي؛ ما سبب فراغًا أمنيًّا كبيرًا، لم تتمكن الفصائل القومية من ملئه.
وفي ضوء كل ما سبق، فإن نشأة التنظيمات المتطرفة ترتبط ارتباطًا جذريًّا بالتدخلات العسكرية الغربية التي توفر نوعًا من الفوضى، وعدم الاستقرار الضروريان لنشأتها وتمددها.





