يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أدوات تصدير الثورة الإيرانية في الشرق الأوسط (2-3)

السبت 11/أغسطس/2018 - 03:33 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة
تدرك إيران جيدًا أن سياسة «تصدير الثورة»، لها دورٌ حيويٌ في ترسيخ وجودها في المنطقة العربية، وتعتقد أن ذلك يمنحها فرصة لفرض النفس بالقوة على الدول الغربية (الساعية إلى تعميق وجودها في الشرق الأوسط) كقوة إقليمية صاعدة لا يمكن تجاهلها على المستوى الدولي.

وفي هذا الشأن، تنتهج إيران سياسة متعددة الأبعاد بهدف تأمين اختراقها للأمن القومي العربي على المستويات كافة، ويمكننا أن نقسم سياسة تصدير الثورة الإيرانية إلى ثلاثة أركان على النحو التالي:
أدوات تصدير الثورة
(1) الأداة العسكرية

يقصد من توظيف إيران للأداة العسكرية مساهمتها في إنشاء الميليشيات الشيعية في المنطقة، علاوة على تقديم أنواع الدعم للمليشيات الموالية لها كافة، بما في ذلك المالي والعسكري، من أجل قلب أنظمة الحكم في الدول الواقعة بمحيطها الإقليمي، بالقوة.

ومن الأهمية هنا أن نشير إلى أن سياق الثورة الإيرانية نفسه ساهم في ترسيخ فكرة استخدام القوة العسكرية من أجل تحقيق الهدف، حيث لعب رد فعل الجيش البطيء دورًا في توسيع وتيرة الاحتجاجات ضد الشاه، ما أجبره لاحقًا على مغادرة البلاد في 16 يناير 1979. 

وما ساهم في ترسيخ هذا الإدراك أن قوات الجيش الإيراني الموالية للشاه، لم تعلن تبنيها الحياد بين المحتجين وبين حكومة بخيتار (عينه الشاه قبل رحيله) إلا بعد أن استولى المحتجين على عدد من معسكرات الجيش في عموم البلاد، أبرزها عشرت آباد في طهران، ما أجبر قيادة الجيش على إصدار أمر للمحتجين بالعودة إلى منازلهم. 

ويتعين علينا أن نشير هنا إلى أنه قبل تراجع الجيش الإيراني عن دعم حكومة بخيتار، التي عينها الشاه قبل مغادرته البلاد، وجه روح الله الخميني قائد الثورة الإيرانية ومؤسس نظام ولاية الفقيه، رسالة إلى أفراد الجيش الإيراني، حثهم فيها على عدم قتال المحتجين، فجاء في رسالته: «أيها الجيش الوطني الإيراني، لقد رأيتم أن الشعب يحبكم، وينثر الورود في وجهكم، وتعرفون جيدًا أن هؤلاء الناهبين قد جعلوكم وسيلة لقتل إخوانكم للاستمرار في ظلمهم، فالتحقوا بصفوف إخوانكم الذين تركوا الشاه، وانضموا إلى صفوف الشعب، ليهاجموا الأعداء».

وتعكس هذه الرسالة إدراك الخميني (مؤسس نظام الولي الفقيه) لفعالية الأداة العسكرية، وقدرتها على فرض الرأي بالقوة؛ حيث حاول بكلماته القصيرة استمالة أفراد الجيش، وحثهم على عدم الاندماج في أي معارك مع أفراد الشعب الإيراني، ويمكننا أن نستدل من واقع الثورة أن النشاط المسلح للثوار كان عاملًا فاعلًا في إجبار الجيش الإيراني على التراجع إلى ثكناته.

ولهذا بعد أن غادر الشاه إيران، عمدت الثورة إلى تفكيك الجيش الإيراني الموالي للشاه، وشرعت في تأسيس حرس ثوري، إلى جوار إعادة هيكلة الجيش الجديد، بهدف حماية الثورة من أي محاولات خارجية للتأثير على مخرجاتها السياسية المتمثلة في نظام ولاية الفقيه. ولاحقًا، أصبح الحرس الثوري رأس الحربة في تدخلات إيران في البلدان المجاورة.

ويمكننا أن نقول إن مسار الثورة الإيرانية قد رسخ اعتقاد لدى النخبة الحاكمة في إيران أن التخلص من الأنظمة الحاكمة في دول الجوار لن يتحقق إلا بوجود القوة العسكرية، ويفسر ذلك الدور الإيراني في تشكيل الميليشيات المسلحة وتقديم الدعم لها، بداء من حزب الله في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.

وفي سبيل دعم الميليشيات، تستضيف إيران عددًا من الأفراد العسكريين المنتمين لهذه الميليشيات وتقدم لهم التدريب اللازم قبل إعادة إرسالهم إلى دولهم مرة أخرى بهدف زعزعة الأمن فيها. فعلى سبيل المثال، أشارت بعض التقارير أن طهران أنشأت في العام 2014، معسكرات تدريبية في مناطق غير مأهولة بالسكان في إريتريا لتدريب عناصر من ميليشيا الحوثي التي قامت بانقلاب عسكري على الشرعية اليمنية.

وفي بعض الحالات، ترسل إيران مستشارين عسكريين إلى مناطق الصراع بهدف تدريب الميليشيات الموالية لها. فعلى سبيل المثال، أشارت إلى تقرير صدر عن وكالة رويترز للأنباء أن طهران ترسل مستشارين عسكريين إلى اليمن بهدف مساعدة الحوثي عسكريًّا في الحرب ضد قوات الشرعية اليمنية، كما أرسلت إيران مستشارين عسكريين إلى العراق بهدف تدريب الحشد الشعبي الشيعي الموالي لها. 

جدير بالذكر أن كلًّا من حالتي التراخي الأمني وحالة الفوضى الناجمة عن الحروب الأهلية يساهمان في مساعدة إيران على إنشاء ميليشيات شيعية، ويمكننا أن نستدل على ذلك من خريطة الميليشيات الشيعية في المنطقة؛ حيث نجد أن ميليشيات إيران ترتكز بشكل رئيسي في لبنان، واليمن، والعراق، وسوريا. وبالتعمق أكثر، نجد أن حزب الله تم تشكيله في بداية الثمانينيات أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، في حين أن الحشد الشعبي الموالي لإيران والمليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا تم تشكيلها بين ثنايا الفوضى التي نجمت عن الحرب على الإرهاب.

وليس اليمن باستثناء، حيث شكل الفراغ الأمني الذي ترتب على ضعف قدرة الأجهزة الأمنية في فرض السيطرة الأمنية المطلقة على أرجاء البلاد كافة  في تشكيل حركة بدر الدين الحوثي لجناح عسكري على غرار حزب الله في لبنان، إضافة إلى اتخاذ التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة من المحافظات الجنوبية ملاذًا لها. وكما هو معلوم فإن التطرف المذهبي يأتي بتطرف مذهبي مضاد له. بمعني أوضح، يمكننا أن نقول إن نشأة حركة الحوثي الشيعية كانت عاملًا في تدفق العناصر المتطرفة المحسوبة على القاعدة إلى اليمن. 

بالمقابل، نجد أن محاولات إيران لإنشاء ميليشيات شيعية في عدد من الدول التي تتسم بالاستقرار الأمني (نتيجة قوة أذرعها الأمنية) قد باء بالفشل. فعلى سبيل المثال، فشلت محاولة إنشاء تنظيم عسكري شيعي موالي لإيران في شرق السعودية تحت اسم «حزب الله في الحجاز»، ولم يبق منه إلا الاسم فقط. وفي نفس الإطار، فشلت المحاولات الرامية لإنشاء مليشيا شيعية في الكويت؛ حيث قبضت القوات الأمنية الكويتية على خلية إرهابية عرفت آنذاك باسم «خلية العبدلي» واتهمت بالتخابر مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. وعلى أثر هذه الواقعة، قامت الكويت بتقليص التمثيل الدبلوماسي مع إيران.

وعلى هذا، يمكننا أن نقول إن دول الخليج تسعى إلى ملء أي فراغ أمني في أي من الدول المجاورة في محاولة لسلب إيران فرصة إنشاء ميليشيات مسلحة محلية بدعوى ترسيخ الأمن أو مواجهة القوى الخارجية.


أدوات تصدير الثورة
(2) الأداة الإعلامية 

تلعب أدوات إيران الإعلامية دورًا بارزًا في المحاولات الإيرانية الرامية إلى تصدير الثورة إلى العالم الخارجي. ويرتكز عملها بشكل رئيسي على شقين، أولهما تسويق الثورة الإيرانية كنموذج سياسي استقلالي لابد لدول المنطقة أن تقتدي به، علاوة على تبرير أفعال إيران الطائفية في المنطقة ومهاجمة الدول التي تتخذ مسارًا مناوئًا من سياسات طهران التدخلية في شؤون دول الجوار.

وعلى مستوى الشق الأول، تلعب الأداة الإعلامية على المتناقضات الداخلية بين شعوب المنطقة وأنظمتها الحاكمة، خصوصًا في ما يتعلق بتحديد أولويات السياسة الخارجية. وفي هذا، يمكننا أن نقول إن إيران تعمد إلى تعميق تهديدها لدول الجوار بهدف دفعهم نحو الغرب من أجل الحصول على الدعم الأمني اللازم على عكس رغبات الشعوب الرافضة لأي نفوذ أجنبي عامة، وغربي خاصة في المنطقة. 

بعد ذلك، تعمل أدوات إيران وأذرعها الإعلامية إلى تقديم الدول العربية بصفتها الدول الخانعة للغرب، والتي لا يمكنها أن تلبي طموحات شعوبها الأمنية رغم الموارد المالية الضخمة التي تمتلكها، إضافة إلى تقديم إيران بصورة القوي الذي يضع على عاتقة مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة. بمعنى آخر، تعمل طهران على توسيع الفجوة بين الدول العربية وشعوبها، قبل أن تدفع بنفسها بين الطرفين، مدعية سعيها لتحقيق رغبات الشعوب العربية ودفاعها عن طموحاتها.

وتتخذ إيران من هذا الفراغ، وسيلة لإنشاء الميليشيات العسكرية التي تبرر لجوئها إلى القوة العسكرية بفشل الدولة القومية عن تحقيق أداء وظائفي أمني متناسق مع الموارد العامة، فضلًا عن دفع النفوذ الغربي بعيدًا عن المنطقة. ولهذا، لا تترك أدوات إيران الإعلامية مناسبة كبرى دون أن تروج فيها لقدرة طهران على هزيمة إسرائيل عسكريًّا، علاوة على مهاجمتها أمريكا من خلال شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».

لاحقًا، تَعْمَد إيران إلى السيطرة على هذه الميليشيات من خلال عدة وسائل، أولها ربط نشاطها بالدعم الإيراني، ما يعني أنه بمجرد أن تحيد توجهات هذه الميليشيات عن البوصلة الإيرانية، سيتوقف الدعم الإيراني المشروط بالطاعة العمياء لنظام الولي الفقيه. ثانيًا، تعمل إيران على تعميق حالة العداوة بين هذه الميليشيات وبين الدول العربية، ما يغلق الطرق أمام أي مصالحات محتملة، ما يعني أن الميليشيات لن تجد أمامها إلا اللجوء إلى طهران من أجل الإبقاء على قوتها. 

وعلى مستوى الشق الثاني، تعمد أدوات إيران الإعلامية إلى إظهار السلبيات في سياسة عدد من الدول المناوئة لها، لتقديم بذلك مدخلًا تبريرًا للنشاط الإيراني في المنطقة. وتركز إيران في حالات النقد على نقاط محددة أهمها فكرة التقارب العربي الإسرائيلي، علاوة على التقليل من القوة العسكرية لدول المنطقة.

وتشكل الفكرة الأولى مرتكزًا رئيسيًّا للإعلام الإيراني في مهاجمة الدول العربية، واستمالة الميول السياسية لبعض القوميين العرب والتنظيمات المتطرفة (مثل تنظيم القاعدة)، الذين يرون القضية الفلسطينية أمرًا محوريًّا للأمة العربية والإسلامية. وهنا يجب أن نشير إلى أن إيران تتغذى على فكرة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ويتضح ذلك بوضوح في الخطاب الإيراني الذي لا يخلو إطلاقا من مهاجمة إسرائيل والتهديد بمحوها عن الأرض.

ومن الأدوات التي تستغلها إيران بطريقة غير مباشرة هي القنوات العربية الإخبارية التي تركز على الشأن الإيراني بهدف تقديم رؤية نقدية لمحتواه، في حين أن خطابها النقدي لم يكن على قدر المستوى. بمعنى أوضح، عمقت إيران من خطابها العدائي ضد إسرائيل والغرب، فقامت القنوات الإخبارية العربية ببث التهديدات الإيرانية لإسرائيل ظنا منها أن ذلك وسيلة لترسيخ العداوة بين الطرفين، إلا أن ذلك ساعد طهران على ترسيخ صورتها في العقول العربية كمقاوم للهيمنة الغربية على مقدرات المنطقة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث ساعد ذلك إيران (بطريقة غير مقصودة) في إبراز اتساق خطابها الخارجي مع أفعالها على أرض الواقع.


أدوات تصدير الثورة
(3) الأداة المذهبية

يُقْصَد من الأداة المذهبية انتهاج إيران سياسة التشييع بهدف تعميق وجودها في المنطقة أكثر. وفي هذا الشأن تتحرك طهران وفق منهجية محددة، حيث تعمل على صعيدين، أولهما تشييع النخبة حتى تكون مثالًا تتمكن من خلاله من تشييع عامة الناس.

وعلى صعيد تشييع النخبة، تتبع إيران وسائل متعددة أهمها استمالتهم سياسيًّا، ثم تقوم بإقناعهم بأن مواقفهم السياسية المتشابهة والمناوئة للغرب مستقاة من المذهب الشيعي. علاوة على ذلك، يلعب المال المذهبي دورًا مهمًا في التأثير على التوجهات المذهبية للبعض.

أما على مستوى العامة، نجد أن أداة إيران المذهبية تنشط لدى الأشخاص أو الفئات الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة أو من اضطهاد أو قهر مجتمعي؛ حيث تُقدم طهران نفسها بصورة المنقذ الذي يضحي بمواده المالية من أجل مساعدة أشخاص متباعدين جغرافيًّا عنها، ويحملون فكرًا مذهبيًّا مناقضًا لها. وتعد هذه النقطة مدخلًا لتشييع الكثير من العامة الذين يقتنعون بالدور الخيري الذي تمارسه إيران مقابل التهميش من دولهم.

ومن هنا نستنتج أن إيران تستغل سوء توزيع المواد المالية لصالح النخب الحاكمة في توليد نوع من الكراهية الشعبية ضد الدولة ككيان، ما يساعدها لاحقًا على استقطاب وتشييع الفئات الأكثر تضررًا. ولا يمكننا أن نتغافل عن رد الفعل الحكومي العربي تجاه التحركات الإيرانية، حيث تركز أداة المواجهة العربية على المواجهة الأمنية، وتتجاهل المواجهة الفكرية، فضلًا عن إعادة ترميم مسببات الاختراق الإيراني. ويصب هذا القصور في صالح إيران التي تعيد توظيف الصراع الداخلي بين الحكومات العربية والأقلية الشيعية لصالح المزيد من الاستقطاب بل والإقناع باستخدام القوة العسكرية من أجل إخضاع هذه الدول.

وحينما نتحدث عن التشيع، لا يمكننا أن نتغافل دور الملحقيات الثقافية الخاصة بالسفارات الإيرانية؛ حيث إنها تعمل على الترويج للمذهب الشيعي، من خلال الندوات التي تقيمها، والمنشورات الورقية التي تقوم بتوزيعها، ناهيك عن الأموال التي تقوم بمنحها للفئات المهمشة اقتصاديًّا. ما يثير الريبة حقًا، هو أن الكثير من معتنقي المذهب السني لا يمنحون أنفسهم فرصة التعرف على المذهب الشيعي رفضًا لجذور الفكرة نفسها، لكن البعض منهم تحت وطأة الحاجة المالية، يضطر للإنصات والقراءة في المذهب الشيعي، ما يعمل على تغيير توجهه المذهبي لاحقًا. ويعني ذلك أن الجانب الثقافي مرتبط تمامًا بالجانب المالي أو الاقتصادي. 


أدوات تصدير الثورة
........................................
هوامش
........................................
1- اسماعيل عرفة، أحجية الثورة: كيف فكك الخميني جيش الشاه، ميدان، http:midan.aljazeera.netrealitypolitics201782%D8%A3%D8%AD%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%81%D9%83%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%87

2- خالد العويجان، ايران تدرب الحوثيين شمال اريتريا، الوطن اونلاين، http:www.alwatan.com.sapoliticsNews_Detail.aspx?ArticleID=171338&CategoryID=1
3- رويترز، مصادر اقليمية وغربية: ايران تكثف الدعم للحوثيين في حرب اليمن، https:ara.reuters.comarticletopNewsidARAKBN16S2A2
4- الخليج أونلاين، طهران وواشنطن يتقاسمان تدريب مليشيا الحشد الشعبي، http:alkhaleejonline.netarticles1481523280853220000%D8%B7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A
"