«المرجع» يحلل منحنيات صعود وهبوط الإرهاب عالميا خلال أكتوبر


وإذا كان عدد العمليات السابق هو الأعلى خلال أسبوع في شهر أكتوبر، لكن متوسط الضحايا في الأسبوع الأول من الشهر نفسه تجاوز متوسط ضحايا العملية الواحدة في أسبوعه الأخير؛ حيث سجل 224 ضحية بين قتيل وجريح جراء 21 عملية فقط، ما يبرز محور حيوي عند تتبع الجماعات الإرهابية وعملياتها، وهو حجم العملية، إذ تسعى جماعات إرهابية عدة إلى تنفيذ عمليات ولو محدودة في ظلِّ الجهود الأمنية لتقويض تحركاتها، وذلك من أجل «إثبات الوجود» على مسرح العمليات، لكن ذلك لا يعكس دائمًا استمرار الجماعة بالقوة ومن ثم الخطورة ذاتها.
المنطقة العربية.. نجاحات في دول الصراع
وعربيًّا، أوضح إحصاء المرصد حول العمليات الإرهابية في الأسبوع الأخير من أكتوبر وحتى مطلع نوفمبر، اتساع رقعة العمليات الإرهابية وأعدادها في المنطقة العربية؛ حيث عمليات في تونس وليبيا والعراق واليمن وسوريا ومصر، وعلى الرغم من أن ليبيا والعراق واليمن وسوريا من مناطق الصراع التقليدية الملتهبة في ظلِّ اضطرابات سياسية وحروب أهلية، كانت إحصاءات سابقة للمرصد خلال الشهر (3 إحصاءات) أوضحت تراجع العمليات الإرهابية على نحو ملحوظ في ليبيا واليمن؛ حيث غابت ليبيا عن الخريطة الإرهابية طيلة الشهر قبل أن تعود في آخره بعمليتين، ويمكن الإشارة في ذلك إلى جهود الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لملاحقة الجماعات الإرهابية هناك وعلى رأسها عناصر تنظيمي «داعش» و«القاعدة» والميليشيات المسلحة، وكان الجيش الليبي وجَّه ضربة بارزة للإرهاب في 8 أكتوبر الماضي؛ حيث القبض على ضابط الصاعقة المصري السابق، الإرهابي هشام عشماوي في مدينة درنة.
أما اليمن فلم يسجل سوى عملية في الأسبوع الأول من أكتوبر تورطت فيها جماعة الحوثي، وعمليتين في الأسبوع الأخير، قام بأحدها تنظيم القاعدة، والذي يتمركز في الجنوب اليمني، وفيما لم يوضح إحصاء المرصد عن الجهة المتورطة في العملية الأخرى، تجدر الإشارة إلى نشاط تنظيم داعش في اليمن، وبذلك تكون الساحة اليمنية شهدت 3 عمليات إرهابية خلال شهر أكتوبر، وهي نسبة تعكس نجاحًا للجهود الأمنية وقوات التحالف العربي الفاعلة في المشهد اليمني.
في غضون ذلك، لا تزال كل من العراق وسوريا الساحتين العربيتين الأكثر احتضانًا للإرهاب، وهو أمر منطقي في ظلِّ استمرار الصراع السوري، ومحاولات تنظيم داعش في العراق إرهاق الدولة وخطواتها نحو بناء المؤسسات والأعمار، والعراق لم تغب عن خريطة العمليات الإرهابية في أي أسبوع خلال الشهر، لكنها سارت في منحنى غير ثابت، سجل صعوده الأقل في الأسبوع الأول بعمليتين فقط، وقافزًا في الأسبوع التالي (من 13 إلى 19 أكتوبر) ليحقق ذروته عند 7 عمليات، وفي الأسبوع (20 إلى 26 أكتوبر) انخفض المنحنى مسجلا 4 عمليات، وقافزا درجة واحدة في الأسبوع التالي (27 أكتوبر إلى 2 نوفمبر) بواقع 5 عمليات، والمتورط الأول في تلك العمليات هو تنظيم «داعش»، في ظلِّ تكتيك جديد بارتكاب عمليات دون تبنيها، وفق تنبيه مرصد الإفتاء للإيهام بتعدد الجماعات الإرهابية هناك، ولإضفاء مزيد من الغموض والارتباك على المشهد العراقي.
وعلى الصعيد السوري، هدأت وتيرة العنف في الأسبوع الأول من أكتوبر، فلم تسجل أي عمليات، وبالتزامن مع بدء تنفيذ اتفاق سوشي بين «تركيا وروسيا» في إدلب، والذي دخل حيز النفاذ منتصف الشهر، وكان يقضي بنزع الأسلحة الثقيلة من الفصائل المسلحة في إدلب تمهيدًا لفرض منطقة منزوعة السلاح، قام جيش الأحرار وهو أحد الفصائل المنشقة عن «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقًا) بعملية في سوريا، يمكن تفسيرها في إطار محاولات عرقلة الاتفاق، لكنها لم تكن ذات صدى؛ حيث دخل الاتفاق حيز التنفيذ بالفعل، ويحقق تقدمًا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشهد السوري ليس مقصورًا على إدلب، وليس رهنًا بالكامل لنفاذ التفاهمات الدولية حولها، إذ ارتفعت العمليات وفق الإحصاءات التالية (النصف الثاني من أكتوبر) بين 4 و5 عمليات، بعضها في إدلب، وأخرى في ريف دمشق وبقع أخرى، في إشارة إلى استمرار التحديات في وجه المشهد السوري.
ويبقى عودة دول كمصر إلى خريطة الساحات التي تشهد عمليات إرهابية، بعد شهور من خروجها عن الإحصاءات، ضمن النقاط الأبرز في المشهد، باستهداف حافلة تقل أقباطًا في 2 نوفمبر في مدينة المنيا؛ ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وجرح 13 آخرين، علما بأنه في غضون أيام استطاعت قوات الأمن المصرية قتل الخلية المتورطة في الهجوم، وتكونت من 19 عنصرًا، وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الهجوم.
ومن «داعش» والهجوم على حافلة المنيا، إلى ترجيح تورط «داعش» في الهجوم الانتحاري الذي نفذته فتاة تونسية في العاصمة 30 أكتوبر الماضي، حيث لم يعلن التنظيم مسؤوليته، لكن مصادر أمنية رجحت تورطه فيه خصوصا أنه يتسق مع الأسلوب الداعشي في العمليات الانتحارية، وكانت تونس شهدت عملية إرهابية أخرى في الأسبوع الأول من أكتوبر قام بها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب.

بؤر التوتر في أفريقيا
على الرغم من أن حصيلة العمليات الإرهابية في أفريقيا أقل منها في آسيا، إلا أنها تحمل خطورة، خاصة حيث تعد دول أفريقيا بيئة مواتية لتنامي الإرهاب مستقبلا، مع انحساره جغرافيا في مناطق أخرى، فضلا عن أنها تعد المرتع الأكثر حرية للتنظيميين الإرهابيين الأخطر «القاعدة وداعش».
وحمل تتبع العمليات الإرهابية في أفريقيا خلال أكتوبر الماضي، مؤشرا إلى استدامة تلك العمليات، وارتفاعها في الأسبوع الأول من أكتوبر عنه في أسابيعه الأخرى إذ سجل ذلك الأسبوع الرقعة الأوسع للعمليات في كل نيجيريا ومالي والصومال وتشاد وبوركينا فاسو.
وسجلت الصومال الدولة الأفريقية الأعلى في عدد العمليات الإرهابية خلال شهر أكتوبر بواقع 9 عمليات إرهابية، ويفسر ذلك كون الصومال إحدى الساحات التنافسية بين تنظيم القاعدة حيث حركة «الشباب» المبايعة للتنظيم، وبين مجموعات تتبع تنظيم داعش، في المقابل عدت نيجيريا الأكثر ديمومة في العمليات الإرهابية خلال أكتوبر وإن كان بعدد أقل في العمليات لكنها لم ترتكب أكثر من عمليتين في الأسبوع الواحد، وخلال الشهر نفذ بوكو حرام وجماعات قبلية في نيجيريا 5 عمليات.
إلى ذلك تشهد دول كمالي وتشاد والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو، عمليات إرهابية لكن بحصيلة أقل، وتقبع في تلك الدول جماعات إرهابية «محلية» في الغالب، إضافة إلى القاعدة التي نفذت عمليتين في مالي عبر فرعها «القاعدة في بلاد المغرب العربي»، وكذلك داعش التي تمتد أذرعها إلى تلك الدول.
للمزيد: في دراسة جديدة لمرصد الإفتاء.. 7 أزمات هيكلية تضرب «داعش»

بؤر التوتر في آسيا.. تصاعدا للهند
تصدرت قارة آسيا العمليات الإرهابية خلال شهر أكتوبر 2018 مسجلة النسب الأعلى، علما بأن عدد العمليات في دول وسط وجنوب آسيا فاقت العمليات الإرهابية في المناطق العربية من القارة كاليمن وسوريا، وفيما استمر ارتفاع العمليات في مناطق صراع تقليدية من القارة كأفغانستان وباكستان، لفتت تتبع حركة العمليات صعود مؤشرها في دولة كالهند خصوصا خلال النصف الأخير من الشهر.
وسجل مرصد الإفتاء وقوع 8 عمليات في الهند، 5 منهم بين «27 أكتوبر إلى 2 نوفمبر»، وهو الصعود بعد هدوء الأوضاع نسبيا هناك خصوصا منتصف الشهر؛ حيث وقعت عمليتين في الأسبوع الأول من أكتوبر وعملية في الأسبوع بين «20 إلى 26 اكتوبر».
وعادة لا تعلن جهة بعينها مسؤوليتها عن الأحداث الإرهابية في الهند، فيما تذهب الترجيحات إلى الجماعات الإرهابية النشطة هناك، وفي مقدمتها جيش محمد (جماعة إرهابية باكستانية) وجماعة لشكر طيبة وهي منظمة باكستانية إرهابية تأسست في تسعينات القرن الماضي، صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية في العام 2001، ويتمثل مسرح عملياتها في باكستان وأفغانستان وكشمير في الهند، حيث تدعم مطالب الانفصاليين في الإقليم المتنازع عليه للانفصال عن الهند.
وفيما يتعلق بمناطق الصراع التقليدية، تأتي أفغانستان في قمة الهرم بواقع 22 عملية متورط فيها تنظيمي طالبان أفغانستان وداعش.
ويفسر ارتفاع عدد العمليات الإرهابية في أفغانستان ذلك الشهر محاولة الجماعات الإرهابية خصوصا طالبان إعاقة الانتخابات البرلمانية التي شهدتها أفغانستان ذلك الشهر، وكانت قد هددت قبل إطلاق الانتخابات باستهدافها، ورغم ذلك نجحت السلطات في أفغانستان تحقيق الانتخابات.
وقالت الأمم المتحدة في تقرير لها بتاريخ 6 نوفمبر 2018، إن أعمال العنف والترويع الطالباني ضد الانتخابات الأفغانية سجلت معدلات «قياسية».
وفي باكستان سجل مرصد الإفتاء وقوع 9 عمليات إرهابية، تورط فيها تنظيم طالبان في باكستان.
وفي الجنوب الآسيوي تومض دولة كالفلبين بين وقت وآخر في خريطة الإرهاب، حيث سجلت خلال الشهر عمليتين لجماعة «أبو سياف» وهي الجماعة التي بايعت داعش في العام 2015، لتمد ذراعا للتنظيم في منطقة مهددة باستقبال المزيد من مقاتلي التنظيم من دول جنوب آسيا عند عودتهم من سوريا، وسبق وخاصت الحكومة الفلبينية جهودا لمواجهة التنظيم الإرهابي بلغت ذروتها في أكتوبر من العام الماضي؛ حيث أعلنت الحكومة الفلبينية آنذاك تحرير مدينة مراوي الفلبينية، بعد الشهر من اقتحام عناصر التنظيم، فيما لا تزال تفرض الفلبين جهودا في ملاحقة عناصر التنظيم، حتى المشتبه في صلتهم به.

دول إدارة الصراعات: تركيا وروسيا
فيما تتصدر دولتي تركيا وروسيا إدارة الصراع في سوريا، ورغم تحقيقهم تفاهمات تنذر بدنو نهاية الحالة الأدلبية، ترتفع في المقابل المخاطر الإرهابية التي تهدد الدولتين، فتركيا تعد الامتداد الجغرافي لسوريا، ومن ثم فتواجه تحدي تسلل العناصر الإرهابية من مدينة إدلب إلى العمق التركي، وذلك إذا ما تدخلت روسيا عسكريا لتفريغ إدلب من مقاتليها، علما بأنه سيناريو مرجح من قبل مراقبين طال الأمد أو قصر، أما روسيا فعلى الرغم من المسافات الجغرافية الشاسعة التي تفصلها عن مناطق الصراع، هي ليست في مأمن من مخاطره، خصوصا في ظلِّ ارتفاع التهديدات الداعشية الانتقامية من الدب الروسي.
للمزيد: اتفاق سوتشي.. حل مؤقت يُعيد إدلب للمربع صفر
وحتى أكتوبر الماضي، لم تواجه الدولتان المخاطر الإرهابية المرتفعة، لكنها لم تسلم كليا منها، خصوصا روسيا التي شهدت عملية إرهابية في فرع الاستخبارات الروسية في مدينة أرخانغيلسك شمال البلاد في 31 أكتوبر، أسفرت عن مقتل الإرهابي وجرح 3 آخرين، ولم تعلن جهة إرهابية مسؤوليتها عن الحادث.
أما تركيا فسجل المرصد وقوع عملية إرهابية واحدة فيها خلال الشهر، ولكنها ضمن الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني؛ حيث نفذها تنظيم «بي كي كي».