اتفاق سوتشي.. حل مؤقت يُعيد إدلب للمربع صفر
في الـ17 من سبتمبر وقَّع كلٌ من روسيا وتركيا اتفاقًا سُمي «باتفاق سوتشي»؛ من أجل تقرير مصير محافظة إدلب -آخر معاقل التنظيمات الإرهابية في سوريا- وتضمن الاتفاق «إعطاء مهلة زمنية لتلك التنظيمات لإلقاء أسلحتها الثقيلة قبل 10 أكتوبر الحالي، ضمن مناطق تم الاتفاق عليها بأنها مناطق منزوعة السلاح، تتراوح ما بين 15 و20 كيلومترًا بين كل من إرهابيي إدلب وقوات الجيش السوري.
وأكد اتفاق سوتشي ضرورة إقامة منطقة عازلة للسلاح بين الفصائل الإرهابية والجيش السوري، مع ضرورة إزالة سحب الأسلحة الثقيلة بما فيها قاذفات الصواريخ وقذائف الهاون والمدفعيات إلى داخل إدلب، تزامنًا مع خروج التنظيمات الإرهابية من المنطقة في موعد أقصاه منتصف شهر أكتوبر الحالي.
وأعلنت ما تُعرف بـ«الجبهة الوطنية للتحرير»، والتي تتكون من معظم الفصائل المسلحة السورية، ومنها ما يُسمى: حركة أحرار الشام، ونورالدين زنكي، وفيلق الشام، أنها بدأت سحب سلاحها الثقيل من المناطق منزوعة السلاح.
للمزيد: تنفيذًا لاتفاق سوتشي.. الإرهابيون في إدلب يلقون أسلحتهم الثقيلة
ووفقًا للمعطيات على الأرض، بدأت هيئة تحرير الشام في الاستجابة؛ لتنفيذ الاتفاق؛ حيث بدأت في سحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة المتفق عليها، وأفاد مراقبون أن «هيئة تحرير الشام بدأت سحب دبابات من محيط تلة الخضر في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي الشرقي»، في حين أعلنت جماعة «حراس الدين» -المحسوبة على تنظيم القاعدة- في وقتٍ سابق رفضها الاتفاق، وناشدت كل المتعاطفين معها خارج سوريا للانضمام إليها، بدعوى أن «الشام عقر المؤمنين»، على حد زعمهم.
ويتطابق تصريح أدلى به نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قال فيه: «إن اتفاق إدلب بمثابة حل مؤقت، غايته القضاء على التنظيمات الإرهابية فيما بعد»، مع ما أعلنه بشار الأسد خلال اجتماع لحزب البعث، بأن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأتراك والروس بشأن إدلب إجراء مؤقت»، مؤكدًا أن «موقف الدولة السورية واضح بأن هذه المحافظة وغيرها من الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام بديهي، وطبيعي أن تعود إليه وألا تخضع لسيطرة الارهابيين».
سيناريوهات التدخل الأمريكي في «إدلب».. ترامب يبحث عن الكعكة السورية
سوتشي اتفاق مؤقت
عقب توقيع اتفاق سوتشي بين بوتين وأردوغان، ظهرت الاختلافات الجذرية بين الطرفين، اختلافات بلغت حد التناقض الصارخ بين موسكو وأنقرة في نظرة كل منهما للقضية السورية، وهو ما يبرر به كثير من المراقبين عدم صمود اتفاق سوتشي على أرض الواقع أمام متغيرات الحرب.
فمن ناحية، فإن «سوتشي» يقضي بالتخلص من الإرهابيين في منتصف الشهر الحالي، وهو ما سيصطدم برغبة أنقرة في نقلهم إلى مناطق الأكراد، ومن ناحية أخرى تتمسك روسيا بـ«عزل الإرهابيين الأجانب تمهيدًا لتسليمهم إلى دولهم»، فيما يرى الجانب التركي ضرورة عدم تسليم أحد لدولته، كما يختلف الطرفان أيضًا حول المدة الزمنية للاتفاق؛ حيث ترى موسكو ودمشق، أن سوتشي مجرد حل مؤقت، فيما تعتبر أنقرة أن الاتفاق دائم ونهائي؛ ما يسمح للجيش التركي بالاستمرار في عملياته في الشمال السوري؛ بهدف إبعاد الأكراد عن الحدود الجنوبية لتركيا، وإحلال العناصر الإرهابية والفصائل المسلحة محل النازحين من الأكراد الذين يعتبرهم النظام التركي أعداءً، ومصدر تهديد للأمن القومي لتركيا، بدولتهم التي يحلمون بإنشائها، ومن الممكن أن تسهم القمة الرباعية بين روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا الشهر المقبل في حل الخلافات بين الطرفين.
بعد فشلها بسوريا.. هل تقف تركيا خلف التحريض على التظاهر في «إدلب»؟
ديناميكية السياسة الروسية في سوريا
أما النقطة الأخرى فتتعلق بالسياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط، فعندما دخلت روسيا كطرف أساسي في حل الأزمة السورية بناءً على طلب نظام بشار الأسد في سبتمبر 2015، فقد حددت غايتها من الانغماس داخل الحرب في اتجاهات عدة، وهي: دحض أوكار الإرهاب وتنظيماته في سوريا، خاصة مجاهدي شمال القوقاز، والذي يُمثل تهديدًا ليس فقط لروسيا، وإنما للجمهوريات الآسيوية، والتي كانت في وقت سابق جزءًا أصيلًا من إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، وأما في الوقت الراهن فهي جزء من المحور الشرقي المعاون لروسيا ضد توجهات الغرب المضادة، ورأت في هذا الهدف ضرورة أن تعمل على وحدة الأراضي السورية، لأن ترك أي منطقة خارج النفوذ السوري، يعني ترك ملاذات آمنة للإرهابيين في التجمع مرة أخرى، وتصدير الإرهاب لروسيا مرات ومرات.
والهدف الثاني –والذي لم تعلن عنه روسيا ولكنه واضح في سياستها بالمنطقة- أن النظام السوري الحالي هو الكفيل بالحفاظ على وجودها وتحقيق مصالحها في المنطقة، خاصة بعد الملء الأمريكي للفراغ الروسي المتروك فى الشرق الأوسط، وعليه فإن سوريا تحقق البُعد الجيواستراتيجي لروسيا (المفقود) في منطقة الشرق الأوسط المتخمة بالقواعد العسكرية الأمريكية، علاوة على حلف الناتو.
لذا من المحتمل -بشكلٍ كبير- أن اتفاق إدلب لن يصمد كثيرًا، حسبما يرجح مراقبون، ورغم تعدد المواقف التي لوَّح فيها الدب الروسي بالسيناريو العسكري في إدلب، حال انقضاء المدة المحددة دون تنفيذ الفصائل المسلحة اتفاق سوتشي، فإنه من المتوقع أيضًا منح فرصة جديدة ومدة أخرى لاستيعاب الاعتراضات التركية التي وضعت أردوغان فعليًّا بين نارين، فالعلاقات التركية الأمريكية تشهد هبوطها لأدنى مستوياتها، بل محكومة بالتوتر، وإن لم تستجب أنقرة لضغوط موسكو، فإن الخيار الروسي الثاني سيكون جاهزًا، خاصة أنه من الاستحالة بمكان أن ينسى بوتين، إسقاط أنقرة لطائرة السوخوي الروسية في عام 2015.





