«تحرير الشام» تهدد «سوتشي».. تركيا و«الهيئة» مجددًا إلى الصدام؟

ما إن اطمأنت تركيا، منذ أقل
من أسبوعين، على اتجاه اتفاق سوتشي المعقود مع الطرف الروسي في 17 سبتمبر الماضي، إلى
التنفيذ بعدما نجحت قبل أسبوعين في إقناع الفصائل العاملة في شمال سوريا، بالالتزام
بالبنود بما فيها «هيئة تحرير الشام» (تسيطر على 70% من مدينة إدلب)، إلا وتجددت تهديدات
تلمّح إلى احتمالية إفشال الاتفاق.
للمزيد.. اتفاق سوتشي.. حل مؤقت يُعيد إدلب للمربع صفر

البداية كانت، مساء الإثنين الماضي، عندما دفعت «تحرير الشام» بقوات لها إلى منطقة كفر حمرة، شمالي غرب حلب (تقع ضمن مناطق نزع السلاح التي نص عليها سوتشي)؛ لإقامة مركز لها في مقابلة مركز أحرار الشام التابع للجبهة الوطنية للتحرير، المدعومة من تركيا.
وعلى خلفية هذا التحرك، وقعت اشتباكات، سقط بها مسلحون من الطرفين، اختلفت وسائل إعلام في تقديرهم بين 25 و13 قتيلًا، من بينهم اثنان من قيادات «تحرير الشام»؛ هما أبو تراب الشامي، شرعي بالهيئة، وأبو محمد أكرم، نائب مسؤول قطاع الشمال.
«الهيئة» من جانبها، حمَّلت في بيان رسمي لها، أمس الثلاثاء، مكونات في الجبهة الوطنية للتحرير مسؤولية الاشتباكات، معتبرة إنها تسعى نحو إشعال حرب «لا تبقي ولا تذر ولا يربح منها إلا النظام».
واسترسلت في تبرئة نفسها، مطالبة بتسليم المتورطين في قتل الشرعيين إلى محكمة شرعية، لاسيما مع تحرك «الوطنية للتحرير»؛ لوقف سلسلة المواجهات مع «الهيئة».
على الجانب الآخر كانت رواية روجتها وسائل إعلام سورية معارضة ممولة تركيًا، حمّلت فيها مسؤولية الاشتباكات لـ«تحرير الشام»، قائلة: إن الهيئة تعمدت إشعال المشهد للإضرار باتفاق سوتشي، عبر سعيها لإقامة مركز لها مقابل مركز أحرار الشام؛ الأمر الذي تسبب في اشتباكات داخل مناطق نزع السلاح.

«سوتشي» في الحسابات التركية
يمثل «سوتشي» الفرصة الأخيرة لأنقرة للحفاظ على نفوذها في سوريا؛ إذ تتعامل تركيا مع مسألة إنجاحه كأمن وطني لها.
ويفهم في هذا السياق تقديم تركيا لنفسها كمسؤولة عن إقناع الفصائل بالموافقة على البنود، التي وصفتها بعض الفصائل فور الإعلان عن الاتفاق بـ«المجحفة».
وتعود أهمية الاتفاق، إلى أنه أبعد الحل العسكري، على الأقل حتى الآن، عن الشمال السوري، الذي يعتبر آخر مناطق نفوذ الطرف التركي في سوريا.
وتسعى تركيا لفرض سيطرتها على الشمال ليس فقط عسكريًّا ولكن ثقافيًّا؛ إذ رصدت وسائل إعلام سورية تحركات تركيا في شمال سوريا لكتابة أسماء الشوارع بالتركية إلى جانب العربية، إضافةً إلى إقامتها لمنافذ بيع المنتجات التركية.
ليس ذلك فحسب، فتعتمد تركيا في شمال سوريا على «هيئة الشؤون الدينية» (المؤسسة الدينية الأولى في تركيا)؛ لإقامة مدارس دينية ومسابقات لأهالي الشمال، ضمن محاولات تصدير التدين التركي إلى السوريين.
للمزيد.. «التدين التركي».. «أنقرة» تستدرك خسارتها في سوريا بمعاونة الإخوان
وإذ كان إنجاح الاتفاق له من الأولوية ما سبق توضيحه؛ وإذ كانت الاشتباكات الأخيرة تهدد «سوتشي» بالفعل، فما كان في عقل «تحرير الشام» عندما سعت لهذه الاشتباكات، وكيف سيكون رد أنقرة؟

الباحث في شوون جماعات الإسلام الحركي، هشام النجار، قال: إن دافع الهيئة في هذه الاشتباكات هو تخوفها من تراجع ترتيبها داخل المشهد السوري، على خلفية التحولات التي يمر بها الشمال.
وانتقل إلى الضربات التركية ضد الأكراد، وظهور تنظيم داعش كطرف مجاور في هذه الضربات، مشيرة إلى أن ذلك قد يكون خوّف «الهيئة» من احتمالية عودة «داعش» المنافس الأول لها.
في التوقيت نفسه تلاحظ «الهيئة» اعتماد تركيا بشكل رئيس على «الجبهة الوطنية للتحرير»؛ ما يعني أن «تحرير الشام» تواجه اليوم منافسين على موقع الصدارة في المشهد السوري، هما «داعش»، و«الوطنية للتحرير».
وتابع إنه بناء على ذلك حاولت «تحرير الشام» الدفاع عن نفسها كرقم واحد في المشهد، متوقعًا إنه كلما استشعرت الهيئة مزيد من التخوف كلما نفذت عمليات عسكرية وخالفت اتفاق سوتشي؛ ما يهدد الموقف التركي.

هل تنفذ تركيا عملية عسكرية ضد «الهيئة»؟
على الرغم من أن تركيا لم تعلق لا من قريب ولا من بعيد على الاشتباكات المهددة لاتفاق سوتشي، فإن ثمة حملة دشنها ما أسمتهم «شبكة شام» «نشطاء سوريين»، طالبوا فيها أنقرة بحمايتهم من «هيئة تحرير الشام»، محملين تركيا مسؤولية سلامتهم من ممارسات الهيئة من اعتقال وتضيق.
وطالب «النشطاء»، بحسب الشبكة، تركيا بالتحرك ضد الهيئة والقضاء عليها، باعتبارها كيانًا إرهابيًّا له ممارسات قمعية ضد الأهالي.
وبما أن تركيا تعتبر «تحرير الشام» أصلًا كيانًا إرهابيًّا، فتشير القراءات إلى أن حملة النشطاء ربما تكون تمهيدًا لتحرك تركي عسكري ضد الهيئة، وهو ما دعمه موقع «روسيا اليوم» في تقرير عنونه بـ«تركيا على وشك مواجهة مباشرة مع التنظيمات الإرهابية بسوريا».
الباحث هشام النجار، لم يستبعد هو الآخر هذا الاحتمال، إذ قال: إن الهيئة مازالت تمثل إزعاجًا لتركيا، مشيرًا إلى أن تركيا قد تتحرك لتقليل نفوذ الهيئة، معتبرًا أن ذلك سيحدث بحرص شديد، باعتبار أن الهيئة مازالت أقوى الكيانات داخل المشهد السوري، ولها من القوة العسكرية والعددية والعناصر الأجنبية ما تخشى تركيا الاصطدام به.
ولفت إلى أنه رغم كل المواجهات العسكرية التي تتورط فيها الهيئة، فإن تركيا على وشك دخول مواجهة مباشرة مع التنظيمات الإرهابية بسوريا.
ولفت إلى أنه في الوقت الذي تحافظ فيه الهيئة على اتفاق سوتشي، فهي لا تقبل كذلك بتراجع ترتيبها بين الفصائل، مشيرًا إلى أن هذه المعادلة تحتاج إلى حسابات معقدة سواء من قبل الهيئة أو تركيا، ليخرج كلاهما بحد مُرضٍ من تنفيذ مصالحه.
وشدد على أن تركيا والهيئة إذا ما لم يتوصلا إلى معادلة تُرضي الطرفين، وتُحافظ على اتفاق سوتشي وموقع الهيئة وسط الفصائل، فربما نشهد مواجهات عسكرية بين الطرفين، معتبرًا أن ذلك في النهاية يصب في صالح النظام السوري الذي يسعى لتحرير الشمال السوري بالكامل والتخلص من تركيا والفصائل.
للمزيد.. «أزمة سوتشي».. «تحرير الشام» تضع «أردوغان» في مأزق