ad a b
ad ad ad

دور الاستخبارات الأوروبية في مكافحة تسلل الإرهابيين لمخيمات اللاجئين (2-2)

السبت 20/أكتوبر/2018 - 05:44 م
المرجع
نورا بنداري
طباعة

تناول الجزء الأول من الدراسة استراتيجية التنظيمات الإرهابية في استغلال الأزمات الإنسانية التي واجهها اللاجئون في معسكراتهم في الدول الأوروبية خاصة في الجزر اليونانية في بحر إيجة وشرق ألمانيا.


حيث نجحت التنظيمات الإرهابية في دس عناصرها الإرهابية في صفوف اللاجئين؛ لإنشاء فروع وخلايا للتنظيمات الإرهابية في الداخل الأوروبي تمهيدًا لتنفيذ العمليات الإرهابية مثلما حدث في باريس 2015، وأيضًا إنشاء فروع للدولة المزعومة في أوروبا، ويتناول الجزء الثاني من الدراسة عن الإجراءات التي اتخذتها أجهزة الاستخبارات في أوروبا لمواجهة تسلل الإرهابيين في صفوف اللاجئين وهو ما يتضح في المحاور التالية:   

دور الاستخبارات الأوروبية

  

المحور الأول: الكشف عن الإرهابيين

جعل وجود أعداد كبيرة من الإرهابيين مختبئين في صفوف اللاجئين العديد من دول أوروبا متخوفةً من تقديم المساعدة لملتمسي اللجوء الذين يحق لهم الحصول عليها من الدول التي وقعت وصدّقت على اتفاقية 1951، وبروتوكول الأمم المتحدة لعام 1967 المتعلق بوضع اللاجئين.

 وذلك يضع عبئًا على أجهزة الاستخبارات الأوروبية في الكشف عن وجود إرهابيين بين صفوف اللاجئين؛ نظرًا لأن معرفتها بذلك سيجعلها تتوخى الحذر، وتأخذ احتياطاتها الأمنية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، كما أن الاستخبارات لها دور أساسي يتمثل في مواجهة التحديات الأمنية الراهنة فهي المكلفة بعمليات الإنذار الاستراتيجي المبكر، والكشف عن الإرهابيين.

 وفي إطار ذلك، حذرت أجهزة الاستخبارات الأوروبية خلال الفترة الماضية، من أن هزيمة «داعش» في سوريا والعراق، جعلته يدفع بشكل مكثف بعناصر له للتسلل بين اللاجئين الذين وصلوا أوروبا.

 ومن ضمن أجهزة الاستخبارات التي تكشف وتحذر بشكل مستمر من خطورة هذا الأمر، هي وكالة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا متمثلة في مكتب حماية الدستور، الذي أعلن في تقريره السنوي في يوليو 2017، أن هناك مئات المحاولات لاستقطاب لاجئين جدد، في مخيمات اللاجئين، وذلك من قِبل إسلامويين وسلفيين؛ ما يدفع الأجهزة الأمنية الألمانية للبحث عن خطط لإيقاف هذه المحاولات (1).

 وأوضح رئيس جهاز حماية الدستور «هانز جيورج ماسن»، أن الجماعات السلفية المتطرفة تستغل حالة الإحباط التى يعاني منها لاجئون كثيرون هنا من تجاربهم المؤلمة، أو بسبب عدم التأقلم على المجتمع الجديد عليهم، أو في انتظار البت في طلبات لجوئهم والسماح لهم بالعمل، فتجتذبهم هذه الجماعات إليها وتروج لأفكارها المتطرفة بينهم، وظهر ذلك بشكل واضح في ولايتي بافاريا وشمال الراين وستفاليا؛ حيث عمل السلفيون المتشددون في هذه الولايات على اجتذاب شباب اللاجئين السوريين من خلال جمع التبرعات لهم(2).

 وكشفت تحقيقات الاستخبارات الألمانية، أن غالبية الأفراد المتورطين بأعمال تطرف وإرهاب في ألمانيا كانوا من أصول عربية، خاصة من سوريا، والبعض منها حصل على التدريب، وتسلل عبر موجات اللاجئين منذ مطلع عام 2015.

 

ومن الحوادث الإرهابية التي شهدتها ألمانيا وارتكبها للاجئين، الحادثة التي وقعت خلال شهر أبريل 2017، حينما ألقت السلطات الألمانية القبض على سوري في ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، للاشتباه بتجنيده أعضاء في مخيمات لجوء يونانية لخلايا إرهابية إسلامية في أوروبا (3).

 وأوضحت الاستخبارات الألمانية الداخلية، أن هناك جمعية إخوانية تعرف بـ«ملتقى ساكسونيا» تدير مسجدًا يحمل اسم «التقوى» بمدينة راشتات بولاية بادن فورتمبيرج، تعمل على الانتشار والتوغل في الولايات الألمانية فهي تضم نحو 13 ألف عضو، وأنشطتها تغطي جميع أنحاء البلاد؛ حيث أنشأت أكثر من 50 مسجدًا؛ ولذلك لجأت إلى اللاجئين لاحتياجها عددًا كبيرًا من الأفراد لنشر فكرها، ورصدت الاستخبارات الداخلية لبرلين عن أنشطه هذه الجمعية، موضحةً أنها تروج لأفكار جماعة الإخوان التي لا تتفق مبادئها مع الدستور والقانون الألماني والديمقراطية(4).

 ولذلك، تتعاون الاستخبارات الداخلية الألمانية مع الهيئة الاتحادية للهجرة وشؤون اللاجئين (بامف) التي تُبلغها باللاجئين الذين تشتبه في وجود تطرف لديهم، ولذلك أوضحت الحكومة الألمانية 26 سبتمبر 2018 أن «بامف» أرسلت لمكتب حماية الدستور خلال العام الماضي أكثر من 10 آلاف إشعار عن طالبي لجوء مشتبه فيهم، بعد أن كانت نحو 600 إشعار في عام  2015(5).

 وفي إيطاليا كشفت وثائق استخباراتية إيطالية سرية نشرت في 28 أبريل 2017، تسلل عناصر من تنظيم «داعش» الإرهابي إلى أوروبا عن طريق ليبيا، عبر برنامج صحي تشرف عليه حكومة الوفاق الوطني الليبية تحت قيادة «فايز السراج»، ويركز هذا البرنامج على علاج الجنود التابعين والموالين للحكومة، في القارة الأوروبية، وأشار التقرير الاستخباراتي إلى وجود «شبكة معقدة» من العناصر، التي أدت إلى تسلل عناصر داعش إلى أوروبا متنكرين ضمن جرحى ليبيين (6).

 وأوضحت الوثائق الإيطالية أن مدينة «مصراتة» الليبية، هي المركز الرئيسي لعمليات تهريب عناصر داعش إلى أوروبا؛ حيث إن هذه المدينة موقع لتهريب كثير من الناس من ليبيا إلى أي بلد آخر، من خلال عمليات الاتجار في جوازات السفر المزورة والهويات المزيفة للتغطية على الهويات الحقيقية لمقاتلي «داعش» وغيرها.

 وفي النرويج أشارت وكالة الاستخبارات الداخلية، إلى أن مستوى التهديد الوطني زاد نتيجة للعدد المتزايد من اللاجئين والمهاجرين الوافدين إلى البلاد، موضحةً أن إمكانية وجود متشددين مرتبطين بداعش وجماعات جهادية أخرى يصلون كملتمسي اللجوء لم تكن شاغلًا مركزيًّا بالنسبة للوكلاء في البداية، ولكن بعض ظهور العلامات الدالة على ذلك، فإنه من غير المرجح أن يتم استخدام نظام اللجوء النرويجي من قبل جماعات مثل داعش والقاعدة (7).

 وأعلن متحدث باسم جهاز أمن الشرطة النرويجية في أكتوبر 2015، أنه تم ضبط عدد من المتشددين، وهم يتحدثون إلى السوريين في مراكز اللجوء في العاصمة النرويجية «أوسلو» في محاولة لتجنيدهم، وهذا بالفعل يثير القلق إزاء تجنيد طالبي اللجوء في الأوساط المتطرفة.


دور الاستخبارات الأوروبية
المحور الثاني: إجراءات استخباراتية

مما سبق يتضح أن الاستخبارات الأوروبية على علم بتسلل عناصر من تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى ضمن صفوف اللاجئين؛ الأمر الذي يثير تساؤلات عدة بشأن دور هذه الأجهزة الاستخباراتية في مراقبة ومنع هذا الخطر، إضافةً إلى الأدوات الممكن استخدامها على المديين الطويل والقصير لمواجهة ذلك، منها ما يلي:

 1- الاستعانة بشركات الأمن الخاص

إزاء تفاقم أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، اتجهت بعض الحكومات الأوروبية إلى شركات الأمن الخاص لتأمين مخيمات اللاجئين، وفي هذا الصدد، تعاقدت الحكومة النمساوية، في عام 2015، مع شركة «أو آر إس» الأمنية الخاصة السويسرية؛ بهدف إدارة مخيمات اللاجئين على أراضيها، وهي الشركة نفسها التي تدير مراكز اللاجئين في سويسرا، فيما تقوم شركة «جي فور إس» بحراسة المخيمات الرئيسية للاجئين السوريين في عدد من الجزر اليونانية.

 وفي ألمانيا، توظف الشركات الأمنية الخاصة ما يصل إلى 235 ألف عنصر، خصوصًا مع تدفق قرابة مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا خلال عام 2015، وخلال الفترة القادمة ستعمل الدول على زيادة استعانتها بهذه الشركات للحفاظ على أمنها واستقرارها(8).

 2- إعادة النظر في الرقابة الحدودية بين الدول الأوروبية

تصاعد الجدل في أوروبا حول اتفاقية شنجن؛ بسبب انتقال الجناة عبر الحدود بين باريس وبلجيكا من دون الكشف عنهم، ونتيجة لذلك بادرت فرنسا ودول أخرى بتعزيز الإجراءات الرقابية على حدودها، ولعل ما قررته المفوضية الأوروبية في السابق بأن الرقابة والسيطرة الحدودية في منطقة شنجن ستُرفع بحلول نهاية عام 2016(9).

 3- وسائل التواصل مع اللاجئين

اتجه بعض الدول إلى الحصول على معلومات من اللاجئين بشأن وجود بعض العناصر المهددة لهم؛ حيث أنشأ جهاز المخابرات الداخلية الألمانية خطًّا هاتفيًّا مخصصًا لتلقي المعلومات من مخيمات اللاجئين، وحصلت السلطات الألمانية على الأدلة من المعلومات التي قدمها طالبو اللجوء في عموم ألمانيا، والتي تمثل خطرًا حقيقيًّا بوجود مجموعات إرهابية لداعش مكلفة بعمليات في أوروبا.

 4- هيكلة تسجيل اللاجئين

شددت الدول الأوروبية على عمليات تسجيل القادمين ما يمكّن الدولة من المراقبة عن قرب، لتفادي احتمال حدوث هجمات إرهابية أو افتراضية على الإنترنت، منها دائرة الاستخبارات الخارجية الألمانية والأمن الداخلي الاتحادي التي دفعت إلى توفير 73 مليون يورو لمراقبة الإنترنت ووسائل الاتصالات (10)، وكشفت وسائل إعلام ألمانية أن المخابرات الألمانية الخارجية تنوي مراقبة الاتصالات عن طريق مشروع يدعى «بانوس»  Panos، وهو  مشروع يمكّن من ضمان أمن ألمانيا ومواطنيها.

 5- التعاون بين الأجهزة الاستخباراتية

سعت أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى إنشاء شبكة افتراضية؛ من أجل تبادل المعلومات؛ بهدف تقوية العمل الاستخباراتي فيما بينها؛ لتنسيق المعلومات على المستوى الأوروبي، وتعزيز مكافحة الإرهاب، خاصةً بعد هجمات باريس الأخيرة التي كشفت ثغرات التعاون بين أجهزة المخابرات، خاصةً بين فرنسا وبلجيكا.

 وأصبح من الضروري نتيجة لهذا أن تتواصل الأجهزة الأمنية الأوروبية بصفة أكثر فاعلية؛ لذلك اقترحت المفوضية الأوروبية بعد هجمات باريس مباشرة فكرة «إنشاء وكالة استخبارات أوروبية»، على منوال «وكالة الاستخبارات الأمريكية»، إلا أن الاقتراح رفض في نهاية المطاف، ليتم تعويض ذلك باقتراح إنشاء منصة افتراضية لتبادل المعلومات في يوليو 2017(11)، ورغم أهمية هذا، فإن صعوبة تنفيذها يكمن في مخاوف بعض الدول من المس بسيادتها.

 مما تقدم يتضح أن أجهزة الاستخبارات الأوروبية تعاني خللًا يعوقها عن إيقاف هذه الأزمة، وذلك على مستوى دوائر الهجرة وأجهزة الاستخبارات، التي لم تستطع حتى الآن تجاوز البيروقراطية في التعامل، فرغم أن أجهزة الأمن والشرطة والهجرة أجهزة تنفيذية، ولا تقوم بأي عمليات دون موافقات القضاء، لكن لا يصل الحد إلى مستوى أن يتسلل عناصر التنظيمات المتطرفة أمام أعين دوائر الهجرة والاستخبارات؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات عدة للتصدي لذلك؛ حيث إن التسلل الإرهابي بين صفوف اللاجئين سيزيد من تعقيد حياة اللاجئين؛ إذ بات منطق الاتهام الجماعي منتشرًا في دول الاتحاد الأوروبي بأن هؤلاء اللاجئين بينهم إرهابيون.

 ويرجع فشل بعض أجهزة الاستخبارات في منع هذه الأزمة إلى أسباب مختلفة، فعلى سبيل المثال، نجد أن الإخفاقات عند الاستخبارات الفرنسية، وفشلها بالكشف عن عمليات محتملة وبتعاملها مع المعلومات، يعود إلى اعتماد فرنسا في مواجهتها للإرهاب على الطرق الصلبة عسكريًّا بتمديد حالة الطوارئ ونشر القوات، أكثر من اعتمادها على المعلومات والبيانات، أما على الجانب الآخر يبدو أن الاستخبارات الألمانية والبريطانية، أفضل حالًا مقارنةً مع استخبارات دول أوروبا الأخرى؛ كونهما حافظتا على فرض الأمن، ما عدا عمليات محدودة منفردة ، لم تؤثر كثيرًا عليها.

  لذلك، يفترض أن تراجع أجهزة الهجرة بصمات الأصابع والسجل الجنائي للمطلوبين، وإنشاء بنك معلومات يتم الدخول عليه عبر منصات إلكترونية ومنظومة مغلقة بعيدًا عن البيروقراطية والروتين، تشترك فيه الدول المعنية بمكافحة الإرهاب؛ من أجل تقاسم المعلومات والبيانات، وهذا الأمر يتطلب تطوير كل من الأجهزة الأمنية والاستخبارية وحتى العسكرية؛ لمنع وصول الإرهابيين مع اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي؛ لأن المتطرفين يعتبرون أزمة اللاجئين فرصة لتجنيد هؤلاء من أجل قضيتهم.

المصادر:

1.( Brief summary 2017 Report on the Protection of the Constitution, july 2017, p.7, linked at: file:///C:/Users/noura.bendary/Downloads/annual-report-2017-summary%20(2).pdf

 

2. ERIK KIRSCHBAUM, German intelligence chief warns about growing number of Salafi Muslims in his country, los angeles times site ,14 SEP. 2016, linked at:http://www.latimes.com/world/europe/la-fg-germany-salafi-20160914-snap-story.html

3. جاسم محمد، أجهزة الاستخبارات... ثغرات في رصد عناصر تنظيم داعش، شبكة رؤية الإخبارية، 18 أغسطس 2018، متاح على: https://goo.gl/Pkywm3

 

4. gmbwatch, German Intelligence Official Calls Muslim Brotherhood “A Threat To Western Democratic Systems” , February 20, 2017 , linked at:https://www.globalmbwatch.com/2017/02/20/german-inteligence-offical-calls-muslim-brotherhood-a-threat-to-western-democratic-systems/

5.  ألمانيا- زيادة ضخمة في إشارات الإبلاغ عن لاجئين مشتبه بهم، موقع دويتشه فيله، 26 سبتمبر 2018، متاح على: https://goo.gl/R7TQjK

6. Italy fears Isis fighters slip into Europe posing as injured Libyans, the guardian site, 28 April 2017, linked at:https://www.theguardian.com/world/2017/apr/28/islamic-state-fighters-infiltrate-europe-posing-injured-libyan-soldiers

7. Lizzie Dearden, Norwegian intelligence agency says arrival of refugees is increasing national security threat, the independent site, 24 September 2015, linked inhttps://www.independent.co.uk/news/world/europe/norwegian-intelligence-agency-says-arrival-of-refugees-is-increasing-national-security-threat-10515747.html

8. أدوار نوعية: مهام جديدة لشركات الأمن الخاصة بالشرق الأوسط، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 9 مايو 2017، متاح على:https://goo.gl/Z2xNcB

9. عزة هاشم، رؤى غربية: دلالات وتبعات هجمات بروكسل الإرهابية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 27 مارس2016، متاح على:http://rawabetcenter.com/archives/23435

10.  ألمانيا وتحديات تسلل عناصر «داعش» بين اللاجئين، موقع دويتشه فيله، 15 نوفمبر 2016، متاح على: https://p.dw.com/p/2SiwO

11.  الاستخبارات الأوروبية تريد إنشاء شبكة لتبادل المعلومات في حربها ضد الإرهاب، موقع فرانس 24، 24 فبراير 2016،

متاح على: https://goo.gl/iniUVC

 


"