«داعش» المرتبك.. العذر بالجهل نموذجًا (2-2)
السبت 20/أكتوبر/2018 - 04:28 م
ماهر فرغلي
تناولت
الدراسة في الجزء الأول منها، سيطرة التيار الحازمي على مفاصل تنظيم «داعش»، بما أحدث حالة من الارتباك داخل التنظيم في بعض القضايا، وتحديدًا «العذر بالجهل»، إلا أن «أبابكر البغدادي» حسم المسألة، وراح إلى عدم العذر،
بل وكفّر مَن لم يكفر العاذر.
وفي الجزء الثاني، نتعرض بالتفصيل لمسألة «العذر بالجهل»، وما ترتب عليها من تبني أفكار تكفيرية، تخالف أقوال العلماء عبر قرون طويلة.
العذر بالجهل النموذج
من
المعلوم أن هناك موانعَ تمنع من التكفير مثل التأويل والإكراه والجهل، وأن
القول إذا كان في نفسه كفر، لا يقال كفر، إلا بثبوت شروط وانتفاء موانع؛
لذا فهناك من الإسلامويين من يرى العذر بهذه الضوابط، وهناك من يرى أنه لا
عذرَ لطوائفَ دون غيرها مثل قوات الشرطة والجيوش، وآخرون يرون بعدم العذر
حتى للأعوان، أي كل الطوائف المُعِينة للحكام، لكن ما تطور في تلك المسائل،
هو الحكم بإنزال أحكام الديار على قاطنيها، فيعتبر «داعش» -في أقوال بعض
شرعييه- أن كلَّ الدول الآن هي دُور كفر، وأنه يجب الهجرة لدار الخلافة، وأن
قاطني الديار كفرة إلا من ثبت إيمانهم، وهو القول نفسه لجماعة «التوقف
والتبيّن» بمصر.
ويرى
«داعش» أنه بإعلان الخلافة، بطلت شرعية كل الإمارات والجماعات في العالم
الإسلامي، ومن جاء ليعلن إمارة جديدة؛ فيُقتل لحديث «إِذَا بُويِعَ
لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا» (صحيح مسلم [1853 ونحوها
من النصوص، وفق ما ورد في مجلة التنظيم «دابق»، في العدد الخامس صـ25.
ومن
هنا اتضح في مسألة العذر بالجهل، أن التنظيم في مراحله المختلفة كان
مرتبكًا إلى حدٍّ ما، إلا أن خطابه اتضح منه أن يميل إلى التكفير قبل
العذر، وظهر منه التالي:
1- عدم التفريق بين الطائفة والأعيان
من
القواعد التي يتبناها التنظيم ولها أثرٌ واضح في خطابه قاعدتان: الأولى:
عدم التفريق في التكفير بين الطائفة والأعيان، والثانية: تقديم قتال المرتد
على قتال الكافر الأصلي.
فأما
قاعدة عدم التفريق في التكفير بين الطائفة والأعيان فقد نشر التنظيم بحثًا
في مجلة «دابق» نَقَد فيه بعض المقالات الخاطئة في التكفير، ومنها أنه ذكر
قول مَن يفرِّق بين الطائفة والأعيان، فيقول مثلًا، الجهة الفلانية طائفة ردة
لكني لا أكفِّر كل أعيانها، فبيّن التنظيم في «دابق» بالعدد الخامس، أن
هذا القول خطأ، وأنه لا فرقَ بين الطائفة والأعيان، وإذا وقعت الطائفة في
الكفر انسحب اسم الردة على كل أعيانها، كما يذكر التنظيم أن بعضهم يُفرِّق
بين الطائفة وأعيانها في اسم الكفر وبعض أحكامه، وهذا التفريق مخالف لإجماع
السلف في حق الطوائف التي اجتمعت على كفر، كنصرة القانون.
2- تقليص موانع تكفير المعينين
قلّص
«داعش» موانع التكفير، خاصةً مانع الجهل والتأويل؛ لذا تراه اخترع ما
يُسمى (التكفير باللوازم)، وامتحن العوامّ في عقائدهم، وكفر بالموالاة؛ حيث
ركّب وصف (الصحوات) على الناقض الثامن من نواقض الإيمان (مظاهرة المشركين
ومعاونتهم على المسلمين)، وبنى تكفيره للمعينين على وصف العاملين
بالديمقراطية على الناقض الرابع (من فضّل حكم الطواغيت على حكم الشرع)،
وذكر في ذلك «فإن المرء إذا كان يُقدّر وجود (مسلمين) في صفوف الطائفة،
ويوسع لهم دائرة العذر ليشمل الجهل بأصل الدين، فسيضطر -من حيث يشعر أو لا
يشعر، عاجلًا أو آجلًا- إلى أن يتورع ويحتاط، فلا يستهدف المرتدين خشية أن
يقتل (مسلمين متأولين)»، كما ورد بالمصدر السابق.
وقد
تحدث شرعيُّ التنظيم «تركي البنعلي»، قبل أن يتم عزله فيما بعد؛ بسبب عدم
تكفيره «أيمن الظواهري» زعيم تنظيم «القاعدة» الحالي، تفصيلًا حول تكفير
العاذر وموانع التكفير، وقال: من لم يكفره (يعني المشرك) على 3 أقسام:
1- من لا يرى ذلك كفرًا إلا بربطه بالقلب فذلك مرجئ.
2- من يرى ذلك كفرًا ولكن يعذره بمانع فذلك سنيّ يحَاوَر.
3- من يرى ذلك كفرًا ولا يرى أي مانع ثم يتوقف عن تكفيره فهو كافر، وهو المعني بمثل هذا النقل.
من
هنا فيما يتعلق بقواعد الكفر والإيمان، اعتقد «داعش» أن قتال المرتد أولى
من قتال الكافر الأصلي، واختار القول الفقهي الذي يؤيد ذلك، كما ورد في
بيان للمتحدث الإعلامي السابق، «أبومحمد العدناني»، بعنوان: «الآن جاء
القتال»، مؤكدًا أنَّ الذي أمرنا بقتال الكافر الأصلي أمرنا بقتال المرتد، بل
وقدَّم قتال المرتد، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، في الدقيقة 35.
في
بيانٍ آخر، تحدث «العدناني» عن الاستحلال، وكفر الجيوش، وتكفير الجنود
بشكل عام، دون إقامة حجة، أو موانع التكفير الأخرى، وقال في بيانٍ بعنوان:
(السلمية دين مَن؟!): «لابد
لنا أن نصدع بحقيقة مُرّة لطالما كتمها العلماء، واكتفى بالتلميح لها
الفقهاء، ألا وهي (كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت)، ولابد لنا أن
نصرحَ بهذه الحقيقة المُرّة ونصدعَ بها، ليهلكَ من هلك عن بينة ويحيى من
حيَّ عن بينة، إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش
رِدة وكفر، وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش ورِدتها وخروجها من الدين، بل
ووجوب قتالها لهو القول الذي لا يصح في دين الله خلافه» مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، الدقيقة 15.
اعتبر
التنظيم أن مَن لم يحكم على الجيوش بالكفر فهو خارج عن مذهب أهل السنة،
وهو مرجئ، في شهادة لأحد
منسوبيه ذكر فيها الأخطاء الإرجائية عند بعض المدارس القتالية، وقال من
ضمنها: «تنظيم جهادي له توجّه إرجائي لِما كان يصدر عن بعض قيادته قديمًا
بخصوص بعض الحُكّام المرتدين، خاصةً آل سعود، وعساكرهم، والتوقف في ردتهم»، مجلة «دابق» العدد السادس.
3- عدم جواز القتال في الجيوش
يقول
التنظيم: «كما أنه لا يجوز أن يُقاتل الحوثيين الرافضة، وإذا قاتل تحت
قيادة الطاغوت دفاعًا عن نظامه الكفري فإنه يرتد عن الإسلام».
4- كفر الأعوان
يكفِّر
التنظيم الأعوان، أي الدائرة المحيطة بالحكام، كما ورد في بيان بعنوان (قل
موتوا بغيظكم، مؤسسة الفرقان): حكام العرب مرتدون، وجيوشهم وسحرتهم من
علماء السلاطين.
كما في بيانٍ آخرَ للمتحدث الإعلامي السابق، «أبومحمد العدناني»: «المرتدون من بني جلدتنا بكل أطيافهم وعلمائهم».
5- تكفير جماعة الإخوان
يقول
شرعيُّ التنظيم أبوحامد البرقاوي، في مقاله (صد العدوان في الردِّ على مكائد
الإخوان): رَضيت حماس أم أبَت، فلقد خرجوا مِن الدِين، ومَن يُريد الفائدة
في هذا الموضوع فليقرأ كِتاب «القَول الأساس في كُفر حماس».
في
إصدار نشرته مؤسسة «البتار» الإعلامية، لـ«أبي طلحة الفرنسي»، يدعو فيها
شباب فرنسا للهجرة، قال: «إن لم تستطيعوا الهجرة إلى دار الإسلام، فجاهدوا
في فرنسا؛ فإن اليهود والمرتدين هناك كُثر، قالوا عنّا متطرفين، وأجمع
العالم علينا بأسره لقتالنا، والعالم لم يُجمع على قتال حزب الله، ولا على
كتائب أبي الفضل الأنجاس المشركين، لماذا؟ لأنهم يذودون عن اليهود، ويذودون
عن أعراض اليهود».
6- الكفر بالموالاة
يكفر
التنظيم بالموالاة، والتتابع، فعلى سبيل المثال، مَن قاتل مع الجيش الحر
فهو مرتد، ومن لم يكفره فهو كافر أيضًا، ولهم استدلال بأقوال لابن القيم،
في مفتاح دار السعادة، وفي إصدار عن ولاية الخير التابعة لـ«داعش» بعنوان
(يا قاعدة اليمن إلى أين تذهبون؟) اعتبر المتحدث في الإصدار الملا «أختر»،
زعيم «طالبان» سابقًا، طاغوتًا؛ حيث قال مخاطبًا أيمن الظواهري: «أي انحراف
عن الحق هذا؟ يبايع طاغوت طالبان وينصره، ويزعم أن هذا خليفة للأمة،
ويعتقد أن مرسي وحمد مسلمان»، ثم تابع قائلًا: «المعتوه الطاغوت «أختر» يحمل
علاقة ود مع إيران المجوسية، ويحمي المزارات الشركية، ويتعاون مع المخابرات
الباكستانية».
كما
يعتقد التنظيم أن الفصائل السورية، هم كالمرتدين أيام أبي بكر الصديق، كما
قال العدناني، في كلمة بعنوان (الرائد لا يكذب أهله، مؤسسة الفرقان
للإنتاج الإعلامي، الدقيقة: 30): «يا أجناد الشام.. إنها الصحوات ورب محمدٍ
صلى الله عليه وسلم، إنها الصحوات ورب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، لاشك
عندنا ولا لبس، كُنا نتوقع ظهورها ولا نشك في ذلك؛ لأنها سنة الجهاد منذ
زمن أبي بكر الصديق وحتى يومنا هذا، إلا أنهم فاجؤونا واستعجلوا الخروج قبل
أوانهم، ولعل هذا من بركات الشـام التي لا يظهر منافقوها على مؤمنيها،
فإياكم إياكم واللين معها، احملوا عليهم حملةً كحملة الصديق، واسحقوهم
سحقًا».
في
الختام، فإنه ثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن كلمة «البغدادي» لم تأتِ من
فراغ، وإن «داعش» لا يعذر بالجهل مطلقًا، كما أنه لا يعذر العاذر، بل
وابتدع التكفير بالإلزام، والنواقض، والتتابع، وأنزل أحكام الديار على
ساكنيها، وفي هذه المسائل ارتبك ارتباكًا كبيرًا ما بين أعمال التنظيم،
وأعمال الأفراد والدول، إلا أن المجموع النهائي، الرسمي والفردي، هو (تنظيم
مرتبك فقهيًّا وعقديًّا).





