ad a b
ad ad ad

«داعش» المرتبك.. العذر بالجهل نموذجًا (1 - 2)

السبت 20/أكتوبر/2018 - 03:28 م
المرجع
ماهر فرغلي
طباعة

تحدث أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، في كلمته التي ألقاها يوم 29 سبتمبر 2017، عن مسألة العذر بالجهل، وقال: «إن الحجة أقيمت»، وهذا معناه التكفير على العموم، وتلك هي المسألة الكبرى التى فرّقت التنظيم الآن؛ حيث اختار بعض عناصره عدم العذر على إطلاقه، واختار آخرون عدم العذر لطوائف بعينها، حتى حسم زعيم «داعش» المسألة، وراح إلى عدم العذر، بل وكفّر مَن لم يُكَفِّر العاذر.

أبومحمد العدناني
أبومحمد العدناني

ارتباك التنظيم


ارتبك التنظيم بلاشك في المسألة، واتضح هذا في عدد من البيانات الرسمية، ومنها ما أطلقه المتحدث السابق باسم التنظيم، «أبومحمد العدناني»، من المديح في وصف الملا عمر، الزعيم الروحي لطالبان الأفغانية، وحركة طالبان، ثم تكفيرها فيما بعد؛ حيث قال في بيانٍ نشره موقع «شموخ الإسلام»:

يا من ظُلِمتَ ارحل إلى الملا عمر *** وقفاته عدلٌ ورشدٌ نادرُ

بشتونه والطالبان حماتنا *** قد عاهدوا الرحمن أن لن يغدروا

لن يُخذل الإسلام لا *** ما دامت الأرواح فيهم أو دماءٌ تقطرُ


لكن في منشور آخرَ معنون، بـ(بيان موقف الدّولة الإسلامية من مقالة المفترين)، كفّر «طالبان» وقال فقيه التنظيم «أبوحامد البرقاوي»، في مقال نشرته مؤسسة «البتار» معنون بـ(المستجير بالرمضاء بالحطب): «كيف للقاعدة أن تبايع هؤلاء وتتفاخر بهم بأي حجة أتيتم، فكاتب الوحي ارتدّ عن دين الله، أو أن الفزعات والنخوات دين آخر استحدثتموه، فلا تلتفت لجماعة توالي من يعتبر مرسي مسلمًا فاتحًا، فطالبان صرحت بأن مرسي مسلم، وتعتبر وصوله للسلطة فتحًا».


كان «داعش» يحكم أن العاذر بالجهل ليس بكافر إنما هو مسلم ليس عليه شيء ولا يثبت له شيء من أحكام الكفار، وهذا ما ذكره شرعيّ التنظيم «أبوبكر القحطاني» في موقع «إصدارات الدولة»: من لم يكفّر المشركين، أو شكّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم، من لم يكفّر الكافر، فقد لا يكون يعرف حاله.


في مقال لأبي ميسرة الشامي، نقله موقع «البتار»، أنهم يعذرون المشركين، قائلًا: «إن كلام الشيخ الذي تقرؤونه على الناس في قوم كفار ليس معهم من الإسلام شيء، فانظر كيف زعموا أن الذين كفّرهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ليس معهم من الإسلام شيء، لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا غيرها!!».


أما رسالة (في العاذر) لأبي معاذ النصراني، ففيها: «فمن الجناية على العلم والمنهج تكفير اتجاه الإعذار بالجهل، أو تكفير أهله».


كما كان «داعش» يحارب الذين يكفّرون العاذر بالجهل، ويسجنهم، بل ويقتلهم أمثال: «أبوجعفر الحطاب»، و«أبومصعب التونسي»، و«أبوأسيد المغربي»، و«أبوالحوراء الجزائري»، و«أبوخالد الشرقي»، و«أبوعبدالله المغربي»، لكنه فجأة عَزَلَ «تركي البنعلي»؛ بسبب إصراره على «عذر الجاهل»؛ حيث قال أنصار التنظيم في بيانٍ نقلته وسائل إعلام: إن اللجنة العليا المفوضة أقرّت بأن الحجة قد قامت في «داعش»، ولا يعذر أحد بتاتًا بجهل أو تأويل أو غيره من الأعذار.


ملخص المعادلة، كما أكدها أحد قادة التنظيم، «أبوهريرة» كالتالي: «إذا لم تعمل مع «داعش» وتعلن البيعة له، فأنت جاهل بالدين، وبالتالي يجب قتلك حتى لو كنتَ غير مدرك لخطورة موقفك؛ لأن جهلك ليس مبررًا لالتماس العذر لك، والنقطة الثانية من المعادلة، إذا أفتى أحد الشيوخ بأنه يجوز عدم معاقبة الجاهل لجهله، أي تقديم العذر له، فإن مثل هذا الشيخ في أدبيات «داعش» يكون كافرًا، يجب قتله أيضًا».

«داعش» المرتبك..
التيار الحازمي يحسم ويسيطر
التيار الحازمي يُنسب إلى السعودي «أحمد بن عمر الحازمي»، وهو لا يرى عذر الناس جميعًا، ويرى أن الحجة أقيمت، وقد تغلغل أتباعه بمفاصل التنظيم وسيطروا عليه، وهم مَن يرون «تكفير العاذر»، ويقول عضو التنظيم «أبوهريرة»: «إن مناقشات جرت بينه وبين تركي البنعلي، مفتي داعش، ولاحظت وجود خلط من جانب جماعة البغدادي بين ابن عربي، و(أبوبكر بن العربي)، الذي له كتابات قديمة عن العاذر بالجهل، والمتوفَّى سنة 543 للهجرة في المغرب».

لكي نفهم ما حصل فعلينا أن نعرف أنه أُفرج عن «أبومحمد المقدسي» وتلميذه «أبومصعب الزرقاوي» عام 1999، وانتقل الأخير فيما بعد إلى العراق، وكان الأول قد كتب في السجن «يا صاحبي السجن»، و«ملة إبراهيم»، وغيرهما من الكتب التي أسهمت في تشكيل وعي السلفية الجهادية بالعالم.

وحول بعض القضايا مثل العمليات التفجيرية في شيعة العراق على العموم، اختلف المقدسي مع الزرقاوي، وكتب له رسالة بعنوان: (مناصرة ومناصحة)، دعاه للابتعاد عن الكنائس والمساجد والشيعة.

ويرى «المقدسي» العمل بمذهب «ابن تيمية» في عدم تكفير عموم الشيعة، وعدم جواز تفجير مساجدهم، بينما كان «الزرقاوي» يرى أن فتوى «ابن تيمية» غير صالحة؛ بسبب اختلاف الواقع (رغم أنه لا يطبق الأمر نفسه بكلِّ المسائل!)، وقال في بيانٍ له: «ومن الظلم أن يُؤتى بفتوى ابن تيمية في عصره، ثم تنزل على واقع الرافضة اليوم من دون النظر في الفوارق بين العصرين».

انقسم التيار بصفة عامة إلى سلفية جهادية يقودها المقدسي، وأخرى يقودها الزرقاوي؛ الأول يرفض الديمقراطية والتعددية والعمل النيابي التشريعي والتعليم العام في المدارس والجامعات، ويعتبرها من أعمال الكفر، حتى إنه يرفض إدخال أبنائه المدارس، ويعتبر حكومة طالبان أقرب النماذج للحكم الإسلامي المعاصر، ويكفّر الحكام والدساتير والجيش والشرطة، وأئمة المساجد المؤيدين للحكومات (المقدسي منع أولاده الثمانية من الالتحاق بالمدراس الأردنية)، والثاني، يرى بما يقوله الأول، إلا أنه توسّع في التكفير، وقتال الجيوش، وتكفير الشيعة، سواء علماءهم أو عامتهم.

جاء «الحازمي» ليكون امتدادًا للزرقاوي، وسيطر تياره -وأغلبهم من التونسيين- على التنظيم، خاصة منصب القضاة الشرعيين؛ لينتهي «داعش» للتالي:

1- الحُجَّة أقيمت
يعتبر أنصار «داعش» أن الحجة أقيمت وفق ما قالوه في بيانٍ لهم: «إن اللجنة العليا المفوضة أقرّت بأن الحجة قد قامت، ولا يُعذَر أحد بتاتًا بجهل، أو تأويل، أو غيره من الأعذار».

2- دولة الخلافة هي الممثل الوحيد
يرى أتباع «داعش» -كما جاء بمجلة «دابق» انقسام العالم اليوم إلى طرفين: «الخلافة من جانب، والصليبيين وأعوانهم المرتدين على الجانب الآخر، وهذه الجماعات الجهادية إذا اعترفت بهذا الكيان العظيم الممثّل للإسلام وهو الخلافة فسيترتب على هذا أن ينزعوا الشرعية عن أنفسهم، ويخسروا التأثير والسلطة الشخصية» العدد السابع صـ62.

قال «أبوالحسن الأزدي»، في كتابه الصادر عن مؤسسة «المأسدة» الإعلامية، ونشرته شبكة «شموخ الإسلام»، ناقلًا عن عطية الله الليبي، أحد أعضاء «داعش»: «إن دولة العراق الإسلامية تحظى بالشرعية المستندة إلى الحق الثابت المتقرر في الشريعة الإسلامية، وفقهها؛ لذا وجبت بيعتها».

ورأى الأزدي «أن الدولة أُسست ببيعة شرعية، وأن البيعة قد انعقدت لـ«أبي بكر البغدادي» انعقادًا صحيحًا باختيارِ، ومشاورة أهل الحل والعقد».

وفي كتاب «إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام»، لتركي البنعلي، أن الدولة التي يطلبها الشرع، هي دولة مرتكزة على عقيدة التوحيد، ومنبثقة عنها، ودولة «أبي بكر البغدادي» هي بناء إسلامي ينتهض من واقع جاهلي.

3- المجاهد المرتد والمنافق
لـ«داعش» تقسيم جديد، وهو أن المجاهدين ينقسمون لنوعين: النوع الأول: المجاهد المرتد الصريح، وهو الذي يُعلن أنه يقبل بالدخول في العمل البرلماني، والنوع الثاني: المجاهد المنافق الذي يعلن عدم قبوله بالدخول في العمل البرلماني، لكن تظهر ردته حين يساعد ويظاهر النوع الأول ضد التنظيم، كما جاء في مجلة «دابق»: «الفصائل المنافقة المرتدة هم أولئك الذين ينتقلون من المنطقة الرمادية إلى معسكر الكفر، بمعاونة المرتدين السافرين، وهم الفصائل الديمقراطية والعلمانية، ضد المجاهدين» العدد السابع صـ64.

4- الحكم بالكفر على المتعاونين
كانت هناك مسألتان مهمتان، شغلتا «داعش»، وهما: هل أخذ بيعة من رجلٍ انتمى إلى الجيش الحر كفرٌ؟ وهل قتال مسلمين لمسلمين آخرين بالاشتراك مع مرتدين، كفرٌ؟ وكانت الإجابة عن السؤالين، لديه، تعني الحكم بالكفر على مَن انتمى إلى ما يُعرف بالجيش السوري الحر، الذي يقاتل الرئيس السوري بشار الأسد، والحكم بالردة على المتعاونين معه، وكذلك الحكم بالكفر في مسألة قتال مسلمين لمسلمين آخرين بالاشتراك مع مرتدين.

وبالطبع فإن أحكام الردة تتسع لديهم بشكل لم يسبق له مثيل، يقول «أبوحمزة البغدادي»، في مقاله (لماذا نقاتل؟ ونقاتل مَن؟) المنشور على شبكة «البتار» الإعلامية، التابعة للتنظيم: إن معركتنا مع الحكام الطواغيت من اليهود والصليبيين والرافضة والمرتدين إنما هي معركة مع أنصارهم وجندهم وأوتادهم، (واختلف أهل التأويل في معنى قوله تعالى (ذي الأوتاد) ولمَ قيل له ذلك؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذين يقوون له أمره، وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع الجنود، ونحن نقاتل لإعلاء دين الله تعالى الذي ارتضاه لنا، ونَكبِت كلَ دين باطل على هذه الأرض؛ وذلك امتثالا لأمره تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يؤُمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) سورة التوبة / ٢٩، أما حكم أنصارهم من علماء السوء والإعلاميين والجنود وغيرهم فهم كفار على التعيين، (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ علِيمٌ).

5- الاغتيال لمن حكموا عليهم بالردة
أجاز «داعش» اغتيال مناوئيه، باعتبار أن الدول دُور كفر، مستدلًّا بموسوعة الجهاد الكبرى، (1/510504)، وقال: إن الاغتيال هو «عملية قتل مفاجئ تُنَفَّذ ضد هدف معين معادٍ؛ بغرض كفّ أذاه عن المسلمين، أو بغرض ردع غيره من المجرمين، وإنه جائز للدولة».

6- تكفير الشيعة على العموم، وعدم قبول توبة مقاتليهم
لا يقبل «داعش» توبة من قاتله من الشيعة، بل يجيز اغتيالهم على العموم على اعتبار أنهم ارتدوا ردة مغلظة، ويستدل في تكفيرهم وصحة اغتيالهم بقول «ابن تيمية»: «إن الإنسان يُكَفَّر بكلمة يُخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يُعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى لله كما يظن المشركون»، وهذا وفق ما ورد عن مفتي التنظيم، «أبي همام بكر بن عبدالعزيز الأثري»، في (خط المداد في الرد على الدكتور إياد) وهو الأردني إياد القنيبي.

7- الديمقراطية كفر
جعل «داعش» الدعوة إلى حكومة مدنية تعدّدية ديمقراطية مناطًا شركيًّا مخرجًا من الملّة، وأنّ الدعوة إليها كفر مُخرج من ملّة الإسلام، وعلى هذا كفّرت أكثر المسلمين.

في المصدر السابق، قال أبوهمام الأثري: يقول الدكتور إياد متسائلًا: هل تقبل الدولة حقيقة رقابة الأمة ومحاسبتها وتوجيهها؟! ونحن هنا ننزه الدكتور، وهو ممن اجتهد في محاربة الديمقراطية، وشبهات الديمقراطيين أن يُطلق نحو هذه الإطلاقات المنسجمة مع الديمقراطيين! إذ إن الدولة في الإسلام لا تتم الرقابة عليها من الأمة، بل من أهل الاختصاص في الأمة كالحسبة وأهل الحل والعقد، قال الإمام ابن كثير: «نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم لعائن الله- فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة».

في بيانٍ سُمّيَ «بيان الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية في العراق والشام حول الجبهة الإسلامية وقياداتها»، يعرض فيه داعش موقفه (الذي يقول إنه موقف أهل السنة) من الدعوة إلى الديمقراطية، فبعد أن يعرّف الديمقراطية تعريفًا على هواه، يبتدع «داعش»، أصلًا جديدًا ينسبه إلى أهل السنة والجماعة؛ حيث يقول: «ذلك من الثوابت عند أهل السنة والجماعة، أنّ الدعوة إلى إقامة حكومة مدنية تعدّدية ديمقراطية، عملٌ مخرجٌ من ملّة الإسلام، وإنْ صام دعاتها، وصلّوا وحجّوا وزعموا أنّهم مسلمون».
"