ad a b
ad ad ad

ملامح مشروع «علي جمعة» الجديد لإحياء التصوف في مصر

الأحد 21/أكتوبر/2018 - 01:49 م
علي جمعة
علي جمعة
سارة رشاد
طباعة

يومٌ بعد يومٍ يُكرِّرُ المفتي السابق لمصر، الدكتور علي جمعة، حضوره في المشهد المصري بهويته الصوفيَّة منذ أن أسس الطريقة «الصدّيقية الشاذلية»، مطلع فبراير الماضي؛ ليصبح الآن من أبرز قيادات الصوفية الطرقية.



مسجد السيد البدوي
مسجد السيد البدوي

منذ إِجَازة الطريقة، يُفضِّل المفتي السابق الظهور بهويته الصوفية، ظهيرة أول أمس، كانت أحدث هذه اللقاءات؛ إذ وقف بمسجد السيد البدوي في مدينة طنطا، بدلتا مصر، أحد أكبر مساجد مصر، ملقيًّا خطبة الجمعة.


جاءت الخطبة صبيحة الليلة الختامية لمولد السيد البدوي، التي شارك فيها ما يزيد عن مليون صوفي (ليلة الخميس) وحضرها «جمعة».


تُعد هذه المرة هي الأولى التي يحتفي فيها الصوفية بمشاركة مؤسس «الصديقية الشاذلية» بمولد صوفي؛ إذ ظلَّ طوال حياته يكتفي بدروس علمية يلقيها داخل جدران مسجد «فاضل» الذي بناه على نفقته الخاصة بمدينة 6 أكتوبر (تبعد 38 كم عن القاهرة)، ويستقبل فيه محبيه من مختلف الجنسيات.


ظهور متكرر.. هل يحمل جمعة مشروعًا إصلاحيًّا صوفيًّا؟

حضور «المولد»، لم يكن الحدث الاستثنائي الأول بالنسبة لرجل الإفتاء السابق؛ إذ سبقها بشهر تقريبًا، وتحديدًا في 11 سبتمبر الماضي، بمشاركة في ما يُعرف بـ«موكب الهجرة»، وهي إحدى المناسبات الدينية التي اعتادت الصوفية المصرية إحياءها منذ زمن بعيد؛ احتفالًا برأس السنة الهجرية.


وفي قراءة لهذا الظهور، ذهب مراقبون إلى أن وجود «جمعة» في هذه المناسبة بأبناء طريقته الذين حرصوا على ارتداء الزي الأزهري خلالها، رسالة تؤكد ما تردد أخيرًا بخصوص «جمعة»، مسؤولية تنقيح التصوف المصري وإحيائه، ويفسرون دخوله إلى الصوفية الطرقية -في هذا التوقيت تحديدًا- بأنه يحمل مشروعًا إصلاحيًّا.


يتسق ذلك مع تعمد أبناء «جمعة» الظهور بزي أزهري في مناسبات صوفية؛ إذ كثيرًا ما اعتمدت توصيات مقدمة من قِبَل معنيين بهذا الشأن، تقول إن الأزاهرة يقدمون قراءة معتدلة للتصوف الإسلامي؛ ما يعد إنقاذ للصوفية المصرية التي تمر بمرحلة خمول لا ينكرها حتى العاملين بها.


ويأتي ذلك كجزء من مشهد صوفي مصري يشهد تحولات، تحدث عنها الباحث في الشأن الصوفي، مصطفى زهران، لـ«المرجع»، واسماها بـ«التصوف العلمي». وأوضح أن المقصود به التصوف المغلب لجانب الشرعي والأحكام الفقهية على الجانب الفلكلوري من موالد واحتفالات.


ولفت إلى أن أبرز أزمات الصوفية المصرية هو اختصارها في المنطقة الفلكلورية، حتى بأت أغلب رموزها ومشايخ طرقها غير عارفين بالمعني العلمي للتصوف.


واعتبر أن وجود شخصيات مثل الدكتور علي جمعة في الوسط الصوفي، من شأنه أن يغلب كافة التصوف العلمي على نظيره الطرقي.


وبخلاف جمعة، هناك اسماء آخرى، مثل الدكتور محمد مهنّا، مستشار شيخ الأزهر، وعمرو الورداني مدير التدريب بدار الإفتاء، وأحد الدعاة الجدد للصوفية، الدكتور عمر الورداني، إذ يتولون حمل مهمة تقديم التصوف العلمي.


عبدالحليم محمود
عبدالحليم محمود

مشهد ديني ساعي للتجديد


الحديث عن «جمعة» وتصدره الواضح للمشهد الصوفي، لا يمكن اقتطاعه من مشهد ديني مصري تتبنى فيه الدولة مشروعًا فكريًّا تحاول من خلاله تنقيح التراث  لمواجهة المتشددين «تجديد الخطاب الديني».


وبما أن الصوفية كانت دائمًا هي البديل للتطرف، والمنهج الذي يُراهن عليه لإفحام المتشددين، فكان من المرجح أن تدعم الدولة الصوفية.


«جمعة».. وارث الأسبقين


يدعم رؤية الرهان على «جمعة»، التوجه الصوفي الجديد الذي يقّدم شيخ «الصدّيقية الشاذلية» كامتداد لجيل أعلام الصوفية الذين رحلوا في حقبة السبعينيات والثمانينيات، أمثال شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، والأزهري صالح الجعفري، شيخ الطريقة الجعفرية.


للمزيد.. عبدالحليم محمود.. صوفي نال رضا الإخوان والسلفيين


في رسالة ماجستير حديثة مقدمة من الباحث كرم بهنسي، بجامعة المنوفية كلية الآداب، تحت عنوان «انتصارات الشيخ علي جمعة للتصوف.. دراسة تحليلية»، تناول الباحث دور مؤسس «الصديقية الشاذلية» في إحياء الصوفية، مطلقًا عليه «المجدد الباعث لموجة الإحياء الكبيرة بعد رحيل جيل الرواد الأكابر».


واتساقًا مع ذلك يلحظ ظهور «جمعة» المتكرر بزيه الصوفي من طاقية حمراء وشال (زي الطريقة الغمارية المغربية التي أخذ عنها منهجه)، حتى في المناسبات غير الصوفية، ما يفسّر برغبة لدى الشيخ في تقديم نفسه كرجل صوفي إلى جانب هويته الأزهرية المعروفة ومنصبه السابق كرأس لدار الإفتاء المصرية.


ورغم أن في دخول شيخ «الصديقية الشاذلية» إلى الساحة الصوفية والترويج له على إنه وارث الأولين وحامل التصوف الصحيح اتهام لمشايخ الطرق الموجودين بالتقصير والفقر العلمي، فإن أحدًا منهم لم يسجل اعتراضًا، بل جميعهم اتفقوا على كونه إضافة للتصوف.

عبدالخالق الشبراوي
عبدالخالق الشبراوي

الخرافات والبدع

يرى شيخ الطريقة الشبراوية، عبدالخالق الشبراوي، أن في دخول «جمعة» إلى الساحة الصوفية استفادة؛ إذ ينفي عنها ارتباطها بالخرافات والبدع.


وأوضح «الشبراوي»، في تصريح لـ«المرجع»، أن احتفالات الصوفية وطقوسها الدينية تعد محاربة للفكر المتشدد الذي يصف طقوسهم بالكفر والبدع، مشددًا على أن الصوفية مصرة على تقديم فكرٍ مغايرٍ لفكر الإرهابيين، وعلى حماية الهوية المعتدلة للمواطنين العاديين.


وفيما يخص أنباء انتشرت عن احتمال الدفع بـ«جمعة» في منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية، حتى يتمكن من إتمام مشروعه الإصلاحي، رحب «الشبراوي»، قائلًا: إن «جمعة جدير بالمنصب، ووجوده سيحدث طفرة».


وأشاد بما اعتبره جهودًا فردية من داخل الصوفية أو الأزهر لتجديد الخطاب الديني، معولًا في ذلك على المفتي السابق ليتولى هذه المهمة.


وبما أن أبرز الفعاليات التي ظهر فيها المفتي السابق منذ تأسيس طريقته هي «موكب ومولد» أي احتفالات فلكلورية، وإذ كانت هذه الاحتفالات هي أهم الانتقادات التي تتلقاها الصوفية المصرية؛ إذ تُتهم بأنها تختصر التصوف في الحالة الطقوسية، فهل الرهان على «جمعة» والتعامل معه على أنه شيخٌ جاء ليرتقي بالتصوف عن الشكل الطقوسي يعد رهانًا فاشلًا؟


رفض مصدر من المجلس الأعلى للطرق الصوفية (أعلى جهة صوفية في مصر)، الحكم على تجربة «جمعة» بالفشل، قائلًا: إنه من المبكر الإقرار بهذه النتيجة، خاصة إن عمر تجربته لم يتجاوز ثمانية أشهر.


وتوقع -المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه- أن يكون حرص مؤسس «الصديقية الشاذلية» على المشاركة في الاحتفالات الفلكلورية لتقديم نفسه كشخصية صوفية، مشيرًا إلى أنه يسعى من خلال هذا الوجود إلى سحب المتصوفة إلى الدروس العلمية، والقناعة بأنه لا تعارض بين الاهتمام بالمولد والتاريخ العلمي لصاحبه.


وتعيش الصوفية المصرية في شكلين، أولهم الصوفية الطرقية، التي تعترف بها الدولة ويتم تنظيمها وفقًا لقانون 118 لسنة 1976، في طرق تتكون من شيخ للطريقة والمُريدين، أما الشكل الثاني وهو الأقدم، ويقصد به الصوفية السائلة التي يرتبط فيها الصوفي بشيخ بدون هيكل إداري، أي مجرد حالة روحية.


للمزيد..التصوف المتشرّع.. دروس العلم تُهدد حلقات الذكر

"