ad a b
ad ad ad

اليارسانية العلوية.. طائفة شيعية لـ«العشاق العظماء»

الأربعاء 10/أكتوبر/2018 - 01:13 م
المرجع
طباعة

أسسها فخر العاشقين سلطان إسحاق البرزنجي


تُصنَّف على أنها أقلية وتحتفل في عاشوراء بالحب والابتسام


يؤمنون بتناسخ الأرواح وقدسية الموسيقى وتجسيد الله


داعش قتل وهجَّر منهم الكثير.. ومازالوا صامدين

تختلف الطائفة اليارسانية العلوية عن كلِّ طوائف الشيعة في إحيائها ذكرى عاشوراء أو الاحتفالات الحسينية (يحتفل الشيعة في غالبية أنحاء العالم يوم العاشر من شهر المحرم الهجري بذكرى مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب في معركة كربلاء)، وبينما تحيي غالبية الشيعة هذه الذكرى باللطم، وجرح أنفسهم في مشاهد دموية، تحيي اليارسانية مثل هذه الذكرى بالموسيقى، وتبادل نظرات الحُبِّ والابتسامات.

واليارسانية (في إيران)، أو الكاكائية (في العراق)، أو (أهل الحق)، كما يُطلقون على أنفسهم؛ ديانة كردية إيزيدية قديمة، اتخذت شكلها الحديث بعد المدِّ الإسلامي نحو إقليم كردستان؛ بحيث أصبحت ديانة باطنية تتكتم أسرارها، وينتشر اليارسانيون في الدول المحيطة بالإقليم فيعيشون في غرب إيران بمحافظة کرمانشاه؛ وفي العراق تجاوزت أعدادهم عدة ملايين منتشرين في محافظتي كركوك وديالي، إضافة إلى مناطق عدة متفرقة في أربيل العاصمة الكردية، وفي محافظة السليمانية، ومدينة الموصل، والعاصمة العراقية بغداد.

كما تنتشر الطائفة اليارسانية بين أعداد من المنتسبين إليها من أعراق غير الكردية، مثل التركمان واللوريين (في إيران)، إضافة إلى اليارسانيين من أصل عربي.

وتعددت التفسيرات حول أصل التسمية باليارسانية، ولكن الأرجح أن الكلمة تتركب من لفظة (يار) بمعنى المتصوف العاشق، ولفظة (سان) بمعنى العظيم أو ذي المكانة، وكلمة الكاكائية بمعنى الأخوية نسبة إلى كلمة (كاكه ية) بمعنى «الأخ الأكبر»، وقد ظهرت كديانة مستقلة على يد مؤسس، ومجدد هذه الطريقة فخر العاشقين سلطان إسحاق البرزنجي المولود عام 1273م.

وقد حظيت اليارسانية باعتراف كأقلية دينية في العراق، ولكن هذا الباب لايزال مغلقًا أمامها في إيران، فلا يُعترف بها لا كأقلية دينية ولا عرقية.
اليارسانية العلوية..
عقائد خاصة
تتميز هذه الطائفة بعقائد عدة خاصة؛ نتيجة تداخل الأديان القديمة بالدين الإسلامي، ومزج التشيُّع بالتصوف، حتى اختلف الباحثون في توصيفهم، فبعضهم يصفها بطريقة صوفية، وآخرون يعتبرونها ديانة منفصلة؛ لكن التوصيف الأشهر أنها طائفة عرقية ذات نهج ديني خاص؛ إذ يقدسون القرآن الكريم والسنة النبوية، إلى جوار كتابهم المقدس باللغة الكردية، ويطلقون عليه «النتيجة العظمى».

يشير اليارسانيون في «النتيجة العظمى» إلى أن: «الله لا يدير الكون مباشرة بل يتجسد في صورة تجسدات في الأدوار الستة التي ظهرت حتى الآن، والتي تضم مؤسسها إسحق البرزنجي، والمسيح عيسى، والإمام علي بن أبي طالب، والإمام المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان ليتم الدور السابع».

كما يقرُّون كتبًا دينية أخرى ككتب مقدسة، مثل «خطبة البيان» المنسوبة لعلي بن أبي طالب، وشرحه باللغة التركية (كشف الظنون)، إضافة إلى كتاب (جاوَدانْ عُرفي) وهو كتاب الطريقة الحروفية الصوفية (فرقة شيعية فارسية متأثرة بالصوفية والإسماعيلية، أسسها فضل الله نعيمي الأسترآبادي) وكتابي (حياة) و(التوحيد) لسلمان أفندي الكاتبي.

ومن أبرز مميزات هذه الطريقة أنها تعتقد في مبدأ تناسخ الأرواح (فكرة فلسفية تعني رجوع الروح إلى الحياة بجسد آخر، وقد أخذت هذا المبدأ من الديانة البوذية)، كما أن هذه الطائفة تنكر معتقدات عدة إسلامية مثل عذاب القبر ونعيمه، وتنادي بمبادئها الخاصة، وأبرزها الطهارة العامة والخاصة، والصدق الظاهري والخفي، والتسامي والعفو عن زلات الآخرين، والفناء في الله (بمعنى الابتعاد عن التكبر والغرور، لتتسامى أخلاقهم للوصول إلى الله)، بالإضافة إلى ذلك يتخذون موقفًا حياديًّا من كلِّ الطوائف والمخلوقات فلا يتهجمون أو يلعنون أي أحد حتى الشيطان نفسه.
اليارسانية العلوية..
طقوسهم الدينية
يمارس أتباع الطريقة اليارسانية كثيرًا من الطقوس الدينية عند المسلمين عامة؛ لكنهم يختلفون في أمور عدة؛ فيميزون أنفسهم عن عامة المسلمين الذين يسمونهم أهل الشريعة، ويُطلِقون على أنفسهم لقب أهل الحقيقة؛ فيطلقون شواربهم مؤمنين بحرمة حلاقتها تأسيًا بالإمام علي (الذي يقولون إنهم ورثوها عنه).

كما يعتقدون أن تنازل الإمام علي عن الخلافة كان مهمًّا لتخليد رسالته الروحية، ويحتفل اليارسانيون بعيدهم الخاص يوم 15 يناير في كل عام ميلادي؛ فيوزعون الخبز مع اللحم المسلوق، ويذبحون الدِّيَكَة أو البقر كطقس من طقوس العيد، ولا يسمحون لغيرهم أن يتناول لحم هذه القرابين، كما يوجبون على كل مؤمن أن يتقدم بخروف على الأقل كل عام، وديك في كلِّ شهر.

وتختلف اليارسانية عن عامة المسلمين في اعتقادهم أن الموسيقى هي نوع من أنواع الصلاة، ولا يجوز تحريمها، بل يعتقدون أن أفضل طريقة انتقام لمقتل الحسين بن علي ليس عن طريق جلد الذات والبكاء والنحيب والممارسات الدموية؛ ولكن عن طريق الغناء والموسيقى، والحب، وتبادل الابتسامات.

وينادي اليارسانيون بالحفاظ على صوم 3 أيام في السنة غير أنهم لا يصلون صلاة المسلمين؛ بل تتكون غالبية عباداتهم من أدعية ومناجاة، ولا يفرضون طريقة معينة في العبادة، ويتركون ذلك للمريد بينه وبين ربه يحدد أسلوبه الخاص، إلى جانب تحريمهم شرب الخمر.

ويعتقد اليارسانيون في مشروعية الطلاق على أن يكون برضا الطرفين تمامًا كعقد الزواج، لكنهم لا يبيحون تعددَ الزوجات، أو أن يتزوج الشيخُ ابنة مريده، أو العكس.

وشهدت اليارسانية في العصر الحديث محاولات عدة تجديدية في سبيل من التعايش مع المذاهب المحيطة دون الخروج عن روحانيتها؛ ولكنها باءت بالفشل بسبب طابعها المغلق السري، إلا أن هنالك بوادر تغيير مذهبي؛ حيث يسمحون لأئمة العلوية أو الشيعة بالصلاة على موتاهم ثم يُكمل شيخ يارساني طقوسهم الخاصة.

ويتشارك اليارسانيون مع الطائفة العلوية في تقديسهم لأضرحة عدة؛ لكن أبرز مزاراتهم الخاصة هو ضريح سلطان إسحق مؤسس الطريقة في جبل هورامان، ومزار سيد إبراهيم ببغداد.

يعاني اليارسانيون من الاعتداءات المتكررة من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، سواء على المستويات الشخصية أو بالاضطهاد العام نحو الطائفة، فهاجم تنظيم داعش اليارسانيين في محافظة نينوى وهجَّر آلافًا منهم، ودمَّر 3 مزارات لهم، إضافة إلى ذلك فجَّر تنظيم داعش العديد من الأضرحة والمعابد الخاصة بهم في مُختلَف المحافظات العراقية، واعتدى على العشرات من رجال الدين اليارسانيين بحكم وجودهم في الأماكن المختلفة في العراق.

وقد ذبح التنظيم عدة قيادات يارسانية، ورغم الطبيعة المسالمة لليارسانية إلا أن اليارسانيين قرروا أن يشاركوا في التطوع  خلال الحرب على الإرهاب الداعشي ضمن قوات البيشمركة الكردية؛ جنبًا إلى جنب مع القوات الإيزيدية و«الشبك» (إحدى الطوائف المنتشرة في العراق لاستعادة مناطقهم المُغْتَصَبَة من تنظيم داعش والتكفل بحمايتها وحفظ الأمن فيها).
"